قلت في نهاية مقالتي السابقة بعنوان زيارة أمير قطرإلى قطاع غزة كلها ايجابيات لا سلبيات لها، وانا بصدد نفي صلة أو دعم هذه الزيارة للانقسام الفلسطيني ، قلت quot; أما الواقع الفلسطيني فهو ما سأعود إليه بالتفصيل لاحقا كي نرى بالوقائع من المسؤول عنه quot;. هذا الوضع الفلسطيني السائد في قطاع غزة تحت حكم حركة حماس، والضفة الغربية تحت حكم السلطة الفلسطينية (فتح)، وصل حدا من السوء والانقسام الداخلي ليس فقط بين حماس و (فتح) بل داخل الحركتين، مما أوصل هذا الوضع حدا من التآكل والاتهامات المتبادلة بحيث لا يمكن توصيفه إلا بالقول العربي الشائع ( لايرضي صديقا ولا يغيظ عدوا). فمن يصدّق هذه اللقطات المؤلمة في هذا الوضع الذي يطرح السؤال الأساسي: لمصلحة من كل هذا؟ هل هو من أجل التحرير والدولة الفلسطينية المستقلة؟ أم هو صراع شخصي من أجل المنفعة الشخصية وليس حتى التنظيمية بدليل الصراع في داخل التنظيم الواحد الذي يصل لمستوى صراعه مع التنظيم الآخر أو أكثر حدة واقصاءا. ومن المهم قبل استعراض بعض هذه اللقطات والمواقف المؤلمة إن لم تكن المخجلة الإقرار بأنّ المسؤول عن هذا الوضع وما يستدعيه من هذه اللقطات هي حركة فتح (أي السلطة الفلسطينية) و (حركة حماس) فقط، لأنّ باقي المنظمات الفلسطينية أيا كان عددها أو عدد أفراد وعناصر كل منظمة سواء كانوا بالعشرات أم بالمئات فهي تنظيمات مجرد شاهد ومراقب لما يحدث، ولا تستطيع التدخل أو التأثير سلبا أم إيجابا، ودورها هو إصدار البيانات وإلقاء الخطابات فقط، مما يجعل هذا الوضع المتآكل الذي لا يرضي صديقا ولا يغيظ عدوا مسؤولة عنه حركتا فتح وحماس فقط . ويكفي للتدليل الموضوعي على هذا الوضع المهين للشعب الفلسطيني بكامله في الوطن المحتل و في الشتات والمنافي، التوقف عند اللقطات والمواقف التالية مصحوبة دوما بتساؤل لمصلحة من؟.
العام السابع لانقلاب أو سيطرة حماس على القطاع
كنت قد كتبت في الخامس من أغسطس/آب لعام 2007 أي حوالي شهرين بعد الانقلاب المذكور، مقالة بعنوان (الفلسطينيون والنموذج القبرصي)، توقعت فيها أن يستمر الانقسام الفلسطيني طويلا، متذكرا النموذج القبرصي الذي طرأ بعد الاجتياح العسكري الذي مارسه الجيش التركي محتلا شمال قبرص فاصلا إياه دويلة منتزعة من الوطن القبرصي، ويستمر هذا الانفصال في دولتين قبرصيتين من عام 1974 حتى هذه اللحظة أي قرابة أربعين عاما ، دون أن تعترف بدويلة شمال قبرص التركية سوى الدولة الأم تركيا، حيث تستعمل هذه الدويلة غير المعترف بها من قبل هيئة الأمم المتحدة اللغة والعملة التركية، وتركيا الأم هي منفذها الوحيد على العالم خاصة السفر والعودة فكله يتم من خلال تركيا وبجوازات سفر تركية. هذا رغم الفارق الجغرافي بين دويلة شمال قبرص التركية ودويلة قطاع غزة الحمساوية، حيث أنّ مساحة دويلة شمال قبرص يبلغ 3335 كيلو متر مربع، أي حوالي عشرة أضعاف مساحة قطاع غزة، و يعيش فيها الآن حوالي ثلاثمائة وخمسين ألفا، بينما مساحة القطاع 365 كيلو متر يعيش فيها ما لا يقل عن مليون ونصف مواطن، حيث يشكّل القطاع بمساحته هذه أعلى نسبة كثافة سكانية في العالم.وتساءلت إلى متى يستمر الانقسام الفلسطيني؟. راهنت غالبية القيادات الفلسطينية وجماهير الشعب الفلسطيني المنكوب العديد من المرات على أن هذا الانقسام الانقلابي لن يستمر سوى أيام أو أسابيع، ويعود العقل إلى رؤوس القائمين عليه، فيعتذروا ويعيدوا الأمور إلى نصابها الشرعي السابق لانقلابهم. وها نحن نقترب من ذكراه السابعة (الرابع عشر من يونيو 2013 ) حيث ترسّخت خلالها العديد من المفاهيم الانفصالية التي تعني واقعا طويلا لم تحلم به دولة الاحتلال الإسرائيلي وما كانت تستطيع تحقيقه لو سخّرت كل قوتها العسكرية والاستخباراتية. ومن المؤكد حسب ما جرى بين فتح وحماس منذ عام 2007 ، لو أنّ هناك تواصل جغرافي بين القطاع والضفة لقامت بين الحركتين حروب وغارات متبادلة لم يشهدها الاحتلال من أي من الحركتين.
