لم يكن إصرار مرسي وquot;جماعتهquot; على الإعلان الدستوري الديكتاتوري، إلا دليلا صارخا آخر على أن الإخوان المسلمين، [ولا أستثني إخوان أي بلد عربي]، هم دعاة حكم شمولي يتبرقع بالدين، وبعنوان quot; حاكمية اللهquot;- ذلك المبدأ القطبي المعروف. بمعنى آخر، حكم فئة معينة على بقية الشعب، فئة لها حق الاستحواذ وفرض مقاييسها ومفاهيمها وأهدافها الحقيقية على البلد كله كبداية لقيام دولة الخلافة الكبرى. ولا تُنسى تصريحات المرشد السابق لإخوان مصر إذ قال quot; طز في مصر وأهل مصرquot;، مضيفا أنه يقبل رئيسا لمصر ماليزيا مسلما ويرفض رئاسة قبطي مصري. فالأمة الكبرى، مسلمو العالم، هم معنى الشعب عندهم، وأقباط مصر وجميع غير مسلمي العالم لإسلامي هم مواطنو جزية وتهميش. وأما السياسي القبطي مكرم عبيد، مساعد سعد غلول، فإنه هو الذي قال:quot; إن مصر ليست وطنا نعيش فيه بل وطنا يعيش فيناquot;، ووطن إخوان مصر هو كل العالم الإسلامي، وامتداداته المسلمة.
لم يكتف مرسي بالإصرار على قراراته التسلطية، بل ربط ذلك بالترويج لنظرية المؤامرة [ يذكرنا هنا بتصرفات المالكي] لتفسير ما قام به أنصاره في المظاهرة الإخوانية،المعلن عنها مسبقا، من أعمال قتل وجرح مسلحة. ومعروف أن لإخوان مصر مليشيا مسلحة لا يمتلك مثلها المعارضون ولا من يسمون بالفلول، وإن وجود ميليشا إخوانية مسلحة، بموازاة الجماعة السياسية، تقليد منذ زمن حسن البنا.
إن خطورة الوضع الدكتاتوري المصري لا تنحصر فقط في اختطاف تضحيات الشعب المصري وسرقة مطامحه في حياة أفضل، بل وكذلك في تداعياته وامتداداته المحتملة على المنطقة العربية أجمع، وذلك بحكم ثقل مصر، وبحكم أن حركة الإخوان المسلمين المصريين هي أصل سائر التنظيمات الإسلامية السياسية المتطرفة في العالم العربي، وقد تأثرت بها حتى الخمينية برغم تباعد المذهبين واختلاف الأهداف والحسابات. وإن من الوقوع في خطأ جسيم، واللدغ مرارا من الجحر، تصور أن أخوان بلد ما هم غير إخوان البلدان الأخرى: كأيديولوجية وأهداف بعيدة- أي الخلافة. ومن يصور لنا إخوان الأردن مثلا كساسة واقعيين لا يريدون تغيير النظام ينسون تصريحات بعض زعمائهم [ كالدكتور محمد المجالي مثلا]: quot; نحن لا نسعى إلى أردنة التيار الإخوانيquot;، أي التأكيد الصريح على التمسك بكونهم جزءا لا يتجزأ من التنظيم الإخواني الدولي.
لقد استحوذ الإخوان على السلطة في تونس ومصر ولهم موقع قوي في ليبيا وفي المعارضة السورية المسلحة. وللإخوان تنظيم عالمي له موارد وإمكانات كبرى، وله مواقعه حتى في الدول الغربية، وبحيث أن في الولايات المتحدة لوبيا إخوانيا ذا دور ونفوذ فعالين. ولم يتراجع أي فصيل إخواني عن هدف إقامة الخلافة الكبرى برغم التصريحات الزئبقية من وقت لآخر. إن لهم وجوها ووجوها، فالسيد مرسي يصرح للتايم الأميركية بإعجابه بالحضارة الغربية، وحرصه على قيام الديمقراطية في مصر، ولكن ليعقب ذلك إعلانه الدستوري اللادستوري، الذي يضعه ومرشده في مقام الآلهة، ويضع كل معارض في خانة المرتد والكافر والزنديق. وهكذا وجها الغنوشي، مع الغرب ومع حقيقته وتصرفاته برغم أنه أكثر حيطة لاختلاف الوضعين، خصوصا لوجود أسس علمانية قوية في تونس وطبقة مثقفين متمسكين بالمكتسبات العلمانية التي أرساها بو رقيبة.
إذا وضعنا إسرائيل المحتلة جانبا، فإن المنطقة اليوم هي بين فكي تمساحين متنافسين، متعطشين لالتهام الأرض والنفوذ والنفط والاستحواذ على عواطف الشارع، وهما القطب الإخواني، بزعامة مصر الإخوانية، والقطب الفارسي الخميني، الذي يستغل عواطف الجهلة والمضللين من شيعة المنطقة لأغراضه السياسية ومطامعه التوسعية، معتمدا على أحزاب الإسلام الشيعي وذيولها في العراق وعلى حزب الله في لبنان، وأيضا ،ولحد ما - ويا للمفارقة- على حركة حماس الإخوانية. ولعله يمكن الاتفاق مع تحليلات الدكتور مأمون فندي عن أن المحور الإخواني يبحث عن ضحية له من دول النفط الخليجية الصغيرة- كالكويت خاصة- لتمويل مشروع الخلافة الكبرى. وفي تقرير نشرته إيلاف في23 نوفمبر الماضي معلومات عن تنسيق بين دول مجلس التعاون لوقف الزحف الإخواني والتصدي له. والتقرير يخص الخطر الإخواني على الكويت بالذات. أما لماذا تقود قطر تمويل ودعم المد الإخواني، دبلوماسيا وسياسيا وquot; جزيرياquot;، فهذا من بين غرائب الأوضاع الخليجية وتناقضاتها. ومن يقرأ quot; الشرق الأوسطquot; السعودية، التي تدين مواقف وسياسات الإخوان في كل عدد، ثم يستمع للقرضاوي، الزعيم الروحي للتنظيم الإخواني الدولي، ولما تبثه quot;جزيرةquot; قطر، يستغرب لهذين الموقفين الخليجيين المتباعدين. وهناك من يفسر هذا بمطامح قطر، وهي دولة صغيرة، لتبؤ دور الدولة الخليجية العظمى. وهناك من يفسره بالموقف الأميركي الذي وضع يديه كلتيهما في أيدي إخوان مصر وزملائهم، ربما بوهم تشكيل محور يعارض المحور الإيراني. وهناك من يقرنون بين التفسيرين. ومعروف أن الدور الأميركي في تشجيع المد الإخواني صارخ جدا، وهو ما ينعكس على مواقف الاتحاد الأوروبي أيضا. فلنقرأ تصريحات هيلاي كلينتون وأشتون وهايغ البريطاني في أعقاب الإعلان الدستوري والمظاهرات الصاخبة والمظاهرات الدموية المضادة. إنها تصريحات باردة وجافة لا توجه مجرد انتقاد لمرسي ودكتاتوريته بل تكتفي بإبداء النصح بالهدوء والحوار مع أن مرسي أغلق بخطابه الأخير باب أي حوار. وأما وهم أن يلعب الإخوان دورا في ردع إيران عن المضي في الغطرسة النووية والتوسعية والتدخل في شؤون الآخرين، فإنه يندرج في سلسة البدع السياسية التي سوقها اوباما ولا يزال يسوقها. وتكفي أية شرارة حول إسرائيل حتى تتبدد علنا هذه الأوهام.