أول ما يبدأ الطفل في النطق نعلّمه الكلام، نسعد بكلماته الأولى التي تشكّل بالنسبة لنا أولى خطوات نموّه ككائن ناطق. من هذه النقطة نلاحظ أننا نحن البشر نميل بالفطرة الى الكلام وبعض الناس تكون عندهم هذه الفطرة أشبه بالنهم في عالم يقوم التواصل فيه بشكل أساسي على الكلام. لا مشكلة حتى الآن ولكن كم يستخدم الكلام بطريقة سلبية، عن قصد وغير قصد، وتكون نتيجته دموية.

وسط كم الأخبار التي نسمع كل يوم، سواء السياسية منها أو غير السياسية يستوقفك للحظات التفكير نقديا في صحة ودقة ما يقال وما ينقل وما يمكن أن يكون الخبر أصلا وكيف يصل مشوها في صيغته النهائية.

أذكر أننا كنا في ورشة عمل تدريبية تحت عنوان quot;حل النزاعاتquot;. كنا وقتها نحو 12 صحفيا، وفي أحد التمارين طلب المدرب من 5 أشخاص مغادرة القاعة، وطلب الى شابة من بيننا أن تتوجه اليه ومن الباقين أن يراقبوا ما يحصل.

نسرين عجب

ورحنا نراقب، أعطاها بضعة لوحات وطلب اليها أن تختار واحدة منها وتحفظ ما فيها، ثم أخذ منها اللوحة وطلب الى أحد الذين في الخارج ان يدخل واليها أن تشرح له ما رأت. قالت رأيت لوحة فيها مرفأ يبدو أنه يتم فيه تبادل البضائع، الشمس مشرقة، وهناك شاب وفتاة على المرفأ يبدو أنهما يحبان بعضهما البعض وتفاصيل أخرى. ثم طلب المدرب من ذلك الشاب أن يحفظ ما قالته له وينقله الى آخر استدعاه من الخارج، وهكذا دواليك حتى دخل كل الذين في الخارج. والمفاجأة كانت أن الخبر الذي نقل بالتواتر وصل في صيغته النهائية يحصل تجارة بالمخدرات، غاب وجود اللوحة من الأصل... مع التذكير أن التمرين كان ينفذه صحافيون، وأول درس يأخذه طلاب الصحافة الدقة والموضوعية. ضحك المدرب وقال هكذا تنقل الأخبار.

لم يقصد أي أحد تشويه الحقيقة ولكن النتيجة كانت أن نقل الخبر أطاح بحقيقته، فكيف اذا أراد أحدهم تشويه الحقيقة عن قصد، كيف يمكن أن يصل؟ هذا التمرين العفوي ببساطته يطرح علامة استفهام حقيقية حول مدى صحة ما يتم تناقله كل يوم، وحول تأثير شخصية من ينقله ورؤيته للامور ومواقفه الشخصية على مصداقية ما ينشره أو ينقله. والعبرة قد لا تكون في الخبر الذي ربما يُنسى بعد حين ولكن العبرة في ردات الفعل التي يولدها والتي لا تقف عند حد خبر من هنا وخبر من هناك وتكون في بعض الأحيان كارثية.