-1-
ليس مستغرباً أبداً الموقف السلبي العام للمثقفين العرب من أعاصير الثورة العربية، في أنحاء متفرقة من العالم العربي، وحيث الشعب. أما الدول التي لا شعب فيها يتحرك، فذلك هو التاريخ، وتلك هي الجغرافيا الطبيعية والسياسية. ولكن الموج الثوري العربي الهادر سوف يُحرِّك - مع الزمن ndash; المياه الآسنة منذ زمن طويل، والتي نبتت فيها فطريات وطحالب كثيرة، سببت سُمنة غير عادية للأسماك، بحيث أعاقت الكثير منها على الحركة!

-2-
المثقفون العرب، يعيشون على نتائج المجتمعات. فهم كالقطط التي تعيش على فتات الموائد. لا ينطقون إلا عندما يصرخ الآخرون، ولا يكتبون إلا بدماء حبر الآخرين، ولا يجلسون إلا على جثث الشهداء.
وهكذا هم الآن.
فقبل هبوب أعاصير الثورة العربية، لم نسمع كلمة واحدة من أحدهم، تقول بالثورة وبمبادئها، أو حتى بالتغيير والإصلاح، الذي ينادي به البعض. ولا يعلم هذا البعض، أن الأنظمة التي تُطيح بها الثورات الآن، غير قادرة على الإصلاح والتغيير. ولو كانت قادرة على ذلك، لفعلت ذلك منذ عشرات السنين، ولما انتظرت حتى هذه الساعة الأخيرة!

-3-
اليوم، هناك المئات من الكتبة، والحفَظَة، والنُسَّاخ، والخطباء، والبلغاء، والمنشدين والمهللين، يفلسون الثورة، ويتوقعون من الثورة، ويطالبون الثورة، ويركبون الثورة، وينصحون الحكام من أصحاب النظام بالإسراع في الإصلاح. ولكن لا حياة لمن تنادي، وما لجرح بميت إيلام.

-4-
الثورة العربية تجتاح العالم العربي، ونحن المثقفين، نتفرج عليها كالمهابيل، دون أن يحمل أي منا عصا، أو حجراً ، أو مطرق رمان، أو بندقية صيد.
صحيح أنا منا من كان يناضل نظرياً ndash; وهؤلاء قلائل جداً، بل هم الندرة النادرة ndash; وترك النضال على أرض الواقع للشباب وللأجيال الصاعدة ndash; وهذه هي حيلة العاجز دائماً. وعزاؤنا في هؤلاء القلة القليلة التي كانت تبشر بالثورة. ومن حق الناس لوم المثقفين لوماً شديداً.
وهم أحق الناس بهذا اللوم!

-5-
في الأمس، أعلن كتّابٌ، وروائيون، وقوى سياسية مصرية، تضامنهم مع الشعب السوري quot;في معركته الحالية من أجل الديمقراطيةquot;.
وذلك أضعف الإيمان!
ولكن ما هذا التضامن، وما محتواه؟
أكيد، ببيان مكتوب، أو بخطاب محجوب، وكفى!
وقال المتضامنون في البيان: quot;نعلن نحن المصريين وقوفنا، بكل قوة، إلى جانب شعب سوريا، ونترحم على أرواح شهداء الحرية، الذين يسقطون كل يوم في ساحات التظاهر السلمي برصاص قوات الأمن.quot;

-6-
هذه هي عادة المثقفين العرب، في إعلان تضامنهم مع الثورات.
علكُ كلام .. وكلام مجاني، لا يجيب ولا(يودي)!
أو رفع عتب، حتى لا يقال، أنهم كانوا نائمين، ودنيا العرب تحترق!

-7-
ولكن البيان التضامني استنكر quot;التضليل الذي تمارسه أجهزة الإعلام والدعاية الرسمية التي تزعم أن المطالبين بالحرية، هم مجموعة عصابات مسلحة.quot;
كما رفض البيان quot;تمسُّح السلطات الحاكمة بالمقاومة الشريفة، ضد العدو الصهيوني بالزعم أن سوريا تتعرض لمؤامرة خارجية لدعمها لهذه المقاومة.quot;
وما الجديد في ذلك، وهذه الحقائق يعلمها أطفال الثورة، ويعلمها القاصي والداني، والقريب والبعيد، والغريب والقريب؟
وطالب البيان السلطات السورية quot;بأن ترفع فوراً يد أجهزتها الأمنية الملوثة بالدماء عن الشعب السوري، ليمارس حقه المشروع في التظاهر السلمي، وتشكيل الحياة السياسية التي يريدها.quot;
ورغم ذلك، فهذا البيان أفضل من لا شيء، وأفضل من الصمت، الذي يتلفَّع به معظم المثقفين العرب من الكبار والصغار.

-8-
والسؤال الآن:
أين صوت الروابط الثقافية والأدبية في العالم العربي؟
أين النقابات الثقافية؟
أين الأندية الأدبية والثقافية؟
أين النقابات الصحافية والإعلامية؟
أين الكتاب الكبار والكتاب الصغار؟
أين أساتذة الجامعات؟
أين .. وأين.. وأين؟
ولماذا نتساءل إذن، أين أمريكا؟ وأين الاتحاد الأوروبي؟ وأين حلف الناتو؟ وأين مجلس الأمن؟ وأين الأمم المتحدة؟ وأين منظمات حقوق الإنسان؟ وأين.. وأين؟

-9-
وحين ظهرت كل هذه في العراق، لعنَّا الغرب، ولعنَّا التدخل الخارجي، والآن نحن نلعن تدخل (الناتو) في ليبيا. ولذا قرر الكونجرس الأمريكي، أن لا يُلدغ في جُحر العرب مرتين، وقرر توفير فلوس دافع الضرائب الأمريكي، وتوفير دماء الجنود الأمريكيين، حتى لا يُصار إلى كيل المدائح، والاعتراف بالجميل الأمريكي، كما حصل في العراق!

-10-
الثوار السوريون، ليسوا بحاجة إلى أية (فزعة) عربية.
فما وضع العرب يدهم في مسألة، إلا وأضاعوها.
ولو اشتغل الفلسطينيون على قضيتهم وحدهم، ودون تدخل من العرب، لما أصبحت كرة الثلج الفلسطينية بهذا الحجم الضخم، بحيث لم يعد أحد قادراً على احتوائها؟
فهل يعي الثوار السوريون هذا؟

السلام عليكم.