يرى تقرير المعهد الأمريكي (من أجل العلم والأمن الدولي) الذي تمّ نشره في الأيام القليلة الماضية quot; أنّ إيران بحاجة لحوالي عام لإنتاج قنبلة نووية في حال أخذت طهران هذا القرارquot;. وهذه المعلومة أيا كانت نسبة دقتها وصحتها تستدعي بعض الأسئلة المتعلقة بالموضوع من عدة نواح:
أولا: هل إيران بحاجة للقنبلة النووية على حساب تدهور اقتصادها؟
لماذا تسعى إيران لامتلاك القنبلة النووية؟ هل يوجد أعداء حقيقيون لإيران، مستنفرون لحرب مع إيران في حالة التزامها السلام مع كافة دول العالم خاصة جوارها العربي؟.تؤكد كافة المعطيات ومجريات الواقع المعاش منذ توقف الحرب العراقية الإيرانية في أغسطس 1988 بعد استمرارها ثماني سنوات، أنّه منذ ذلك التاريخ أي حوالي 24 عاما، لم تتعرض إيران ونظامها لأي عدوان أو حرب جديدة رغم التهديدات المتواصلة بين إيران وأطراف عديدة من المجتمع الدولي بسبب المشروع النووي تحديدا. وأعتقد أن ذلك بسبب خوف الجميع من نتائج كارثية مثل نتائج الحرب العراقية الإيرانية رغم عدم استعمال السلاح النووي فيها، فقد نتج عنها حقيقة مئات ألاف القتلى والجرحى والمفقودين، وتدمير شبه كامل للبنية التحتية العراقية والإيرانية لم يتعاف منها البلدان حتى اليوم. هذا بغض النظر عمّن بدأ الحرب أو الاستفزازات التي سبقتها، والظروف والأطراف الدولية التي جرّت الدولتين لتلك الحرب التي كان الإمام الخميني مستعدا للإستمرار فيها لولا الهزيمة التي ألحقتها القوات العراقية بكافة منظومته العسكرية، إلى حد أنّ الإمام الخميني اعتبر آنذاك أن قبوله الاستسلام ووقف الحرب كمن يتجرع السمّ. لذلك فإنّ هذا الهدوء الفعلي بين إيران وكافة جيرانها والدول البعيدة عنّها رغم التهديدات الخطابية من عدة أطراف، ينفي حاجة إيران لامتلاك السلاح النووي على حساب المتاجرة بالقضية الفلسطينية التي لم تعرف وشعبها من نظام الملالي سوى الخطابات الفارغة ومهرجانات خطابية ملّلنا منها بمناسبة يوم القدس السنوي منذ زمن الخميني، والقدس يستمر تهويدها رغم الخطابات الفلسطينية والعربية والإيرانية. وفي المقابل فقد استفاد الاحتلال الإسرائيلي كثيرا من التعاطف الدولي خاصة من خطابات أحمدي نجاد حول إنكار الهولوكست، أيا كانت حقيقة وحجم تضخيمه إلى حد أنّه أصبح صناعة تجارية رابحة حسب كتاب الدكتور نورمان فنكلستين quot;صناعة الهولوكستquot; وترجمته للغة العربية الدكتورة سماح إدريس. وبالطبع فهذه الجعجعة الإيرانية لا تستمر إلا على حساب قمع كافة حقوق الإنسان الإيراني حيث سجل النظام الإيراني في هذا المجال من أسؤأ السجلات في العالم، ناهيك عن التدهور الحاد في سعر العملة الإيرانية الذي وصل الأسابيع الماضية إلى حد لم تعرفه إيران طوال تاريخها إلى درجة أنّ البنك المركزي الإيراني غير قادر على التدخل لوقف هذا التدهور، بسبب المقاطعة والحظر الغربي. ومن يصدق نسبة الفقر والبطالة وانتشار استعمال المخدرات في بلد يدّعي نظامه صفة (الإسلامية)؟.
