إستعرضنا في المقال السابق جزءا من المكاسب والإنجازات التي نجحت حكومة برهم صالح بتحقيقها لإقليم كردستان. ولكن كل ما تحقق في هذا المجال لم يكن سهلا وميسرا، فقد واجهت حكومة برهم صالح الكثير والكثيرمن العقبات، خاصة وأن الفساد المستشري في كردستان كان يحول دون تقديم ولو جزءا يسيرا منها في السنوات السابقة،ويحسب لبرهم صالح أنه تحدى كل العقبات والعراقيل بشجاعة، خاصة ضغوطات بعض الأطراف والشخصيات المتنفذة للإستحواذ على تلك المشاريع. ولعل قراره الحاسم بمنع شركة ( نوكان ) وهي شركة مملوكة لحزبه من الإستئثار بمعظم المشاريع المنفذة في السليمانية وهي معقل حزبه والخاضعة لنفوذه هو دليل واضح على موقف صالح من كل تلك التحديات التي واجهت حكومته فيما يتعلق بإحتكار مشاريع الحكومة.
لقد أراد برهم صالح أن يرسي لحكومة رشيدة ومسؤولة أمام الله وأمام المواطن، وركز على نقطتين أساسيتين منذ أن تسلم رئاسة الحكومة، الأولى أن يغير حكومة الإقليم من حكومة حزبية الى حكومة المؤسسات، وأن يحولها من حكومة محتكرة من قبل الأحزاب الى حكومة مواطنة، بمعنى إشراك أوسع فئات المجتمع في إدارة شؤونها، وقد وفق في بعض الجوانب، وأخفق في أخرى بسبب ضخامة الضغوط التي تعرض لها من قبل بعض الأطراف المتنفذة التي حاربته بعد ان وجدت فيه خطرا على مصالحها الحزبية والشخصية.
لقد كانت زياراته الميدانية المتعددة التي لم تتوقف حتى في العطل الرسمية لمتابعة مشاريع الحكومة في السليمانية وهي مدينته التي كان يتوجه إليها في العطل الاسبوعية للحكومة ليكون بين أطفاله وعائلته، ولكنه كان يأبى أن يعطيهم ولو ساعات قليلة من أيام عطلته فيخرج الى أطراف المدينة والى الأقضية والنواحي ليتابع مشاريع الحكومة والإستماع الى إحتياجاتها، وكأنه كان في سباق مع الزمن. وفيما كان هو يتابع تلك المشاريع في عطلاته الرسمية، كان أصغر موظفي حكومته يتمتع بالعطلة مع عائلته بسفرات سياحية أو يمضيها وسط عائلته. ولكم من المشاهد التلفزيونية نقلت زياراته في قيظ الصيف وبرودة الشتاء وهو يقف بين العمال والمهندسين يتابع مشاريع الحكومة.
لقد قاوم برهم صالح كل مغريات السلطة وإمتيازاتها وأصبح مهموما بخدمة شعبه وإن كان على حساب عائلته وحاجتهم إليه، الى جانب وقوفه بوجه كل تلك الضغوطات الهائلة التي مورست عليه بهدف إفشال برامجه، وتمكن خلال السنتين من مدة حكمه وهي مدة غير كافية بشهادة العديد من المراقبين والسياسيين من خلق أشياء من العدم، وبذلك سيخرج منها ( لا له ولا عليه ) مرتاح الضمير بعد أن خاض في بحر متلاطم وواجه وسط حقل من الالغام الكثير من التحديات.
هناك الكثيرون من أبناء كردستان ومن مختلف فئات المجتمع يأسفون لرحيل برهم صالح عن رئاسة الحكومة، وبطبيعة الحال هناك من يفرح من تحول الحكومة الى الحزب المنافس له، ولكن في التقديرات العامة يعتقد الكثيرون بأن هذا الرجل لم يعط له الوقت الكافي والمناسب لإستكمال برنامجه الحكومي، ويعترف الكثيرون بأنه واجه العديد من الضغوطات بل وحتى المؤامرات بهدف إفشال برامجه، ولكن عادة العراقيين أنهم لا يعرفون قدر الرجال إلا عندما يرحلون أو يغيبون، وهذا ديدنهم.
جاء برهم الى الحكومة في وقت إشتد ساعد المعارضة، وأصبحت الصحف الأهلية ومعها صحف المعارضة على دراية بما يجري من خلف الستار، ونجحت تلك الصحف في الكشف عن مئات الحالات من الفساد الفظيع، ونشرت آلاف المقالات والتقارير عن حالات خرق القوانين والإستحواذ على المال العام والإنتفاع من الوظائف والمناصب، ولكن اللافت للنظر أن أيا من تلك الصحف سواء الأهلية أو المعارضة لم تستطع أن تأخذ على برهم ولو حالة فساد واحدة، فلم يعرف عنه أنه دخل التجارة كما فعل الكثير من قيادات أحزاب السلطة وعلى أرفع المستويات، ولم يعرف عنه دخوله في شراكة تجارية مع أي من الشركات أو المقاولين كما فعل العديد من المسؤولين الأدنى منه، ولم يلاحظ عليه الإنتفاع من ميزانية الحكومة بكل تلك الموارد الهائلة التي وصلت الى مليارات الدولارات سنويا، ولم يستطع أحد أن يتهمه بذمته المالية، حيث أنه بادر في أوائل تسلمه للحكم بالكشف عن أرصدته المالية وما يمتلكه ووضعه أمام هيئة الرقابة المالية، ولم يخف يوما أن تقارن تلك الهيئة بين ما كان يملكه عن جهد، وما حصل عليه من حقوق خلال فترة ترؤسه للحكومة، بل أنه تبرع حتى براتبه الشخصي مرارا لشراء الكومبيوترات النقالة للطلاب، ولذلك لسنا نغالي أن قلنا بأنه خرج منها لا له ولا عليه أبيض الكفين مرتاح الضمير، وهل هناك أحد مثل برهم صالح؟.