مارست حركتا حماس وفتح ضد بعضهما في القطاع والضفة ما يمكن تسميته quot;تطهيرا تنظيمياquot; شمل الإبعاد والسجن والطرد من الوظائف ووقف صرف الرواتب لدرجة أنّه في أغسطس من عام 2008 اضطر القيادي الفتحاوي أحمد حلس للهروب من القطاع مع حوالي 14 من مرافقيه وعائلته إلى دولة الاحتلال الإسرائيلي بعد اشتباكات ومداهمات مع ومن حركة حماس، وظلاّ هاربا ومبعدا عدة شهور إلى أن عاد لموطنه في القطاع. وللإنصاف فإن الحركتين مارسا ضد بعض في القطاع والضفة نفس العمليات وبنفس المستويات، وكأنّ كل حركة منهما تتعامل مع عدو وليس مع أفراد من أبناء شعبها. وما زال في سجون الحركتين في القطاع والضفة العشرات من أعضاء كل حركة، و من النادر أن يتحرك أحد لإطلاق سراحهم بينما نقيم الدنيا ولا نقعدها من أجل الأسرى والسجناء في سجون الاحتلال، رغم أنّ السجناء الفلسطينيين في سجون تنظيمات الشعب الفلسطيني أكثر ألما، فالعدو ليس مستغربا عليه أي عمل، أمّا أن يمارس أبناء الشعب نفس أعمال الاحتلال ضد بعض فهذا هو الأشد ألما وخزيا.
وهذا ليس تشاؤما بقدر ما هو قراءة موضوعية لواقع هذه المصالحة التي شهدت منذ عام 2007 توقيع العديد من الاتفاقيات بين الحركتين في أكثر من عاصمة عربية، وما إن يعود الموقعون لدويلتيهما الكرتونيتين في القطاع والضفة حتى يلحسوا حبر التوقيع ويعودوا لنفس الاقتتال والاتهامات والاعتقالات. والطريف لدرجة البكاء الذي يجعل لا أمل ينتظر اتمام هذه المصالحة، أنّ انقلاب حماس العسكري وسيطرتها على القطاع وطردها الكامل للسلطة الفلسطينية وحركة فتح في الرابع عشر من يونيو 2007 ، جاء هذا الانقلاب بعد أربعة شهور تقريبا من توقيع السلطة وحماس في الثامن من فبراير 2007 ما عرف ب quot;اتفاقية مكةquot; بين السلطة وحماس برعاية العاهل السعودي لوقف الاقتتال الذي كان دائرا آنذاك بينهما، وقد تمّ التوقيع مباشرة من رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس ورئيس حركة حماس خالد مشعل، وبموافقة وحضور أهم قيادات الحركتين خاصة محمد دحلان من فتح واسماعيل هنية من حماس الذي يترأس الآن حكومة غزة، وهو في عرف السلطة الفلسطينية رئيس الوزراء المقال، وفي عرف حماس رئيس الوزراء الفلسطيني الشرعي. فمن لم يحترم أرض مكة التي وقعوا عليها الاتفاق ، وكان مشهدهم الإيماني وهم يؤدّون مراسم العمرة يعطي الأمل في وحدة فلسطينية حقيقية، فإذا التوقيع ومراسم اداء العمرة مجرد مشاهد تلفزيونية لكاميرات الفضائيات.
كانت حكومة السلطة الفلسطينية برئاسة سلام فياض قد دعت في العاشر من يوليو 2012 إلى اجراء انتخابات المجالس البلدية في الضفة والقطاع في العشرين من اكتوبر 2012 ، وعلى الفور رفضت حركة حماس في القطاع هذه الدعوة معلنة أنّها ستقاطع الانتخابات ولن تسمح بإجرائها في القطاع. وبالفعل نفّذت السلطة الفلسطينية دعوتها وأجرت الانتخابات في الضفة الغربية وحدها يوم العشرين من أكتوبر الحالي، حيث شاركت فيها نسبة 8،54 فقط ممن يحق لهم الاقتراع، وأعلنت حركة فتح فوز قوائمها الساحق في الانتخابات في كافة المدن والقرى في الضفة، مما أدّى لتصريح فوزي برهوم المتحدث باسم حماس في غزة للقول: quot; هذه الانتخابات تزيد الانقسام ولا علاقة لها بالوفاق الوطني. إنّ هذه الانتخابات ليست انتخابات الشعب الفلسطيني بل انتخابات فتحquot;. وكل طرف يعتبر نفسه هو الصحيح في مواقفه، والنتيجة العامة التي سيعيشها الشعب الفلسطيني هي أنّه لا مصالحة ولا وحدة وطنية أبدا!!!.