ثانيا: هل تنوي إيران استعمال النووي ضد الاحتلال الإسرائيلي؟
في حالة امتلاك إيران السلاح النووي خلال عام حسب تقرير المعهد الأمريكي المذكور أعلاه، هل تخطط أو تنوي إيران تطبيق تشدقات أحمدي نجاد بمحو إسرائيل من الوجود من خلال استعمال هذا السلاح النووي في حالة امتلاكه غدا وليس بعد عام؟. بمعنى أكثر صراحة: هل هدف النظام الإيراني من امتلاك السلاح النووي هوالقضاء على دولة إسرائيل؟. وإذا كان جواب النظام أو مناصريه: نعم؟. فسؤالنا كيف سيميز النووي الإيراني عندئذ بين الإسرائيليين ومليون وربع فلسطيني يعيشون بينهم في فلسطين المحتلة؟ وكيف سيميز الإسرائيليين عن حوالي أربعة ملايين ونصف فلسطيني يعيشون في القطاع والضفة أي لن يكونوا في مأمن من هذا النووي ومجمل مساحة فلسطين التاريخية أي المحتلة (دولة إسرائيل) والضفة والقطاع لا تزيد عن سبعة وعشرين ألف كيلو متر مربع. هذا مع أهمية التذكر أنّ القنبلتين النوويتين البدائيتين اللتين أطلقتهما الولايات المتحدة الأمريكية في نهاية الحرب العالمية الثانية في أغسطس 1945 على مدينتي هيروشيما و ناجازاكي اليابانيتين، قد أوقعتا ما لا يقل عن ثلاثمائة ألف قتيل، فما بالك بقنبلتين نوويتن اليوم بعد أن تطور هذا السلاح الفتاك مئات المرات؟. أم أنّ النظام الإيراني لا يهمه قتل أضعاف هذا العدد من الفلسطينيين إذا تمكن من قتل مثلهم من الإسرائيليين؟ هذا علما أنّ الجوار الأردني والمصري أيضا لن يسلم من مضاعفات هذا النووي الفتاك واشعاعاته.
المقصود من هذه التوضيحات والتساؤلات،
هو أنّ اليوم ونحن في العام 2012 يختلف ميزان الرعب في العالم عن عام 1945 ، ففي ذلك العام لم تكن هناك أية دولة تمتلك السلاح النووي سوى الولايات المتحدة، لذلك استعملته غير خائفة من رد بمثل نفس الأسلحة التدميرية هذه. ولكن بعد سنوات قليلة من انتهاء الحرب العالمية الثانية دخلت عدة دول النادي النووي ( الاتحاد السوفييتي السابق- روسيا حاليا، الصين، فرنسا، بريطانيا، باكستان، الهند، إسرائيل، كوريا الشمالية) وهناك تقارير تشير لدول أخرى عديدة منها جنوب أقريقيا، وهذا التزايد في عدد دول النادي النووي، جعل من المستحيل إقدام أية دولة منها على استعماله ضد دولة أخرى، لأنّ الدولة الأخرى ستردّ بنفس السلاح أي الدمار والموت لن تنجو منه الدولتان وجوارهما أيضا، والدليل على ذلك أنّه طوال ما يزيد على نصف قرن من الحرب الباردة بين المعسكر السوفييتي والمعسكر الرأسمالي، لم تجرؤ أية دولة من المعسكرين على استعمال السلاح النووي أو الصواريخ ضد دولة من المعسكر الاخر، بما فيها فترة التأزم بين المعسكر السوفييتي والولايات المتحدة بسبب ما عرف بأزمة الصواريخ الروسية في كوبا في أغسطس عام 1962 ، لذلك يطلق على هذه الحرب بين المعسكرين طيلة قرابة نصف قرن تسمية (الحرب الباردة) إذ لم يستطع أي معسكر استعمال النووي أو الصواريخ لتصبح (الحرب الساخنة) لأنّ كل الأطراف كانت وما زالت تعرف أنّه لن ينجو طرف من سخونتها التي بفعل تطور السلاح النووي تعني قتل ملايين من البشر وليس ألاف كما نتج عن قنبلتي هيروشيما وناجازاكي عام 1945 . لذلك فلو امتلكت إيران السلاح النووي اليوم فهو لن يكون تهديدا لدولة الإحتلال الإسرائيلي أو أية دولة في العالم، بدليل ادعاء النظام الإيراني منذ سنوات أنّ صواريخه قادرة على الوصول إلى تل أبيب وتدميرها، فلماذا لم نر هذه الصواريخ طوال المعارك بين الاحتلال الإسرائيلي وحزب الله وحركة حماس؟
