مما لاشك فيه ان للعشيرة مكانة واضحة في الواقع الاجتماعي العراقي،وهذه المكانة تستمد عوامل وجودها من عوامل التكوين العراقي الذي يحتاج كأي مجتمع أخر الى مجموعة ضوابط تشكل حزمة كوابح واعراف وتقاليد يجب ان توضع في خانتها الايجابية وان لاتنفلت خارج حدودها المرسومة اجتماعيا في العراق ومنذ قرون طويلة، لذلك لايمكن اطلاقا انكار الدور الايجابي للعشيرة العراقية في حل الكثير من المشاكل الاجتماعية الخاصة ومن جانب اخر عام يكون دور بارز للعشيرة العراقية في مراحل مهمة في العراق خاصة عند انحلال او ضعف ووهن الدولة العراقية في مراحل مختلفة. لكن وكما ثبت التاريخ العراقي ان اخطر انواع الاستفحال العشائري يكون عند مرحلة التداخل بين العشيرة والدولة فتكون الفوارق بين الاثنين شبه معدومة وعصية على التفريق او يستحيل رسم الفواصل بينهما وهنا ممكن الاشارة والتشخيص الى ثلاثة عقود من الحكم العشائري المدعم طائفيا والذي سقط في نيسان 2003، وفي نظرة بسيطة لكل مأسي العراق والعراقيين سيجد المراقب المحايد ان معظم اسباب الكوارث التي حلت بالعراق الدولة والشعب هي بسبب نظام الحكم الطائفي والعشائري والعائلي الذي استمر حتى نيسان 2003.

وفي عراق اليوم وبعد ان سجل الرئيس المالكي نجاحا باهرا في اسقاط صفحة الاقتتال والاستهداف الطائفي، يبدو ان مهمته لاتريد ان تنتهي في هذا الجانب عند هذا الحد فحسب، بل ان البعض بدأ ومع اول مواجهة قانونية او دستورية يرتد راجعا الى لعبة قديمة جديدة في التاريخ السياسي العراقي فيلجأ الى ذلك التداخل الخطير بين العشيرة والدولة.
ومن يعمل في الدولة ولايستطيع الخروج من ثوب العشيرة فان مثله يضع نفسه في مأزق متجدد كل حين وبذات الوقت يشكل خطر كبير على أسس وركائز تكوين الدولة نفسها، قد تكون الفرصة سانحة في العراق الحالي في بعض الجوانب عند البعض ليلعب على وتر العشيرة ولكن هذا الوتر بدأت نشازاته اكثر وضوحا مع اشراقة بعض من جوانب الربيع العربي هنا وهناك، كما ان هذه الاوتار ستتقطع وتلتف حول اعناق رموزها في اقرب فرصة مناسبة لسبب جدا بسيط لان الذي يحكم بصوت العشيرة سيكون عليه تقديم ابن العشيرة المعنية على غيره وهنا سيحدث التراكم والانفجار ولو بعد حين.

وفي جوهر الحديث ان الرئيس المالكي لم يصعد باصوات ابناء عشيرته بل حصل على حزمة اصوات مميزة في تنوعها الجغرافي وفي النوعية وفي العدد، حيث حصل وبشكل شخصي على اعلى نسبة اصوات من الناخبين وبفارق شاسع يصل الى مئات الالاف من الاصوات عن اقرب منافسيه و دون أدنى منافسة من الاخرين، والميزة الاخرى التي تسجل للرئيس المالكي انه لايلتفت ذات اليمين وذات الشمال ليضع اقربائه وابناء عشيرته لذلك لايوجد في مجلس الوزراء او كل الخطوط الاولى في الدولة من ينتمي لعشيرة او عائلة المالكي، بل اني اجزم في هذا الجانب بان الرجل دائم البحث عن الكفاءات وبشكل ملفت للنظر وفي ظل تقاطعات وتشعبات وتناقضات تحيط بالتشكيلة الحكومية التي فرضت عليه من كل القوائم البرلمانية الاخرى. لذلك خصومه يسقطون امام الجمهور في اول مواجهة علنية معه لانهم في الاساس وفي معظمهم جعلوا من العشيرة واللقب والارث العشائري الساتر الدفاعي الاخير عند مواجهتهم بالاستحقاقات الدستورية والقانونية الملزمة. والرجل أثبت انه زعيم حقيقي لدولة القانون وليس لدولة العشيرة التي يريد البعض ترسيخ سمتها الخطيرة في الواقع العراقي.

اما من يصف حكومة الرئيس المالكي بالفاشلة فعليه ان يتحمل قسطه من هذا الفشل اذا كان هذا الفشل واقعي لان الجميع مشارك بهذه الحكومة، وفي واقع الامر ان قيادة الحكومة العراقية ليس فاشلة بل ان الفشل يستوطن عند بعض الوزراء المفروضين من قوامئهم وايضا التراجع الموجود في بعض المفاصل سببه العراقيل المصطنعة في مجلس النواب وفي مجلس الوزراء امام خطط وتحركات رئيس الحكومة الذي يواجه اجندة حزبية ونظرةعشائرية ضيقة وبائسة عند الاخرين و تنعكس سلبا على الاداء الحكومي والنيابي، ومن المفارقات في تصريحات البعض انها عصية على التفسير هل هي تصريحات رسمية او عشائرية او حزبية او عائلية وهذه خزعبلات قد يكون من المفيد معها استدعاء امثلة من الماضي القريب تدخض هذاquot; التنوع الانتهازي quot; وايضا جوهر الفشل عندما لايريد البعض التنازل عن quot;جلباب quot; العشيرة امام زي الدولة الرسمي وسماتها التي تتعرض كل يوم الى محاولة اغتصاب من البعض فتتحول الامور الى مواجهة صريحة بين دولة القانون الدستورية ودولة العشيرة الفضفاضة.


[email protected]