quot;... اول الكلام ابداً (هو) النداء..quot; (سيبويه: quot;الكتابquot;)

توضع الحريات على محك الاختبار في المراحل السياسية الانتقالية، حيث تكون الدولة غير كاملة (مع ان الحكومة قد تعاني من فائض وجود بعض مظاهرها) ولا يستطيع المجتمع ناقص التنظيم (مقابل المجتمع جيد التنظيم حسب جون رولز في موضوع العصيان المدني من كتابه ndash; في نظرية العدالة ndash; العميق عمقا خاصا) ان يقوم بدور مساعد للدولة الناقصة، كما ان المجتمع الذي يعاني من عدم الاستتاب في امنه العام يكون اختياره للحرية غير حاسم مقابل تفضيله للامن على ماعداه (ربما باستثناء المال).
ان الموضوع المباشر للملاحظات التالية هو الامن في المثال العراقي الحالي، حتى ولو بدا تناولها غير مباشر لانها معنية هنا بالخلفيات كما تتجلى في الحاضر الذي لايستطيع وحده ان يفسر لنا مايحدث فيه. كما الفت نظر القراء الذين يجدون تكرارا في عدد من الملاحظات الى ان الفكرة الاجتماعية والسياسية لا تتضح ولا تنضج من جراء اعلانها مرة واحدة ومن طرف كاتب واحد. فالمناسبات (وهي مناسبات تاليف مقالة هنا)، تفرض نوعا من التطوير بين الحذف المنهجي والاضافة الانشائية، وهنا قد لا يمثل الكاتب مستوى سياسيا لنفسه فقط، بل قد ينخرط في تمثيل ذاتية مجتمع. فالقراء النقديون الذين تصيبهم مجتمعاتهم بالملل لا بد ان ينتقل بهم وعيهم الى مستوى النقد الذي لا يكف عن طرق الموضوعات نفسها بهدف اقلاقها والتحرر منها تدريجيا، فنحن لم نعش مرحلة ليبرالية من الناحية السياسية، كمالم نعشها من الناحية الثقافية الا لماما، فالفكر التقليدي عندنا، من حيث كونه فكرا انما هو متناغم مع الواقع التقليدي حتى لو كان ذلك الفكر يلبس لبوس التقدم لكنها تقدمية غير نقدية: اي غير قادرة على اعادة التركيب، كما هو حال عدد من بلدان اوربا، لذلك يصير من الواجب عدم اعتبار الفكر النقدي لحظة تشبه ابداع الفنانين، وانما هو تشييد ينظر الى المجتمع وينتظره ويقترح عليه حتى اللحظة المناسبة للتغيير وما بعدها.
ولا بد من تكميل القول بان انضاج فكرة الكاتب عن مجتمعه وحكومته قد تتطلب نوعا من الاطناب مما يصطدم بالمزاج الذي يخامر بعض متصفحي المواقع الالكترونية، وهو في الغالب مزاج الوجبات السريعة او الفلاشات , ولكننا نعاني من مشكلات quot;اصيلة quot;(لها تاريخ متواتر)، من امثال: الوحدة الوطنية الملتبسة، او انتقال الدين الى تدين طائفي او قومي، بمعنى انه ينحو منحى الاثارة، وغير ذلك من امثال، ولذلك تحتاج هذه المشكلات وتفريعاتها وغيرها الى مراجعة ومتابعة والانتقال منها الى المستويات الاخرى، وهكذا... مع اضافة ما ينضاف من روح العصر. وفي واقع الحال ان خلفيات مشكلات الامن العام هي ابعد من تناول رجال الشرطة او المخبرين او موظفي المعلومات. هؤلاء لهم دورهم المباشر اما الخلفيات فهي عادة غير مباشرة وتحتاج الى تحليلات تنتقل بالمشكلة الى مستوى الحاضر , ومن هنا كانت الحلول المقترحة دائما وظيفية لها علاقة بمفهوم الطاعة او ماكانت الاحزاب _وبضمنها البعث وبخاصة بعدالتعميم القائل بان العراقيين كلهم بعثيون وان لم ينتموا _ تسميه الانضباط. اي ان مفهوم الطاعة الاجتماعية يتحول الى اجراء تتولاه السلطة، بمعنى اخر: اجبار المجتمع على الانضباط (الطاعة). وهنا ندخل الى الدوامة: بما ان المجتمع هو ضرورة فليس عليه ان يختار، وهذه المغالطة ستتحول الى ان تهتم السلطة بامنها لا على انه امن للمجتمع بالمعنى الاجرائي الذي وبلا شك هو مناط اهتمام الافراد ومجموعاتهم.