ثالثا: إذن من يهدد هذا السلاح النووي الإيراني؟
ضمن المعطيات والحقائق السابقة، وضمن سياسة نظام الملالي التي يخفيها تحت شعار (تصدير الثورة) منذ زمن الإمام الخميني، فإنّ تصدير هذه الثورة الإيرانية تحت غطاء وصفة (الإسلامية) لا يقصد به القارة الأسترالية أو أمريكا الشمالية والجنوبية، بل الجوار العربي الذي لا يكنّ له النظام الإيراني أية نسبة من الاحترام والمودة وذلك بدليل قاطع وهو:
الاستمرار البغيض في احتلال الجزر الإماراتية الثلاثة منذ استلام الإمام الخميني السلطة عام 1979، وهي محتلة منذ زمن الشاه عام 1971 ـ أي أن النظام الذي يدّعي صفة (الإسلامية) اتجاه احتلال الجزر الإماراتية لم يختلف عن شاه إيران الذي ثار عليه واستلم السلطة منه. ولا يكتف نظام الملالي الاحتلالي باحتلال الجزر الإماراتية فقط بل يتعمد الاستفزازات من خلال الزيارات المتكررة لمسؤوليه الأمنيين والمخابراتيين تحديدا لهذه الجزر، وكان آخر استفزاز وقح هو تهديد وزارة خارجية الملالي يوم التاسع من أكتوبر 2912 بتخفيض أو قطع العلاقات الدبلوماسية مع دولة الإمارات إن استمرت في المطالبة بالجزر الإماراتية المحتلة. وقد اعتبر الناطق باسم خارجية الملالي الاحتلاليين رامين مهمنبارست ( أنّ هذه المطالب التي لا أساس لها سيكون لها تأثير سلبي على العلاقات الثنائية..وإنّ إيران لن تتخلى عن أراضيها وستدافع بقوة عنها...وإذا وصلت هذه المزاعم التي لا أساس لها ضد إيران إلى حد يرغمنا على خفض العلاقات الدبلوماسية أو قطعها، فسنتخذ هذه التدابير...). وهذا التهديد الوقحة يأتي ردا على مطالبة وزير خارجية دولة الإمارات العربية الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان النظام الإيراني بالانسحاب من الجزر الإماراتية المحتلة، وذلك أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في التاسع والعشرين من سبتمبر 2012 . وإذا كانت هذه المطالب الإماراتية لا أساس لها أي أنّ الجزر الإماراتية أراض إيرانية فلماذا لم تحتلها إيران إلا عام 1971 ؟ ألم تكتشف أنها أراض إيرانية إلا في هذا العام؟ وبالتالي نقولها صريحة للنظام الإيراني والمطبلين له من العرب (الفرس الذين تفرسوا أكثر من الفرس): إنّ الاحتلال الإيراني للجزر الإماراتية لا يختلف عن الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، فالاحتلال احتلال، لا يوجد احتلال جميل نصفق له واحتلال بغيض نقاومه...وضمن نفس سياق العداء للعرب لا يمكن نسيان مصادرة كافة حقوق العرب الأحوازيين بما فيها حرمانهم منذ عام 1925 من استعمال لغتهم العربية أو تسمية أطفالهم بأسماء عربية، وهو ما لم يقدم عليه الاحتلال الإسرائيلي منذ عام 1948 . وهناك دليل آخر على أنّ المتضرر الوحيد من التهديدات الإيرانية النووية وغير النووية هو الجوار العربي فقط، وهذا الدليل يكمن في طبيعة التحركات والتحالفات الإيرانية في المنطقة العربية، وهو ما يحتاج لمعالجة مستقلة لما فيه من معلومات وحقائق.
[email protected]
التعليقات