الغارات الجوية الأخيرة التي شنها طيران الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة، وأدت إلى استشهاد وجرح عشرات الفلسطينيين، من بينهم مسؤول كتائب القسام الشهيد أحمد الجعبري، غارات لها دلالات عديدة لا علاقة لها بما يدعيه الاحتلال بأنها رد على الصواريخ التي أطلقتها المقاومة، وذلك لأن هذا الاحتلال أثبت طوال ما يزيد على ستين عاما بأنّه لا يعيش ولا يستمر إلا على تصعيد الجرائم بحق الشعب الفلسطيني، الذي أعطت قياداته من التنازلات من أجل سلام عادل ما لا يتخيله عقل أو منطق.
دولة الاحتلال الوحيدة بدون حدود مرسومة
الأمر الذي ربما لا يعرفه البعض أو يتاسونه أنّ الشعب الفلسطيني طالب بالسلام وبدولة فلسطينية مستقلة ضمن حدود عام 1967 قبل اتفاقية أوسلو بستة سنوات، وذلك عندما أعلن المرحوم الرئيس ياسر عرفات في المجلس الوطني الفلسطيني المنعقد في الجزائر عام 1988 قيام دولة فلسطين ضمن حدود عام 1967 أي قطاع غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية، التي لا تزيد مساحتها مجتمعة عن 22 بالمائة من المساحة التاريخية لفلسطين المحتلة منذ عام 1948 . ورغم هذه التنازلات ترفض منذ ذلك الوقت كافة حكومات الاحتلال الاعتراف بأية حقوق للشعب الفلسطيني، بالعكس يستمر الاستيطان الذي استحوذ على مساحة كبيرة من الضفة الغربية، وبعد الانسحاب الأحادي من طرف الاحتلال من قطاع غزة، يستمر في قصف القطاع والتجول كما يريد في الضفة الغربية ليلا ونهارا، يعتقل ويهدم ويقصف كما يريد وكأنّه منطقة لا سلطة فلسطينية فيها. وبهذا تكون دولة الاحتلال الإسرائيلي هي الدولة الوحيدة في العالم التي لا حدود مرسومة ومحدّدة لها، مما يعني أنّه لا نية للسلام الحقيقي والعادل لدى كافة الحكومات الاحتلالية المتعاقبة.
كيف يكون الردّ على جرائم الاحتلال الوحشية
أعتقد أن هذه الغطرسة الاحتلالية ما عاد أي فلسطيني أو عربي لديه ذرة من ضمير أن يسكت عليها، لذلك فالرد الذي من الممكن أن يردع الاحتلال ولو بنسبة بسيطة يأتي من موقفين:
أولا: إتمام المصالحة الفلسطينية فورا فما عاد عاقل أو وطني يفهم على ماذا حركتا فتح وحماس مختلفتان؟. وإذا صفت النوايا وأخلصت الضمائر لمصلحة الشعب الفلسطيني في هذا الوقت العصيب فالمصالحة سهلة للغاية، تحتاج فقط للترفع عن المصالح الشخصية والتنظيمية، ويمكن أن تأتي فورا خلال خطوات سريعة كالتالي:
1 . الاعتراف الفوري من السلطة الفلسطينية بشرعية رئاسة السيد اسماعيل هنية للحكومة الفلسطينية، كونه وصل لرئاسة الحكومة عبر انتخابات حرة نزيهة.
2 . قيام السيد اسماعيل هنية بتشكيل حكومة فلسطينية جديدة تشمل وتضم كافة أطياف وحركات الشعب الفلسطيني في القطاع والضفة، وكذلك الكفاءات المستقلة التي تتواجد في المجتمع الفلسطيني من كافة التخصصات والمهن.
3 . البدء الفوري بإخلاء السجون في القطاع والضفة من كافة السجناء على خلفياتهم التنظيمية، ووقف الملاحقات والسماح للكل بالعمل التنظيمي بدون أية مضايقات طالما هو تحت رقابة القانون ولا يشكّل تعديا على حريات أحد.
4 . البدء بالتحضير لانتخابات فلسطينية جديدة تشمل الضفة والقطاع لانتخاب مجلس تشريعي جديد ورئيس جديد للسلطة الفلسطينية التي ستكون شاملة وممثلة للقطاع والضفة، خاصة أن الرئيس محمود عباس لمّح وصرّح أكثر من مرة عن عزوفه للترشح لرئاسة جديدة، وهي خطوة جريئة إن استمر في الإصرار عليها، فلا بد من كفاءات جديدة من شعب ليس عاقرا بحيث يستمر الرئيس أي رئيس إلى الأبد، ونحن في زمن ربيع عربي يرفض استمرار الحكام من المهد إلى اللحد.
ثانيا: ما سبق كان المطلوب من الجانب الفلسطيني، أمّا من الأطراف العربية فما عاد يفيد اجتماعات الجامعة العربية الديكورية الخطابية، فلا بدّ من مواقف عربية جادة شجاعة تكون في مستوى تحديات وجرائم الاحتلال، وأهم هذه المواقف التي فعلا الآن تستدعي القيام بها، هي إعادة النظر في اتفاقيتي كامب ديفيد ووادي عربة والسؤال: هل خدمت هاتان الاتفاقيتان عملية السلام المعني بها أساسا الشعب الفلسطيني؟ الجواب: لا..لا..لذلك فإلغاء هاتين الاتفاقيتين أصبح ضروررة شعبية ملحة، فهما اتفاقيتان لم يخدما عملية السلام بل أعطتا الاحتلال جرعات زائدة من الإجرام والتوحش.
من المتضرر أكثر من هذه الجرائم الاحتلالية؟
صحيح أن ضحايا وشهداء الشعب الفلسطيني هم الأكثرية المطلقة من هذه الجرائم، بسبب تفوق الاحتلال عسكريا، إلا أنّ الشعب الفلسطيني ينطبق عليه المثل ( خد وتعود على اللطيمة )، أمّا الاحتلال ورغم قلة الامكانيات العسكرية لدى فصائل المقاومة الفلسطينية، إلا أنّه لن ينعم بالراحة كما هدّدت تلك الفصائل، وبالتالي فالأبواب مفتوحة على كل الاحتمالات، والغريب هو وجود دولة احتلال تعيش على القصف والجرائم منذ ما يزيد على 64 عاما وترفض أية مبادرة سلام فلسطينية أو عربية، رغم كل التنازلات التي يقدمها الفلسطينيون أو العرب في مبادرة (الأرض مقابل السلام )، وهذا يعيد للذاكرة ما ورد في مذكرات بن جوريون ( لا يجمع الشعب الإسرائيلي إلا استمرار الشعور بالخطر)، وبالتالي فسوف يظلّ هذا الاحتلال يبدأ الحروب والغارات وإن لم تفرض عليه، وهذا يستدعي صحوة ضمير عالمية تجبرّه على الاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني الذي هو الشعب الوحيد في العالم اليوم بدون دولة مستقلة معترف بها عالميا..
[email protected]
التعليقات