لماذا وضعت واشنطن جبهة النصرة على قائمة الإرهاب في هذا التوقيت؟ وهل للتوقيت علاقة بتسارع خطى الأزمة السورية؟ وهل القرار الأمريكي يندرج في إطار مكافحة الإرهاب أم بترتيب البيت السوري في المستقبل بما يؤائم السياسة الأمريكية تجاه منطقة الشرق الأوسط؟ من حيث التوقيت، جاء القرار الأمريكي بعد يوم واحد من تشكيل قيادة عسكرية جديدة للجيش الحر، وبعد أسابيع قليلة من تشكيل الائتلاف الوطني السوري في الدوحة، وبعد يوم واحد من الاعتراف الأمريكي بالائتلاف وقد كان للقرار الأمريكي الدور الأكبر في دفع الدول التي شاركت في مؤتمر أصدقاء سوريا في مراكش بالمغرب إلى الاعتراف بالإئتلاف السوري. ولكن هل هذا كل شيء؟ في الواقع، ينبغي القول انه في السياسة لا يمكن النظر إلى الأمور بطريقة أو نظرة أحادية، وعليه لا يمكن النظر إلى توقيت القرار الأمريكي بعيدا عن المحادثات الأمريكية - الروسية التي جرت في دبلن بين هيلاري كلينتون وسيرغي لافروف، ولعل غياب كلينتون عن مؤتمر مراكش عزز من القناعة لدى الكثيرين بأن ثمة طبخة أمريكية ndash; روسية تجري من وراء الكواليس.
وعليه، فان قرار واشنطن وضع جبهة النصرة على قائمة الإرهاب بوصفها تسمية لتنظيم القاعدة في العراق وتجميد الأصول المالية لقادتها وحظر التواصل بها، لا ينبغي النظر إليه على أنه قرار يأتي في إطار الحرب التقليدية للإدارة الأمريكية ضد ما تسميه واشنطن بمكافحة الإرهاب منذ أن بدأت حربها ضد حكم الطالبان في أفغانستان عام 2001 عقب احداث الحادي عشر من أيلول، فالثابت أن حسابات واشنطن التي تقول إن جبهة النصرة نفذت قرابة ستمئة عملية عسكرية منذ بدء الأزمة السورية، مختلفة عن موضوع مكافحة الإرهاب، وهي حسابات تصب في عدة اتجاهات.

الأول: إن واشنطن باتت تخشى من تصاعد نفوذ الجماعات الجهادية والسلفية بتلاوينها المختلفة في المعارضة السورية الساعية إلى إسقاط النظام السوري، وقد برزت مظاهر هذا الأمر في الفترة الأخيرة بشكل جلي ولاسيما في مناطق شمال سوريا، إلى درجة أن هناك من يقول إن هذه الجماعات باتت هي التي تدير الأمور على الأرض وليس الجيش الحر. ولعل بعد حادثة مقتل السفير الأميركي في ليبيا باتت واشنطن تخشى من صعود نفوذ هذه الجماعات في المنطقة ولاسيما في سوريا التي تشكل جغرافيتها المحاذية لإسرائيل مسألة أمنية في غاية الحساسية.

الثاني: إن خطوة واشنطن هذه غير بعيدة، عن الانتقادات التي وجهتها وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون في وقت سابق للمجلس الوطني السوري، وعلى خلفية هذه الانتقادات عقد اجتماع الدوحة الذي أنتهى إلى تشكيل الائتلاف السياسي الجديد، بوصفه هيئة تمثل أوسع أطياف المعارضة السورية بعد ان كان الأخوان المسلمون يسيطرون على المجلس الوطني وتتحكم فيه تركيا بشكل كبير، ومثل هذا الأمر ليس سوى شكل من أشكال تطوير الإستراتيجية الأميركية إزاء الأزمة السورية في مواجهة الجماعات الجهادية والسلفية التي تصاعدت نفوذها بشكل كبير، فواشنطن لا تريد في النهاية تكرار تجربة العراق مع هذه الجماعات في سوريا.

الثالث: إن قرار واشنطن تصنيف جبهة النصرة في قائمة الإرهاب تزامن مع تشكيل قيادة جديدة للجيش الحر في أنطاليا التركية، وهذه الخطوة لم تكن بعيدة عن الرعاية الأمريكية المباشرة، وهو ما يعني أن واشنطن تستعد لتطوير إستراتيجيتها تجاه الأزمة السورية في المرحلة المقبلة من خلال الانخراط الكبير فيها لحسمها، خاصة ان هناك ثمة من يقول ان أوباما الثاني سيضع حدا لسياسة الإنكفاء إلى الداخل لصالح القيام بعمليات محدودة مدروسة في الخارج من أجل الإبقاء على القوة الأمريكية في الساحة الدولية، كقوة راسمة للمصائر والسياسات.

الرابع: إن ثمة رسالة أمريكية من وراء هذا القرار، مفادها أنه لا مكانة للجماعات المتطرفة في المستقبل، وأن المطلوب هو أوسع تشكيلة سياسية في المرحلة المقبلة، وان المطلوب في سوريا المستقبل دولة مدنية تعددية تحافظ على حقوق الإقليات وليست دولة دينية تقودها جماعات متشددة، بما تشكل هذه الجماعات من خطر على إسرائيل. ولعل مثل هذا الأمر يفتح المجال أمام تقديم المزيد من الدعم الدولي والإقليمي للإئتلاف الوطني السوري ليس فقط من خلال الاعتراف به، بل من خلال دعمه بالوسائل اللازمة لتمكينه من القيام بمهامه في المرحلة المقبلة، سواء على مستوى التمثيل السياسي في المحافل الإقليمية والدولية، أو لجهة توحيد الاستراتيجية مع الجيش الحر في الداخل وبناء المؤسسات الانتقالية اللازمة. ولعل الرسالة الأمريكية من وراء كل ذلك وضع تصور مستقبلي للأزمة السورية في المرحلة المقبلة، وهو تصور يحمل مسارين معا.
الأول: مسار التصعيد حتى إسقاط النظام.
والثاني: مسار التسوية من خلال التوصل إلى اتفاق مع روسيا على مرحلة انتقالية، أطلق عليه البعض اتفاق جنيف اثنين. في الختام، ربما يرى البعض ان هناك تناقض في القرار الأمريكي بخصوص وضع جبهة النصرة على قائمة الإرهاب، ويتساءل هؤلاء، كيف يمكن لأمريكا الدعوة إلى رحيل النظام وفي والوقت نفسه اتخاذ هذا القرار ضد جبهة النصرة التي توجه ضربات موجعة لهذا النظام؟ سؤال ربما يبني مصداقيته على التناقض الشكلي، لكن الثابت ان القرار الأمريكي لا يعني عدم السعي إلى إسقاط النظام وانما إلى ترتيب البيت السوري المستقبلي بما ينسجم وإقامة الدولة المنشودة، لجهة التعددية والديمقراطية والمدنية وليست الدولة الدينية أو المهددة للإستقرار الإقليمي.
[email protected]