اذن التكرار في طرح هذه المشكلات بشكل غير مباشر ليس هو الركود بل هو نوع من المحاكاة المتسعة التي تشبه حركة الطبيعة التي انتجت العلوم والتكنلوجيات وتقبلتها في اقتراحاتها، ولابد هنا من الانتقال الى المفهوم الذي يتضمنه مفهوم الاستقرار، وعلاقة هذا المفهوم البيزنطي واضحة بامن المدن الوظيفية، وادلّ مثال على ذلك هو وصية سليم الاول اخر الفاتحين العثمانيين في عام 1516، للاجيال التالية بالثبات على السلم الاجتماعي نفسه وكذلك على سياسة الدولة ودور الدين، وهكذا لم يكن الزمان هو الذي يقرر التطور(على الاخص من الناحية الاقتصادية، حسب الراي البنيوي) ومن البيّن ان التجربة السياسية الحديثة لم تاخذ حقها الزمني وبالتالي وظيفتها في المجتمع العراقي الا على نحو شديد الازدواج مما لم يوفر مناخا صالحا للامان العام، وهنا يمكن الابتداء بالحكم الملكي الذي يحس كثير من العراقيين، انه قد تمت خسارته، تبعا لامتداد المساوئ بعد سقوطه في 1958 وان امن المجتمع (ضمان استقرارٍ ما) قد تعرض الى التاثر المباشر بالحكومات المتعاقبة بعد ذلك.
كان من نتائج الحرب العالمية الاولى ان وجد العراق نفسه بهوية ادارية واحدة على قارب في quot; بحر السياسة quot; ولم يخرج من ذلك (هذا) القارب الى الان، فقد بدات الملكية رسميا في 1921، وبدات الجمهورية quot;رسمياquot; في 1958، اي ان الملكية استغرقت 37 سنة اما الجمهورية فلها الان 54 سنة ولكن المجتمع لم يتشبع يالنظام الملكي quot; المستقل quot; حيث تعرض الحكم الى انقلاب عسكري سنة (1936) والى الحرب الثانية والاحتلال البريطاني ثانية في 1941 وسياسة المراسيم اثر الغاء نتائج انتخابات 1954 وعرف الحكم خلالها اضطرابات الاسرة المالكة (في ظل غياب ملك متوج مدة 14 سنة بضمنها سنوات الحرب العالمية الثانية) فالملوك الثلاثة حكموا 23 سنة وانتهوا جميعا بطريقة لم توح للمجتمع العراقي بشكل عام بالارتياح وهو مجتمع يتصل وجدانه بالماسي الواقعية الطويلة. مات فيصل الاول بظروف قيل عنها انها مشبوهة عن 48 عاما وصرع غازي في ظروف ليست واضحة عن 28 عاما اما فيصل الثاني فقد قتل صباح 14 تموز مع العائلة وكان له من العمر 23 سنة.
ومع ان ولادة الملكية في جو دولي عسكري ومساومات بين الحلفاء تشكل quot;جرحاquot; في المشروعية الا ان العراقيين وجدوا لهم وليا لامورهم في الملك، وكان اطارا ما لاستنادهم لكنهم سرعان ما فقدوا اولياء الامور، الذين احاطوا ملكيتهم quot; مضطرينquot; بساسة لم تكن الاحزاب المؤثرة راضية عنهم، كما ان عددا من المظاهر الاجتماعية والسياسية غير متلائمة مع المشروع الجديد (كوضع المرأة والاقطاع والحريات..) ولكن الاقتصاد (والسوق المحلية على وجه خاص) والحياة اليومية والتعليم كانت اموراً مقبولة، اما ادارة الحكومة وبداية ظهور المؤسسات المدنية (مقابل العشيرة) فقد كانت تتقدم بشكل ريادي.
ان تمتين العلاقة مع دول الغرب (بريطانيا وامريكا خاصة) وحلفائها (مثل حلف بغداد والمعاهدات..) مقارنة العلاقات القومية حيث مشكلة فلسطين وقيام اسرائيل كانت تثير المشكلات المحلية وتقويها، مثل وضع الفلاحين والكرد والقوميات والديانات والطوائف وعمال الشركات... كل ذلك ساعد على اسقاط الملكية التي لم يتشبّع الشعب بها، كما ذكرت، على نحو صحي، لا من طرفها ولا من طرفه. ومع ذلك فان المجتمع بعد اشهر قليلة من قيام الجمهورية.. كانت الذكرى الحزينة لاولياء الامور(الملوك) تتقوى في الوجدان وان لم يكن لها مبرر واقعي لتتحول الى مراجعة سياسية مع ان اطار الاستناد بداواهيا وهوالذي له علاقة بشعور المجتمع بالاستقرار (مجرد شعور..)
