أثارت دعوة رئيس الجمهورية التونسية محمد المنصف المرزوقي إرسال قوات حفظ سلام عربية إلى سوريا الكثير من ردود الأفعال في أرض الخضراء وكذا خارجها. خاصة وأنها ليست المرة الأولى التي يقحم فيها ساكن قرطاج نفسه وبلاده في الشأن السوري وكثيرا ما كانت تصريحاته مثار جدل فيما يتعلق بهذه الأزمة.
لقد سبق للمرزوقي أن دعا الرئيس السوري بشار الأسد إلى مغادرة بلاده إلى منفى قسري في روسيا، ما أثار امتعاض موسكو أكبر حلفاء نظام الأسد. وفي إطار بحثه المستمر عن إيجاد حل للأزمة السورية وفقا لما جاء في تصريحاته اقترح الرئيس التونسي على نظيره السوري إيواءه في تونس حقنا للدماء في بلاد الشام وهو ما أثار انتقادات واسعة طالت الحقوقي السابق معارض بن علي حديث العهد بسياسة شؤون الحكم.
ويشار إلى أن حكومة الترويكا في تونس التي تسيطر عليها حركة النهضة ذات التوجهات الإخوانية كانت من أوائل الحكومات التي أقدمت على طرد السفير السوري من أراضيها. كما أن تونس كانت ثاني دولة بعد تركيا تحتضن مؤتمر أصدقاء سوريا الذي ضم معارضي حكام دمشق وعرف مشاركة مكثفة من دول العالم دون أن يفضي إلى نتيجة بشأن الخروج بحلول عملية لإيقاف نزيف الأزمة التي استفحلت وأرقت المضاجع.
فالديبلوماسية التونسية التي عرفت تاريخيا برصانتها وبعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول وبالتزام الحياد في أكثر من ملف وباستقلال في القرار وصل إلى حد تهديد الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة لواشنطن سنة 1985 بقطع العلاقات معها إن هي استعملت حق النقض الفيتو في مجلس الأمن ضد قرار يدين إسرائيل بعد قصفها لمدينة حمام الشط التونسية التي كانت تضم مقر قيادة منظمة التحرير الفلسطينية، يبدو أنها (أي تونس) باتت تسير في ركاب القطريين عرابي واشنطن الجدد في المنطقة العربية بما أن دعوة المرزوقي إلى إرسال قوات عربية لحفظ السلام في سوريا كان دعا إليها أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني من أعلى منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة ولا يتصور أن الأمر يتعلق بمجرد توارد في الأفكار.
ولعل أهم ما يمكن استنتاجه من هذه الدعوة التونسية القطرية أن العرب لا يعتبرون من ماضيهم ومما أصابهم من مآس ونكبات. فالتاريخ الحديث يثبت أن من أهم الكوارث التي سلطت على لبنان أيام حربه الأهلية التي استمرت لأكثر من عقد ونصف، هي القوات العربية التي تم إرسالها إلى بلد الأرز تحت مسمى قوات الردع العربية التي لم تلزم الحياد بين الفرقاء وانخرطت في الصراع الدائر وتحولت إلى طرف رئيسي فيه وساهمت في تأجيج نيران الفتنة. وللتغطية على فشلها تم تفويض صلاحياتها إلى الجيش السوري وسحبتها جامعة العرب غير مأسوف عليها. وذلك بخلاف ما ذهب إليه أمير قطر من أن تلك التجربة كانت ناجحة بكل المقاييس وأنها كانت سببا في إنهاء الحرب الأهلية، وهو أمر غير صحيح بالمرة.
وتتبادر إلى الأذهان عدة استفهامات تتعلق أساسا بمهمة هذه القوات المزمع إرسالها، والتي تبدو غامضة، وبالجهة التي ستنسق معها وكذا بالبلدان المشاركة فيها والقيادة أيضا. فهل ستنخرط هذه الجيوش في الصراع الدائر من خلال نصرة طرف ما على حساب الآخرين وحسم المعركة لجهتة، وحينها ستتحول إلى هدف لعمليات الطرف الذي ستنتصر إلى خصمه وسيسقط منها الضحايا بالجملة بين قتلى وجرحى مصابين بعاهات لتضطر بلدانها إلى سحبها في نهاية المطاف؟ أم أنها ستلتزم الحياد لتبقى مجرد شاهد على المجازر المرتكبة وكذا الضحايا وتتحول إلى عبء غير ذي جدوى لتطالب الأطراف أيضا بسحبها بعد فشل مهمتها في وقف الصراع الدائر؟ لذلك فإن فكرة إرسال قوات ردع عربية إلى سوريا أمر غير ذي جدوى ومضيعة للوقت واقتباس لتجربة فاشلة بكل المقاييس.
والحقيقة أنها ليست المرة الأولى التي يقتبس فيها الرئيس التونسي التجارب الفاشلة فقد سبق له وأن دعا إلى بناء إتحاد المغرب العربي باستبعاد قضية الصحراء وهو أمر سبقه إليه قادة دول المغرب العربي سنة 1989 في مراكش الذين استبعدوا هذه القضية من أجنداتهم ليصلوا بعد سنوات من المكابرة إلى نتيجة مفادها أنه لا يمكن بناء الإتحاد المغاربي دون إيجاد حل لهذه القضية المعضلة شديدة الحساسية لدولتي الجزائر والمغرب والتي كانت سببا في تأجيل الكثير من القمم المغاربية وتجميد عديد الإتفاقيات ومعها هياكل الإتحاد.
فالتاريخ هو عبرة بالأساس وتجارب إنسانية بالجملة بعضها كان النجاح حليفها وبعضها الآخر كان مآله الفشل. ورجل الدولة والسياسي المحنك هو من يعتبر من تجارب الآخرين وينظر إلى التاريخ نظرة متفحصة وثاقبة يستبعد من خلالها هنات أسلافه وخيباتهم ومن ذلك فكرة إرسال قوات ردع عربية إلى سوريا التي يتوقع أكثر من مراقب أن يكون مصيرها الحتمي هو الفشل شأنها شأن إرسال المراقبين العرب الذين أعقبهم نظراؤهم الدوليون في وقت سابق وباءت مساعيهم جميعا بفشل ذريع.