تقام هذه الأيام الإحتفالات بذكرى شهادة الصدر الثانى محمد محمد صادق الصدر الذى استشهد عام 1999 م، حيث كان لنهضته وحركته أثر كبير فى الساحة العراقية. الصدر الثانى ابن عم وتلميذ الصدر الأول (محمد باقر الصدر الذى استشهد فى 9 أبريل 1980 وامتداد له فى بعض الجوانب خصوصا الحركة الإجتماعية والسياسية خصوصا إقامته صلاة الجمعة بالكوفة وخطاباته المتفاعلة مع المجريات والتحديات ووكلائه المختلفين فى شتى المناطق والتى حركت الساحة العراقية المعقدة والصعبة بشكل واسع ومؤثر. اعتبر المرجعية قسمان الناطقة المتحركة والصامتة الساكنة غير الفاعلة، حيث
يتحدث الصدر الثانى عن أسباب تصديه للمرجعية فى حوار مسجل فى منزله فى (الحنانة) فى النجف قائلا (إنما تصديت للمرجعية حيث وجدت نواقص ومظالم وإهمالات كثيرة فى الحوزة والشيعة عموما فتصديت ودخلت معمعة المجتمع والحوزة والمرجعيات) كما تحدث عن مظلوميته من رجالات الحوزة واتهاماتهم له وذكر مرجعيات فارسية موجودة. حاول أن يطرح أهداف المرجعية الحركية السياسية الناطقة ويشرح مساوئ المرجعيات الفارسية الموجودة كالأنانية فيقول (المهم في المرجع الإتجاه نحو العدالة الإجتماعية وإنصاف الناس من نفسه وإدراك المصالح العامة.. ولكن الأنانية في المرجعية هي العنصر الغالب مع الأسف جيلا بعد جيل) ثم يناشد الناس بذلك قائلا: (اتبعوا شخصا له اتجاه بذل النفس والنفيس في سبيل الدين الحنيف)، وهو يقسّم المرجعيات إلى ناطقة وأخرى صامتة قائلا: (أن هناك اتجاهين في الحوزة العلمية والمرجعية : اتجاه المرجعية الناطقة، واتجاه المرجعية الساكتة ولا يوجد أي عذر لسكوتها سوى أنها تخاف من الموت) ويضيف: (لا بد من الالتفات إلى موقف الحوزة السكوتية والسلبية في موقفها.... أسألوهم عن صمتهم الذي هو كصمت القبور.... وكان أفضل ما فعله بعضهم هو السكوت والإعتذار، والبعض الآخر أخذ بالطعن). كان يذكر مرجعية السيستانى كمرجعية صامتة غير فاعلة يتهمها بالتواطئ بعيدا عن القيم.

تصدى المجلس الأعلى التابع لإيران فى اتهام الصدر الثانى بالإرتباط بالنظام العراقى حتى قتله مع ولديه بعد إطفاء الكهرباء فى المنطقة وإحاطتها بأجهزته المخابراتية ثم تسليم جثته بهذه الطريقة من النظام السابق ومنع التشييع والفواتح عليه.

لقد صرح محمد باقر الحكيم بنفسه فى لقائه بفيلق بدر التابع للمجلس قائلا (إن السيد محمد الصدر قريب من السلطة) وعندما سأله أحدهم عن صلاة الجمعة التى يقيمها وخطبه وحركته، أجاب قائلا (إن ذلك ليس دليلا كافيا بدليل أن معاوية بن أبى سفيان كان يقيم صلاة الجمعة) وهو تشبيه غريب يشير إلى عمق الهوة بينهما فنزل الصدر الثانى منزلة معاوية بن أبى سفيان، كما أشار الحكيم فى مقابلة مع صحيفة الزمان اللندنية بتاريخ 27/1/2000 عن الصدر الثانى قائلا (نعم لدينا ملاحظات على طريقة السيد محمد الصدر منذ البداية). هذا وقد قدم عبد الصاحب الحكيم مذكرة علي العضاض ممثل المجلس الأعلى فى جنيف إلى مندوبى 70 دولة فى الدورة 53 للجمعية العمومية للأمم المتحدة فى كانون الثانى عام 1999 وفيها (وإن الحكومة العراقية تساند رجل دين لايعترف به رجال الدين الشيعة ولايصلح للمرجعية) مشيرا إلى الصدر الثانى.