كانت ظروف اسقاط الملكية العراقية تشبه الى حد كبير الظروف العربية الحالية وان كان التدرج الزمني والتحرك الشعبي مختلفين.(تونس ومراكش ومصر وسوريا والاردن ولبنان..)، وليس هنا مناسبة التعليق على ذلك، وما يتصل بهذه الملاحظات هو ان عدم التشبع بالملكية تلاه عدم التعرف على الجمهورية جمهورياً من حيث كونها نظاما للتداول السياسي، ليكون النظام بديلا عن ولي الامر فالجمهورية لم يتضح شكلها ومضمونها الجمهوريان للعراقيين.
وكانت الادعاءات في 14 تموز 1958، وخاصة في حكومة عبدالكريم قاسم، الذي كانت عاطفة الشعب مستعدة لان تستبدله بالاشفاق على الملوك، غير مطابقة لواقع الحال. فمع ان فترة حكمة كانت في عدد من صفحاتها قريبة الى الحياة المدنية، وبعض مبادراته كانت شعبية، وكذلك القوانين المتخذة بخصوص النفط والعملة والاراضي كانت مقبولة لدى عدد من الاحزاب، الا ان احدا لا يمكنه الادعاء ان حكومته كانت ديموقراطية، او غير عسكرية.
ونترك الحديث عن دوره او انعدام دوره غير المباشرين (حيث يبرز حجمه السياسي بالقياس الى نظام سياسي جديد)، واستمر الطابع الانتقالي للجمهورية العراقية حتى الاحتلال الاميركي في 2003، وتراجع الى ما قبل الانتقالي، عدا تلك الفترة المهملة من حكومة عبدالرحمن عارف، التي اسقطها الحكم الثاني للبعث في 1968، وابتدات المفارقة: انه وان كان يبدو عليه من الناحية الشكلية حكما مدنيا الا ان ممارساته كانت تتضمن من كل ناحية الغطرسة العسكرية ثم مارس السياسة على النحو العنيف (في حربين مازالت نتائجهما الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والاخلاقية والنفسية من ناحية الامن الوطني العام مؤثرة غاية التاثير السلبي)
كانت فلسفة النظام تبدو وكانها قائمة على اشعار العراقيين انه (النظام) قوي ليس لانهم اقوياء وبدا بالتصفيات الجسدية المتوالية لمختلف القوى: الحزبية البعثية والماركسية والقومية العربية والكردية والدينية وبقايا الحكم السابق والمتهمين بالتجسس. ان الخوف هو الطابع العام الذي كان خياطو السلطة يخيطون العراقيين بلونه وكانوا بدورهم معتوهين بخوف داعر نفسيا ومريض سياسيا كما يقول العراقيون بمثلهم العامي: خائف يطارد خائفا فالكل ترتعد فرائصه). ثم وقع العراقيون بين برائن الحصار الاقتصادي وتهلهلت الدولة مع المؤسسة العسكرية ذات الابهة السابقة، ولم يعد اي شئ مضمونا لاجل مواصلة العيش.. الا في ان ينتزع الناس اقواتهم بالمعونات والتدبير الذي يضعف الطاقة البشرية في كل النواحي، الا اولئك الذين بقي لهم ما بقي من رصيد اخلاقي غير قابل للتعميم.
ان نظام البعث الثاني كان ينتظر سقوطه مرتابا محاصرا. وقد اسقطه الاميركيون بالطريقة التي اختاروها. وبدا المجتمع المصروع صارعا لنفسه. وحصل الازدواج بين الخوف والحرية المحايدة (سياسيا)، ونتج عن ذلك اسوأ الصور المتارجحة لانعدام الامن عبر التخريب والسرقة والقتل... لافرق بين مستشفى ومدرسة وبنك ومتحف ومكتبه ودائرة امن وقصر رئاسي...الخ وكان التقصير سيدا للارادة (على حد تعبير شكسبير) بقصد او بغير قصد.
