ها قد فاز لولاية جديدة. فهل سيتغير، وتتغير سياسات الولاية الأولى؟
إن التوقعات والتكهنات متنوعة، ولكن ما اطلعت عليه منها لا يميل لتفاؤل كبير برغم أن تغييرا ما لا بد وان يحدث، ربما في الأسلوب والتكتيك، خاصة والرجل قد اكتسب تجربة كانت تعوزه عام 2008 .
واضح أن القضايا الاقتصادية كانت الهم الأول والمركزي للناخبين الأميركيين على حساب السياسات الخارجية، التي تهم منطقتنا بوجه خاص، كما تهم الأمن العالمي بوجه عام.
في مقالي بتاريخ 22 أكتوبر الماضي، عن أعوام أوباما الأربعة، لخصت وجهة نظرتي عن سنواته في البيت الأبيض، وخصوصا فيما يخص سياساته الخارجية، وسياساته الشرق الأوسطية بالذات.
كان مما ركزت عليه تراجع المفاوضات الخاصة بالقضية الفلسطينية ودخول المشكلة في مأزق. ومنها فشل عروض الانفتاح على إيران واليد الممدودة للمصافحة حتى اليوم وبرغم العقوبات، التي يبدو أنها اتخذت أصلا لكسب اللوبي اليهودي في الانتخابات. وها هي النتائج تشير إلى أن أكثر من 70 بالمائة من يهود أميركا قد صوتوا له لأسباب من المشاكل الاقتصادية ولرضاهم عن العقوبات على إيران كسبيل، كما قيل لهم، لردعها عن برنامجها العسكري النووي[*]. أما ما حدث ويحدث فعلا، فهو أن نظام الفقيه قد تمادى في غطرسته بسبب تذبذب وتناقض المواقف الأميركية، واستمرار عروض التفاوض الانفرادي برغم العقوبات، التي تؤثر ولا تردع. ومن المراقبين من يتنبؤون بأن أوباما ومساعديه قيد الإعداد لصفقة كبرى مع إيران ترضي مطامحها الإقليمية وترفع عنها العقوبات وٌتعد بإقامة علاقات أميركية متميزة مقابل التخلي عن المضي في التخصيب. ولكن نظام الفقيه لن يتخلى عن مشروعه النووي العسكري، وهو ماض فيه قدما ليفاجئ العالم ذات يوم بالقنبلة. وليس من الصدف أن تنشر صحيفة quot; اعتمادquot; الإيرانية بتاريخ 24 الماضي دراسة بعنوان quot; إستراتيجية تقارب إيراني ndash; أميركي [ الحياة في 7 نوفمبر الجاري]. ويذكر الكاتب:
quot; وجهت الولايات المتحدة رسائل ومؤشرات تدل على رغبتها في الحوار، على ما تشي تصريحات وزيرة الخارجية. وأميركا تحتاج إلى إيران في عدد من الملفات. ولكن لا يجوز الحوار من غير الحفاظ على مكانة إيران السياسية والاعتراف بحقها في تخصيب اليورانيوم...quot;.... وquot; تستطيع طهران ممارسة الضغوط على واشنطن، ففي جعبتها أوراق إقليمية كثيرة: علاقات جيدة مع العراق، نفوذ كبير في أفغانستان والخليج.quot;
وها هي إيران تطلق النار على طائرة اميركية بلا طيار في الخليج دون أن تعلن الإدارة الأميركية عن ذلك في حينه، تاركة الملالي ينشدون أناشيد النصر!
كال مما أشرنا إليه أيضا إلى دور إدارة أوباما في صعود الإسلاميين، والإخوان خاصة، في الدول العربية، ومد اليد لمصافحتها على حساب العلاقات مع القوى المدنية والعلمانية والأقليات الدينية، وذلك بحجة أن الإخوان quot;معتدلونquot; وسيكونون سدا أمام المتطرفين والقاعدة، مناقضا كل أحاديثه الملائكية السابقة عن حقوق الإنسان والدفاع عن الضحايا. وقصة اعتدال الإخوان مجرد وهم وخرافة كما تدل الأحداث المتتالية. والمقال الأخير لأمير طاهري [ الشرق الأوسط في 9 الجاري] يشير هو الآخر لهذا المطب الأميركي في المنطقة، وحيث يقولquot; فضل أوباما التحالف مع الإخوان المسلمين عوضا عن المجموعات العلمانية ...quot;
وفي عهد ولايته انفجرت الأزمة السورية العاصفة التي لا نكاد نجد دورا ما لواشنطن في محاولات معالجتها بما يضمن مطامح الشعب السوري، في وقت استفحل فيه النشاط الدبلوماسي الروسي وراح يعرقل أعمال مجلس الأمن، وينتزع موقعا بعد موقع، كان آخرها صفقة التسلح العراقية الكبرى مع موسكو.
لقد عاد أوباما لأسباب متعددة، كان منها تركيزه على كسب الأقليات، الأفريقية واللاتينية. ومنها بعض سقطات لسان غريمه وبرلمانيين جمهوريين حول الإجهاض، أغضبت النساء. ومنها حملة التمويل الانتخابية الضخمة [مليار دولار] التي حشدت له. ومنها لباقته الخطابية التي يصفها عادل درويش كالتالي: إن أوباما يستطيع إقناعك بشراء أرض في القمر دون ان يستطيع توفير ميزانية لوكالة ناسا لنقل المعدات للقمر بينما كان رومني يتحدث بلغة اقتصادية واقعية.
ومن هذه العوامل التي ساعدت على فوزه، [وخاصة في الأيام الأخيرة عندما كانت الاستفتاءات تشير لتعادل الأصوات]، كارثة الإعصار والعواصف التي شلت حملة رومني، بينما استطاع أوباما مواصلة حملته بصيغة جديدة كرئيس للدولة. وسبق لأوباما أن انتفع انتخابيا من كارثة أخرى هي الأزمة المالية الكبرى التي انفجرت في سنة الانتخابات، ونسبت للجمهوريين مع أنها جاءت نتيجة تراكم الانحرافات المالية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية مع مختلف الإدارات.
وفيما يخص الأقليات، فإن أوباما سبق منذ شهور وأن منح وثائق الجنسية الأميركية لحوالي عشرة ملايين مهاجر لاتيني غير شرعي. وتذكر دراسة لصحيفة لو فيجارو الفرنسية أن أعداد الناخبين البيض تراجعت منذ 2008 إلى 72 بالمائة، بينما ارتفعت أعداد الناخبين من الأقليات؛ اللاتينيون زادوا من 9 إلى 10 بالمائة، صوت منهم لاوباما 71 بالمائة بينما حصل جورج بوش عام 2004 على أصوات أكثريتهم، وعلما بان برنامج رومني الاقتصادي لم يرضهم. وحصد أوباما هذه المرة 93 بالمائة من أصوات الأميركيين الأفارقة الذين جاؤوا بزخم وحماس أكثر من عام 2008 .
هذا وربما سنعود للموضوع في مقال تال....

[ * هذا التصويت اليهودي يجب أن يلفت نظر المرددين دوما لحكاية سيطرة اللوبي اليهودي quot;الليوكوديquot; على الحزب الجمهوري، علما بأن الديمقراطيين، قبل أوباما، كانوا في الغالب هم الأقرب لما يوصف باللوبي اليهودي. ترى ما رأي هؤلاء الآن في نتائج التصويت اليهودي!!!!]]