والجدير ذكره أن حاشية باقر الحكيم ممن روجوا لتهم عديدة ضد الصدر الثانى، فقد كان مثلا عبد العزيز الحكيم قد عبَّر عنه مرارا وتكرارا بلقب (مرجع السلطة)، كما طبع المجلس الأعلى فى إيران كراسا ونشره بشكل واسع وكثيف فى كل إيران والخارج عنوانه (مرجعية السيد محمد صادق الصدر) ويظهر فيه اتهامات للصدر بارتباطه بالنظام العراقى، كما كتب صدر الدين القبانجى فى صحيفته (المبلغ الرسالى) الصادرة فى قم ويقول (إن النظام قد جعل من مرجعية الصدر غطاء لمخططاته وسوف تستخدم ضد الإسلام وباسم الإٍسلام) وغيرها كثير مثل ما كتبه القبانجى فى صحيفته وباسمه بتاريخ 27/10/1997 مقالا فيه التجريح والإتهامات للصدر الثانى وتمجيد للخامنئى والحكيم ومضمون الكراس المذكور أعلاه ونفس عباراته وفيه أيضا (إننا اليوم نتعامل مع ولاية الإمام الخامنئى...وادعاء ولاية أخرى للساحة العراقية فى ظل حكومة صدام حسين أقرب إلى المهزلة) وغيرها.

حاول الصدر الثانى فتح مكتب له فى قم عن طريق صهره جعفر محمد باقر الصدر فأغلقته الحكومة الإيرانية متهمة الصدر الثان ىالإرتباط بالنظام العراقى كما اعتقلت جعفر الصدر وسجنت وعذبت مسؤول المكتب. كما كانت تصدر من مكتب الحكيم وجرائده (لواء الصدر) (الشهادة) من إيران و(نداء الرافدين) من سوريا ولبنان الكثير من الإتهامات ضد الصدر الثانى.

نبيل الحيدري

إحدى مشاكل رجالات الإسلام السياسى هى أنهم يحاربون خصومهم حتى الإسلاميين الآخرين حربا غير شريفة ومتهمين لهم شتى التهم لكنهم بعد وفاتهم، إذا هم ينقلبون كليا ويبدؤون بإقامة الفواتح وتغيير اللهجة كاملا بالمديح وإصدار البيانات وإطراء الثناء على المرحومين. هذا ما حصل فعلا مع الصدرين، فبعد جريمة قتل الصدر الثانى، بدأت القيادات الإيرانية والمجلس الأعلى وبقية أحزاب الإسلام السياسى بإصدار البيانات وإقامة الفواتح الكثيرة عليه حتى لقبته بالشهيد ذى النفس الزكية جريدة الشهادة للمجلس الأعلى بطهران عدد 783 بتاريخ 23/2/1999 ونداء الرافدين للمجلس الأعلى بدمشق عدد 196 بتاريخ 8/4/1999. وعلى نفس الطريقة الإيرانية رغم خلافهم للصدر الثانى وإغلاق مكاتبه وسجن وتعذيب أفراده، فقد أقام ولى الفقيه على الخامنئى فاتحة ضخمة فى أكبر مساجد قم وحضرها المسؤولون الإيرانيون ومنهم محمدى كلبيكانى مدير مكتب الخامنئى وعلى المشكينى رئيس مجلس الخبراء كما حضرها باقر الحكيم وقيادات حزب الدعوة حيث سميت الفاتحة بضرب الأحذية لأن جماعات الصدر ضربوا باقر الحكيم بالأحذية بعد رفعهم شعارات الموت لآل الحكيم باعتبار ارتباطاتهم الإيرانية ومحاربتهم للصدر الثانى.

بضع سنوات لمرجعية الصدر الثاني أفزعت النظام والمعارضة والمرجعيات المختلفة فى قم والنجف وفى وقت واحد من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار ولازالت تثير الجدل حولها وحركتها وإرثها وما آلت إليه.

من المؤسف أن يرث هذا التيار ابنه بسبب العقلية الوراثية الإجتماعية فى أن يحتل شخص يفقد أى مؤهلات فكرية أو سياسية أو إجتماعية وتغيير مواقفه دائما فبعد أن كان تغيير المالكى كدكتاتور مشروعا إلهيا تحول بقاؤه إلى مشروع وطنى مما أفقد التيار شعبيته ومؤهلاته بسبب تناقضاته وعلاقاته بإيران وعدم أهلية قياداته حتى وصل اتهام بعضهم البعض بالإجرام والقتل مثل عصائب الحق المنشقة عن التيار الصدرى حيث اتهمها مقتدى نفسه بالجرائم والقتل رغم أن المالكى أخرجهم من السجون وتحالف معهم وسمح لهم بالإستعراضات العسكرية ببغداد، مما يجعل بغداد غير آمنة تسيطر عليها المليشيات دون ضوابط فضلا عن إلحاق المليشيات بالجيش وإعطاء رتب عالية لأشخاص غير مؤهلين ولايمتلكون حسا وطنيا فيكونون متهمين بالكثير من الجرائم وإخراج المسجونين الخطرين من السجون وتهريبهم حسب ادعاء بعض المسؤولين العراقيين فى العملية السياسية.

وهكذا تحولت بغداد التى كانت مدينة السلام إلى أسوأ مناطق العالم فى الفساد المالى والإدارى والسياسى وعدم الأمان حسب التقارير المتعددة، وإفراغها من العقول العلمية والوطنية المخلصة بين قتيل ومهجر ومعتقل وشهيد دون رؤية وطنية مخلصة أو مشروع وطنى للدولة المدنية الحديثة