نتج عن الوضع المفتعل للاحتلال، خطوات زادت المجتمع ارتباكا. فليس هناك اولويات عند العراقيين المتقبلين للامريكان لبدء الادارة السياسية.. ماهو الاساسي.. ماهو الثانوي؟ وصار الراي الى امر ليس قابلا للتصديق، على الاقل من وجهة التاريخ السياسي الاميركي ومحصلاته فالمجتمع الذي يعتبر ضرورة.. فرض عليه الاختيار الطائفي والقومي، وتخلفت السياسة بعيدا من حيث كونها مهمة داخلية للادارة وبدا اغلب الذين اخذوا على عاتقهم المسؤلية وكانهم يقدمون اقتراحات لاستغفال بلد اجنبي وعدو لارجاء من مصالحته... شئ من الانخلاع... قبلوا بالمحاصصة.. بالتهجير.. بالقتل الطائفي.. بالتقليص المجحف لتكافؤ الفرص.. ومع ذلك يتحدثون عن شئ اسمه الديموقراطية.. التي هي قد لا تعني اكثر من: الحرية.. و..العدالة، ويستغربون من انعدام الامن.. ويطالبون باجهزة كشف متطورة.. ومعلومات قبل ان يكشفوا عن استعدادهم لتقبل انهم يعيشون في مجتمع هو في الاساس ضرورة وبذلك صار مجتمعا، وانهم على استعداد للتفتيش عن وسائل ايقاف ذعره منهم، هل سيكتشفون قيمة حماية ابدانهم quot; الفيزيائيةquot; بالقياس الى القيمة الاعتبارية اللانهائية للمجتمع ومفاجاته الامنية الثمينة حقا؟ وبين حماية بيوتهم وسلطتهم مقارنة بالوطن الواحد بسكانه والذي عاد اغلبهم اليه ليحموا انفسهم منه؟ ها؟ ام ماذا؟ كان والت وايتمان الشاعر الاميركي يقول عن بلاده التي كانت تتكون امام ناظريه ويفكر بالهوية المتراكمة، على حد وصف د.هـ.لورنس، والذي ينبغي ان يتعلموا منه كما وجب عليهم التعلم من غيره، كان يقول ناثرا: quot; الصوت الخيطي المسموع تقريبا، لقومية ديموقراطية اجمالية لا انفصالية غير مسبوقة، واسعة، مركّبة، كهربائية quot; هل يعرف المشرعون الان ndash; ولابد ان بعضهم يحدس اذا كان لا يعلم ndash; اهمية امن الوطن وعلاقته المضافة الى امن المجتمع والفرد، ويتذكرون في يوم من ايام العراق هذه، ان هناك شيئا اسمه الخيانة العظمى لعله اقسى مافي اذهان المشرعين الاميركان واكثره ابهاما؟ هل سيدرجونه في نقطه من نقاط قانون العفو العام الذي يتجادلون حوله.. امشمول ام لا؟
ان اخير سؤال هنا، ولن يكون اخر الاسئلة العراقية بعد زهاء عشرسنوات من 9\4\2003 هل الذي سقط هو نظام حكم البعث الثاني وحده فقط؟ ام هل يتساقط بعده رمزيا ما بعده ايضا، لتنغلق الدائرة؟ والبرئ هو الذي له قابلية على فهم براءة هذا السؤال.
كانت العقود التي عاشها العراقيون منذ بداية عشرينيات القرن الماضي عبارة عن تضارب بين الامل والتردد والتشبث بالاستقرار وتلقي القسوة والعبث والفساد وكان المجتمع ينتج مثقفين وادباء وفنانين وسياسين.. الخ ويتنفس لحظة.. ثم يختنق سنوات.. يامل.. وينتظر من يحمي امله.. ويدفع العربة نحو الحرية والعدالة.. حيث مسرح الامن لا ستارة الفضائح.
كان اول شعور اجتماعي عام بان الامن مهدد قد بدا بعد هزيمة حرب 1991 ورؤية الجيش يتخبط بالذل معروضا امام الشعب، الذي سرعان ما استجاب ابناء الياس التام فيه الى الثار من النظام وهنا عرف الشعب مباشرة كيف يمكن للسلطة ان تعمم انتقامها ايضا لكن بوجه شعبها. واخذ السلام المفروض يباشر تهديده الاقتصادي في ظل الحصار، ولم تعد اي فئة مضمونة الرزق، ثم تهاوت الطبقة الوسطى وذهب معها الزمان الاجتماعي الذي كان نسغ الحياة اليومية من النواحي كافة، وصارت العزلة حكما مخجلا للعوائل. ولم يعد هناك ما يسند المجتمع عدا تعيينات البطاقة التموينية وحالات التضامن والتبرعات التي ضعفت لان امد الحصار قد طال (13سنة)ونزلت قدرات عموم المواطنين الاقتصادية الى درجات متدنية... واخذ التضخم النقدي يفرض على الناس نوعا من الحياة الميئوس منها.
