مقال سابق لي كان بعنوان quot;رفقا بالأردنquot;. وكلما تطورت أوضاع المنطقة واستجدت أحداث مثيرة وخطيرة، كان التحذير مما يحيق من أخطار بهذا البلد الصغير واجبا من الدرجة الأولى.

الأردن بلد صغير، وبلا موارد، وفي ضائقة اقتصادية ومالية، وهو في قلب عواصف المنطقة، ومهدد داخليا وخارجيا، ولكن وسط لامبالاة عربية ودولية.
قبل فترة تسلل إرهابيون من سوريا، كانت لهم مخططات استهداف العديد من الأهداف الأردنية والمقرات الدبلوماسية. واللاجئون الهاربون من الجحيم السوري يواصلون تدفقهم داخل الأردن، الذي يفتح الباب لهم بسخاء برغم ضيق موارده. الجار العراقي، الموالي لإيران، لا يؤتمن عند هبوب العواصف التي يكون لإيران ضلع فيها. وحرب غزة والحروب المماثلة القادمة مع إسرائيل قد تمس أمن الأردن ومستقبله، بطريقة وأخرى.
الإخوان المسلمون الأردنيون، الذين راحوا يزيدون يوميا من توتير الأجواء، معتمدين على المد الإخواني العارم في المنطقة، يستغلون الضائقة الاقتصادية ويستثمرون الحريات والبرلمان للتحريض حتى على قلب النظام نفسه. والحاكم الجديد بأمر الله في القاهرة يهب لنجدتهم بقطع الغاز عن الأردن كوسيلة ضغط بأمل أن يلتحق الأردن بحشد الأنظمة الإخوانية الشمولية في المنطقة.
القطريون يهرعون لغزة قبل الحرب الخاطفة لquot;يزقواquot; الإخوان الحمساويين بالأموال السخية، وهم الذين لا يبخلون بالملايين لا على فرق الكرة الفرنسية وغيرها، ولا على ضواحي بفرنسا ذات الأكثرية المسلمة، [لغايات غير واضحة!]. أما الأردن، الذي يشكل أمنه ركنا أساسيا من الأمن العربي عامة وأمن الخليج خاصة، فإن أغنياء العرب يتناسونه ويتجاهلونه، عن حسابات لا تفهم، لتأتي إيران بعرض مشبوه وخبيث:quot; نعطيكم نفطا مجانيا لمدة 30 سنة على أن تسمحوا بالسياحة الدينية الحرة.quot;- عفوا: السماح بحرية تسلل عناصر فيلق القدس بعنوان السياحة الدينية. أليس هذا العرض صفعة على الدول العربية الغنية، ولا أقصد دولة قطر وحدها؟
إن ما يدهشني أيضا أن مثقفين لبراليين يساهمون في التحريض المستمر ضد النظام الأردني رغم علمهم التام بأن البديل في هذه الظروف لا ينمكن أن يكون إلا بديلا إخوانيا مخترقا.
نعم، في الأردن مشاكل معيشية واقتصادية ساخنة، ومشاكل سياسية بانتظار مزيد من الجدية والخطوات لحلها بما يعزز الجانب الديمقراطي، وبما يقرب المملكة- تدريجيا وبهدوء- من نظام الملكية الدستورية الديمقراطية. والاستياء الشعبي اليوم من ارتفاع الأسعار يزيد الوضع توترا، كما يزيد من مشروعية ووجاهة تساؤل الأستاذ طارق الحميد، رئيس تحرير الشرق الأوسط، في مقاله قبل أيام بعنوان quot;لماذا التخلي عن الأردن؟quot;
لا أكتم أن لي تعاطفا خاصا مع الأردن وشعبه؛ فعدا ما ذكرت آنفا، فإن في الأردن نخبة من خيرة الساسة والمثقفين المتميزين، الذين كان لي شرف التعرف على العديد منهم. وفي الأردن جالية عراقية كبيرة، من مسيحيين ومسلمين، بينهم أقارب وأصدقاء، وجدوا جميعا الدفء والأمان في أحضان هذا البلد المضياف. وهذا مما يزيد من شعوري المتزايد بالقلق على أمن وسلامة الأردن، ومن تطلعي إلى أن يقوم العاهل الأردني وحكومة عبد الله نسور [ كان لي شرف التعرف عليه سنوات في باريس] بإجراءات وخطوات مدروسة وعاجلة باتجاه العمل لإيجاد حلول عملية للمشاكل الساخنة اليوم.
في الأردن حريات نأمل أن تعزز وتطور؛ وفي الأردن حياة برلمانية ولكنها غير مثالية، أما السياسة الأردنية، عربيا وإقليميا ودوليا، فهي تتميز بالاعتدال والعقلانية والواقعية، مما يجعل من الأردن ركنا للأمن في منطقة تهددها الأعاصير والفوضى الهدامة والتطرف الدموي المتعدد الرؤوس والمنابع.
وليبق الأردن منيعا أمام مهب الأخطار وتدافع الأعداء..