أما الانقسامات والاتهامات داخل كل حركة فلايقل عما بين الحركتين، ففي حركة حماس هناك حديث صريح عن حماس الداخل(اسماعيل هنية) وحماس الخارج (خالد مشعل)، ويبدو أنّ هذا الخلاف هو سبب إعلان خالد مشعل بوضوح عن عدم ترشحه لرئاسة المكتب السياسي للحركة في الانتخابات الداخلية التي ستجري بعد فترة قصيرة، وأيضا الفارق بين ليونة اسماعيل هنية وتشدّد محمود الزهار، رغم أنّ نتيجة موقفيهما هو استمرار الانقسام الفلسطيني الذي يؤيدانه معا. أمّا في داخل حركة فتح فقد أصبح واضحا الخلاف بين فتح القطاع وفتح الضفة، خاصة في مجال التعيينات لمناصب تنظيمية في الحركة، وطرد كوادر مهمة منها وسط تناقض لا يفهمه أبناء الحركة نفسها، فمثلا يصدر منذ شهور عديدة قرارا بتجميد عضوية محمد دحلان من اللجنة المركزية ثم طرده نهائيا، ويغادر القطاع والضفة منذ أكثر من عام ونصف، ومنذ أيام يعلن أحد مسؤولي فتح quot;يحيى رباحquot; انّ محمد دحلان بإمكانه العودة لممارسة صلاحياته التنظيمية فلا قرارت ولا اتهامات صحيحة ضده. فمن يصدّق الفلسطينيون سلطة الرئيس محمود عباس أمّ مسؤول فتح يحي رباح؟. وعقب انتهاء الانتخابات المحلية الأخيرة التي أشرت إليها سابقا، أعلنت بعض المواقع الإليكترونية التي يقال أنّها محسوبة على تيار محمد حلان، أعلنت هذه المواقع أنّ تيار محمد دحلان هو الذي فاز بالأغلبية في هذه الانتخابات، وقد كتب أحد هذه المواقع مقالا أو تحليلا تحت عنوان ( متى يفهم الرئيس quot;أي محمود عباسquot; أنّ الدحلان عصيّ على الإقصاء؟). وبالتالي شئنا أم أبينا ففي داخل فتح يوجد صراع واضح بين تياري محمود عباس ومحمد دحلان ليس مستبعدا أن يتطور لصدام مسلح.هذا هو الوضع الفلسطيني المعاش منذ عام 2006 ، وبالتالي لا مصالحة فلسطينية ولا دولة فلسطينية مستقلة، والمرتاح الوحيد والمبتهج الأوحد لهذا الوضع هو الاحتلال..فهو وضع لم يكن يحلم به الاحتىلال، وقدمته له حركتا فتح وحماس على طبق من ذهب مسروق من عرق الشعب الفلسطيني ودماء شهدائه ومعاناة أسراه في سجون الاحتلال. وهل يناقش أحد في هذه المعلومات؟ وبالتالي هل زيارة أمير قطر لقطاع غزة يوم الثلاثاء الرابع والعشرين من أكتوبر 2012 للقطاع أو زيارة العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني للضفة الغربية يوم الإثنين الحادي والعشرين من نوفمبر 2011 ، مسؤولة عن الانقسام الفلسطيني أو تعزيز له؟. وهل لقاءات المسؤولين المصريين المتكررة لمسؤولي حماس مسؤولة أيضا عن تعزيز هذا الانقسام؟. لا..وألف لا...هذا الانقسام المخزي والمشين مسؤولة عنه فقط حركتا حماس و فتح (السلطة الفلسطينية) وهو للأسف الشديد انقسام لا رجعة عنه تماما مثل الانقسام القبرصي الحاصل من عام 1974 وحتى اليوم، وهذا ليس تشاؤما ولكن قراءة للواقع الفلسطيني القائم، فمن لم يعرف مصلحة شعبه طوال أعوام الانقسام السبعة السابقة، لن يعرف هذه المصلحة في سبعين عاما قادمة. وبالتالي فمن يقم بزيارة القطاع أو الضفة ويدعم فيها مشاريع مثل ما دعمته زيارة أمير قطر، فهذا يصبّ في مصلحة الشعب الفلسطيني التي يتجاهلها المسؤولون الفلسطينيون بانقسامهم المخزي هذا.
[email protected]
التعليقات