من اين ياتي الشعور الكاذب بالامن اذن؟ لا شك انه متعلق هنا بالنواة التي كانت تسند الحب، كما يقول المثل العامي، فالناس متساوون تقريبا في الصراع والحروب غير ناشبة في ظل الرقابة الدولية مع ان المجتمع قد راى الرموز مخترقة ابتداءا من الجيش وانتهاء بالقصور الرئاسية مما ينذره بانه عريان.
في 2003 سحبت النواة من تحت الحب (وعاء فخاري) وسقط متهشما وقال الاميركيون انتم طوائف وقوميات متفرقة ولكن عليكم ان تؤسسوا دولة اتحادية على اساس هذه الحقيقة الانثربولوجية quot;الخالدةquot;، ومعطيات العلوم الاستعمارية في (الهند والمغرب العربي) كانوا يوحون الينا انهم يعرفون كل شئ عنا وفي الواقع انهم لم يكونوا يعرفوننا (يعرفون كل شئ عن الهند... الا انهم لم يعرفوا الهند ndash;كما عبر عن ذلك فورستر في ndash;رحلة الى الهند -). ومعهم وجدنا انفسنا في حيص بيص..وانخرطنا ndash; عبر السياسيين المختارين اختيارا تفريقيا ndash; في البحث عن اتحاد الدولة فيما تسلم المجتمع كل اوراق شقاقه من الدم ومشتقاته.
في اثناء هذا تم حل الجيش والقوى الامنية وذهب السلاح مع مخازنه وانهارت الحدود الجغرافية الوطنية وبدا الساسة العمل في التاسيس من اولويات الشقاق التي لا تستطيع التكفل ببناء دولة اتحادية ناجحة مادام تكريس التفرقة حدثا مرافقا ومتفاقما ومتناوبا في بنية التاسيس
من اين ياتي الشعور بالامن العام الان؟ الافراد يعرفون انهم غير مامونين في كل وطنهم وغير متساوين في الفرص. والبلد مدين والمال العام يتعرض للهدر والسرقة. والتعليم متراجع والصحة كذلك وبقية الخدمات. لا صناعة. لا زراعة والمياه رديئة وقد تشح كثيرا الزمان الاجتماعي تعرض الى الزعزعة.. الجيش والشرطة وماادراك ماهما وماهو اساس تشكيلهما.. العديد من المناصب مشترى وصفقات شراء السلاح تصيب بعضها الشبهات، كيف تاتي الثقة في ظل الشلَل السياسي الذي اصيب به اولو الامر وقد تسلموا ورقة التفرقة، فهنا والان وبالشروط الخاصة المذكورة لا يستطيع الشخص الاول ndash; اياً كان - في السلطة التنفيذية ان يتخلص من كونه كان قائدا لحملة انتخابية، ولن يستطيع اذن ان يذيب نفسه في بودقة الحكم الذي ليس هو الانتخابات وحدها (حتى في اقل صورها تشويها) ويشبع ادارته بمتخصصين مهرة ايجابيين لا اثر لوعثاء الانتخابات فيهم ولا يزاحمهم الموالون ويحرفون الادارة الى مستويات حزبية او شبه حزبية او منافقة.. او.. حتى لا يبقى الحكم حكما له موضوع انساني حيث من هذه البوابة لو دخلنا اليها تبدا تطلعات الناس الى الثقة بان امنا قد يكون مقبلا.
هنا يبرهن المسؤلون عن خصوبة الذهن والعمل وعلى الرشد الوطني (اي الفرق بين الوزن الانتخابي والعيار السياسي)
لن يشعر المجتمع العام بالثقة المامونة في حين لا يكف اولو الامر عن اقلاقه ودفعه الى ان تبقى حريته محايدة لا تتعدى الحياد الى مستوى الحرية السياسية حيث لا طائفية ولا عرقية ولا هلوسة نظرية،.. فالنظرية التي تتبعها معطيات التثبت قد تكون بداية لحل اولي قابل للتصديق بشرط ان يثق منها المواطن بالاقوال باعتبارها اطارا وافقا غير زئبقي داكن لنواة المؤسسات الحية.
هل نجرؤ في الانتصار على افتعالات الاحتيال الاميركي ونتائجه السلبية ونوقفها ونسترد العفوية الوطنية ونتخلص من كابوس المصير المجهول تخلصا عقلانيا كنا افتقدناه منذ عقود.. والان صار مهمة بطولية: الاّ نبقى متورطين بادارة مغزل بلا غزل ولا وشيعة وليس لنا غير اضاعة ميزانية وقتنا وقوانا اضافة الى الذي ضاع ويضيع.