تفاجأ العديد من القراء والأصدقاء من دعوتي في مقالتي السابقة ( الربيع الأردني: حراك شعبي أم شغب ونهب)، بالرأي أو الدعوة التي طرحتها لإعطاء جماعة الإخوان المسلمين الأردنية الفرصة لتشكيل ورئاسة الحكومة الأردنية، والحقيقة أنّ من تفاجأوا واستغربوا هذه الدعوة معهم كل الحق، خاصة من يعتقدون أنّ الإخوان المسلمين الأردنيين تمّ تجريبهم ميدانيا في الشارع الأردني طوال الستين عاما الماضية، وكان طريفا وساخرا تعليق القارىء رقم 4 (أردني) حيث قال فيه تعقيبا على فكرتي: ( والله أعجب من طرح الكاتب فكرة تجريب الاخوان ياللي بيجرب المجرب عقله مخرب . يعني ضروري نجرب الإخوان في الأردن حتى نعرف أنّهم دمار وتخلف وفقر واستبداد !!! ما بينفع نشوف اللي جربّوهم في مصر وغزه وغيرها ! وغيراتها ؟؟ يعني لازم الأردن يدفع ضريبة دم ودمار حتى يختبر الإخوان !! بعدين إذا جربناهم مين بيخلصنا منهم إذا ما عجبونا ؟؟ هم بيستولوا على الحكم وما بيتركوه لو سالت الدماء في كل مكان وهذا ما نراه بتجربة غيرنا من الدول لأنّهم يستعملون الديمقراطيه لمره واحده فقط لا غير وذلك للوصول للكرسي وبعدها تصبح الديمقراطيه حرام وضد شرع الله !!).
والمهم ملاحظته أنّ تعليق القارىء الأردني هذا حاز على تأييد 245 من القراء بينما كان معارضوه 6 فقط. وما أودّ توضيحه في هذه المقالة هو أنّ طرح فكرة تجريب تشكيل الحكومة الأردنية ورئاستها من قبل جماعة الإخوان المسلمين من طرفي، كان يحمل في ثناياه أسئلة توصل لنفي هذا التجريب، مما يدّل على (أنّ عقلي ليس مخرّبا بعد وآمل أن يطول هذا)، إذ تساءلت في نهاية مقالتي: (لو شكّلت جماعة الإخوان المسلمين الحكومة الأردنية الجديدة، وكان رئيس الوزراء الأردني الجديد هو واحد من صقور الجماعة مثل السيد زكي بن ارشيد، فهل نوعية الشخص قادرة وحدها على إخراج الأردن من مأزقه الاقتصادي الحالي؟). وجوابي : لا..بدليل أنّني قلت في نفس المقالة السابقة (ولنكن صريحين حتى في حالة تشكيل الإسلاميين للحكومة ورئاستها، فإن تصفية كافة ملفات الفساد وإعادة ما يمكن لخزينة الدولة، وتخفيض النفقات الممكنة في كافة الدوائر والمؤسسات بما فيها الديوان الملكي، فإنّ هذه الخطوات ستساعد في تقليص العجز بنسبة بسيطة، وسيظل الوضع الاقتصادي الأردني أمام نفس المأزق الذي لا تحمد عقباه، إن لم تتدخل الدول الخليجية بدعم مالي سريع، والحكومة المصرية بإعادة تصدير الغاز إلى الأردن ليس دعما مجانيا ولكن تطبيق الاتفاقيات الموقعة بين البلدين وجمّدها الجانب المصري).
حقائق يجب التأكيد عليها
1 . إنّ جماعة الإخوان المسلمين الأردنيين منذ نشأتها ظلّت محمية ومرعية من جانب القصر الملكي الهاشمي تحت مسمّى (جمعية خيرية) حتى تأسيس حزبها ( حزب جبهة العمل الإسلامي) بموجب الانفتاح الديمقراطي الذي بدأه المرحوم الملك حسين عام 1990 ، ولم تتعرض الجماعة لنسبة بسيطة من القمع ومصادرة الحريات التي تعرضت لها الجماعة في أقطار عربية أخرى خاصة مصر وسوريا، بالعكس لجأت قيادات إخوانية سورية إلى الأردن هربا من قمع نظام حافظ الأسد في سوريا.
2 . هذه الرعاية الملكية هي خلفية إصرار الإخوان المسلمين في الأردن على هدف استمرارية بقاء ووجود النظام الملكي الأردني مع المطالبة بإصلاح النظام فقط، وأعتقد أنّ غالبية الشعب الأردني وحركات الحراك الشعبي تدعم هذا المطلب، فهم يريدون الإصلاح وليس تغيير النظام، فتسمية النظام وهويته يتمّ دعمها والمطالبة ببقائها حسب نسبة تلبيتها لمطالب الشعب وتنظيماته السياسية، والملاحظ أنّ إخوان الأردن رفعوا صوتهم عاليا بعد استلام إخوان مصر للحكم برئاسة الدكتور محمد مرسي الذي تمّ انتخابه عبر انتخابات شعبية نزيهة، وهناك تحليلات ترى أنّ قطع الغاز المصري عن الأردن في زمن حكومة مرسي الإخوانية قرار يهدف للضغط على النظام الأردني دعما لإخوان الأردن، وإلا كيف تقوم حكومة إخوانية ذات خلفية إسلامية بتصعيب حياة شعب عربي مسلم في الأردن، لا يطلب مساعدات مجانية بل تنفيذ اتفاقيات موقع عليها من الدولتين؟.
