أتذكر عندما لعبت إنجلترا مع الأرجنتين في كأس العالم عام 2002. لقد فازت إنجلترا، وأعتقد أن النتيجة كانت 1 ndash; صفر أو نتيجة مثيرة أخرى. كان نوعا من الثأر للهزيمة المؤلمة التي تعرضت لها إنجلترا على يد الفريق الأرجنتيني في كأس عالم 1986 بفضل هدف مارادونا المعروف باسم هدف quot;يد الربquot;. وتعود جذور التوتر بين إنجلترا والأرجنتين بالطبع إلى نزاع الفوكلاندز في عام 1982.
ولكن أيا من ذلك التاريخ لم يكن على الإطلاق عذرا لذلك العنوان الذي ظهر في إحدى صحف التابلويد بالمملكة المتحدة في اليوم التالي وحمل إهانة كبيرة للأرجنتيين. لقد صدمني للغاية خاصة وأن أصدقائي الأرجنتينين كانوا قد أخذوا في الاتصال بي في لفتة مهذبة لمدح الفريق الإنجليزي والثناء على الأداء الكروي الراقي. لم يبد لي هذا النوع من الرد الشرير متمشيا على الإطلاق مع أخلاقيات مناسبة رياضية. لقد جر النفور السياسي إلى داخل ما يجب أن يكون احتفالا بالإنجاز والجهد: وبدا لعيني البريئتين أن صحيفة التابلويد ارتكبت إساءة لا تغتفر وهي خلط السياسة بالرياضة.
كتبت تعليقا قصيرا بعنوان quot;هل يمكن أن تكون هذه فعلا بلدي إنجلتراquot; ، تعليقا مليئا بالغضب الذي يعكس إحساسا بالترفع عن مثل هذه الأخلاقيات ونافيا لأي صلة أو تعاطف مع العنوان الصارخ لتلك الصحيفة. أعطاني صديق لي بعد أسبوعين كتابا بعنوان quot;حروب كرة القدمquot;، يدور حول حرب المائة ساعة بين إل سلفادور وهندوراس في عام 1969 والتي تم خوضها في الظاهر بسبب مباراة كرة قدم بين الدولتين وعلمت أن الكرة كثيرا ما كانت الدافع (أو العذر) لصدامات مسيسة.
كان ذلك الدرس مطبوعا في إدراكي عندما أحضرت أسرتي إلى القاهرة في نوفمبر 2009 للبحث عن مدارس لأبنائنا. كانت مصر قد خسرت للتو مباراة أمام الجزائر والتداعيات تدوي في جميع أنحاء القاهرة. وقف رجال شرطة مكافحة الشغب في ستة صفوف تحت كوبري 15 مايو بالزمالك؛ وكان هناك زجاج محطم متناثر على الطريق أمام السفارة الجزائرية. كانت البلد في حالة اهتياج. أدت النتيجة إلى شجار دبلوماسي بين الدولتين. علمت أن كرة القدم والسياسة في مصر متشابكتان بشكل من التأثير المتبادل.
ولنتحرك سريعا إلى الأمام ، ثم إلى الأسبوع الماضي. كنت في أحد المطاعم بالزمالك عندما تلقيت رسالة نصية من أختي في جنيف تسأل عما إذا كنت بخير وتعبر عن رعبها وتعاطفها العميق بشأن مباراة كرة القدم. في بادئ الأمر اعتقدت أنها تشير فقط إلى نتيجة مباراة ولكن الخبر بدأ يصل بعد ذلك. جلسنا ننظر لبعضنا البعض حول المائدة: بالتأكيد هناك خطأ في نقل الخبر ndash; أكثر من 70 حالة وفاة؟ في مباراة كرة قدم؟ بالتأكيد لا يمكن أن يكون هذا صحيحا؟
ومع مرور اللحظات، بدأنا ندرك الحقيقة البشعة: لم يكن ذلك خطأ في نقل خبر، بل حقيقة مأسوية. هناك شيء فظيع قد حدث. وأيا كانت الأسباب وأيا كان المسئول فقد بقيت حقيقة واحدة لا جدال فيها. مجموعة من مشجعي كرة القدم ndash; ربما بمساعدة وتحريض ndash; هجمت على مجموعة أخرى وفي خلال دقائق أوقعت إصابات مروعة وعددا من الوفيات يتحدى المنطق بينهم.
وبالنظر إلى دور الألتراس في المصادمات مع الشرطة العام الماضي فربما كان أمرا حتميا أن يربط الكثيرون على الفور بين موقف الشرطة المتراخي الظاهر ووفاة مشجعي الأهلي في بورسعيد. ودارت النظريات: لقد كان هذا ثأرا؛ لقد كان شغب كرة قدم (وهو للأسف شيء مألوف لنا في المملكة المتحدة)؛ كانت هذه محاولة متعمدة لإثارة الألتراس لإعطاء الثورة هزة أخرى إلى الأمام؛ آخرون ذهبوا إلى أبعد حدود التصديق بالإشارة إلى وجود إنقلاب متعمد ومنظم من الثورة المضادة. كان رد فعل الألتراس، ربما، حتميا أيضا: العقاب والثأر والانتقام لرفاقهم الموتى والمصابين.
بحلول الصباح التالي، كانت سيارات الشرطة تقف في ثلاثة صفوف حول السفارة حيث أصبحت المنطقة ساحة حشد لتعزيزات الشرطة؛ تم تقوية خطوط الشرطة في شارع القصر العيني؛ ووقف الجيش في حالة استعداد: بدا الجميع مستعدين لحدوث رد الفعل القوي وعلم الجميع أنه سوف يركز على الشرطة ووزارة الداخلية. وكما في كل موجة أحداث قوية سابقة، فقد أدى تأثيره إلى تحريك الرمال السياسية بشدة تحت أقدام المجلس الأعلى للقوات المسلحة، مؤديا إلى تقديم موعد الانتخابات الرئاسية، ومحدثا مرة أخرى تغيرا في ميزان القوة الحساس.
في خلال أسبوع واحد ظهرت بشكل جلي ومأسوي تلك الطبيعة المعقدة للعلاقة بين السياسية والكرة في مصر. أدت حالات الوفاة الرهيبة والمروعة التي حدثت بمدرج كرة قدم مباشرة إلى تغييرات سياسية كبرى: تأثير كرة القدم على عملية التحول التي تمر بها مصر تأثير واضح. على الصعيد الشخصي لا أستطيع أن أمنع نفسي من الشعور بالحزن عندما تصبح قدرة الرياضة عى التحرير، على إتاحة مهرب وفرصة للحلم، ملوثة بالتأثير السياسي الذي كثيرا ما يكون سلبيا.
إلا أن الرياضة لا يجب أن ترتبط ارتباطا سلبيا بالسياسة. إن قوة الرياضة الإيجابية يمكن أن تكون قوة محررة بشكل لا يصدق. كان لانتصار فريق سبرينجبوك في عام 1995 في نهائي كأس العالم للرجبي أثر في توحيد جنوب أفريقيا التي كانت قد وُلدت من جديد للتو ورفع معنويات أمة وإعطائها الفرصة لأن تؤمن بنفسها. أملي القوي لمصر أن يجد الناس في الكرة بعد رفع الحظر عن الدوري قوة جديدة للتحرر: فرصة لتغيير كابوس بورسعيد إلى حلم مستقبل أفضل وموحد.

توم رايلي نائب السفير البريطاني في مصر