3 . إنّ النظام الملكي هو الوحيد القادر على أن يكون سقفا عاما لحماية كافة خيوط نسيج المجتمع الأردني بسبب خصوصيات هذا المجتمع خاصة ( المنابت والأصول) التي كان يحرص على حمايتها الخطاب الملكي منذ زمن الملك حسين، حيث كان لا يخلو خطاب له عند ذكر كلمة (الأردنيين) من أن يتبعها بقوله ( من كافة المنابع والأصول ).
4 . إنّ نسبة حرية التعبير والتظاهر السلمي المسموح بها في الأردن من النادر أن توجد في الأقطار العربية، فقد هتف متظاهرون بسقوط النظام ورحيله، دون أن يقدّموا للمحاكمة، وقام شاب بحرق صورة الملك عبد الله الثاني فتمّ احتجازه لعدة أسابيع ثم تمّ الإفراج عنه بتوجيهات من الملك نفسه، بينما لوحصل هذا الهتاف والحرق أو النقد في أقطار عر بية اخرى لتم الحكم على صاحبه بالسجن المؤبد لأنّه تعدى على الذات الملكية أو الأميرية، ولاحظوا أنّ هذا المصطلح يقارب الحاكم مع (الذات الإلهية) التي لا يجوز التعرض لها!!!.
5 . إنّ حجم النقد الحاد الذي يكتبه كتاب أردنيون مقيمون في داخل الأردن دون التعرض لهم من أية جهة أمنية ومخابراتية يدعم التوجه لاستمرار النظام الملكي الأردني مع الاستمرار في عملية الإصلاح. وقد ترجمت مقالة الدكتور الأردني أنيس الخصاونة (خصخصة الديوان الملكي) لزميلين نرويجي وأمريكي مهتمان بشؤون الشرق الأوسط، فكان سؤال النرويجي الفوري: أما زال هذا الكاتب على قيد الحياة في الأردن؟. أجبته: نعم وما زال على رأس عمله أستاذا جامعيا.
خلفية اقتصادية في الأساس
لذلك كنت وما زلت مقتنعا أنّ الحراك الشعبي الأردني في الأساس ذي خلفية اقتصادية يرزح تحت وطأتها المواطن الأردني بسبب قلة الإمكانيات والموارد الطبيعية، والمهم هو الدعم العربي الخليجي المالي والمصري بإعادة توريد الغاز حسب الاتفاقيات الموقعة بين البلدين، واستمرار النظام الملكي في الإصلاح السياسي خاصة ما يتعلق بقانون الانتخابات والإقتصادي وتحديدا خفض النفقات و فتح كافة ملفات الفساد التي كان الحكم على مدير المخابرات السابق محمد الذهبي بدايتها. ومن المهم التوقف عند،
تصريحات الملك عبد الله الثاني الأخيرة،
التي أكّد فيها ( أن الانتخابات النيابية ستجري في موعدها المحدد ما لم يطرأ جديد على الساحة). مؤكدا ( إننا نحترم الحراكات الإصلاحية التي تعبر عن مطالبها بأسلوب حضاري.... إننا نسير في الإصلاحات السياسية قدماً ) وأنّ الوضع الاقتصادي في الأردن ليس سوداويا كما يصورّه البعض ، وسيحصل الأردن على مساعدات خليجية قريبا، وقد بدأ الدعم السعودي فعلا. لذلك فلنعطي النظام فرصة لنرى مستوى السير في الإصلاحات ونحكم على ذلك، فتراكمات ثمانين عاما لن يحلّها حتى الإخوان المسلمين في أيام أو شهور. ومن يسألني لماذا لا نتعاطى مع النظام الأسدي في سوريا بنفس الإسلوب، أقول لهم باختصار شديد: لا يمكن مطلقا المقارنة بين النظام الأردني والوحشي في سوريا، فقط من لديه ضمير فليتعظ من عدد القتلى والمفقودين والسجناء واللاجئين السوريين منذ مارس 2011 ، والقصف اليومي للمدن والقرى السورية بأسلحة لم تستعمل ضد الاحتلال الإسرائيلي للجولان مطلقا، عندئذ يتذكر أنّه لا مجال للمقارنة بين النظامين، خاصة أنّه لا توجد في الحراك الشعبي الأردني أية قوة جماهيرية تريد إسقاط النظام الملكي الأردني وتغييره، وبالتالي فالموالاة والمعارضة كلاهما مع النظام ويريدون الإصلاح السياسي والاقتصادي فقط، وهي مطالب شعبية جماهيرية أردنية يجب دعمها والعمل من أجل تحقيقها.
[email protected]
التعليقات