أصحاب الفكر السياسي القانوني يناقشون بجدل يومي دور مام جلال الطالباني ومسوؤليته التي يضطلع بها بصفته الرئيس المنتخب للجمهورية العراقية الفدرالية. فدوره المُقرر يخوله لتنفيذ حلول وتجاوز أزمات حقيقية وأزمات مفتعلة بين الكتل العراقية وتقريب وجهات النظر بالعمل على تصحيح مسار الديمقراطية وفق دستور الدولة العراقية وفدراليتها.
حملُ غصن الزيتون ومناشدة الأطراف العراقية المتنافرة لأجتماع (المشاركة الوطنية ) لم يعد الحل الأمثل الذي يبتغيه شعب العراق وممثليه وشباب مستقبله. فالأزمة منذ بدايتها هي أزمة تتعلق بالمادة 140 من الدستور، وقانون النفط والغاز، مليشيات غير مرخصة، ودعم البرزاني لعلاوي لخلق مجلس سياسات يتمتع بصلاحيات، وتنظيم الجيش وهيكليته، وأستضافة الهاشمي وهروبه الدراماتيكي لاحقاً من الأقليم، وأخيراً وليس آخراً رغبته وتطلعه في تكبيل السلطة التنفيذية بقيود قومية.

وأساساً وبكل موضوعية، أرى أن وقوف رئيس الجمهورية على الحياد في أزمات تدخل في صميم عمله لم يعد مقبولاً، مناسباً، أو عملياً. فتحريك الأزمات بالأجتماعات والمفاوضات والخروج منها بتوصيات لن يكون التصحيح السياسي والأسلوب المعاصر لمعضلة محصورة داخل وخارج مكتب رئاسته (رئاسة الجمهورية).

فالسكوت على قيام نائب رئيس الجمهورية السيد طارق الهاشمي ( وهونائبه)، بزيارات غير مرخص بها و يلقي التصريحات من خارج العراق تسيء الى العراق شعباً وحكومةً ورئاسةً، وتصرفه دون تخويل من رئيسه وهو مطلوب للعدالة من السلطة الأتحادية بتهم الأرهاب والتخريب تسيئ الى السلطات الثلاث. ويعتقد الكثير من أعيان المجتمع العراقي وحقوقيه أن الوقت قد حان بأن يحث الطالباني نائبه للقدوم الى بغداد والمثول أمام القضاء بصحبة من يُمثله للدفاع والأجابة على التهم التي صدرت فيها مذكرات التوقيف دون أشراك دول خارجية في الموضوع.

والطالباني الذي يحضى بتأييد وأحترام العديد من الأطراف السياسية، يعلم تماماً أنه قد يفقد فجأة كل سلطاته وصلاحياته ومنصبه أذا ماأبدى أي ميل، أنحياز، أو محاباة لمطالب حزب رئيس أقليم كردستان ومطالبات مرهقة منافية لعمل حكومة المالكي. ولكن الأمر والعمل المُكمل لسير العملية السياسية الديمقراطية وأنجاحها لاينتهي عند هذا الحد ولايُنهي شعوبية البعض وعنصريتهم القائمة على التمييز الطائفي، فالهجوم اليومي على المالكي رئيس الوزراء المنتخب وأتهامه بالدكتاتورية والطائفية ترافقه حملة أعلامية لاأخلاقية، كالخضوع والعمالة الى دولة الفرس الصفوية المجوسية الأسرائلية الأمريكية ووصفه بصفات بذيئة مستهدفة لاتدخل في العمل الأخلاقي المهني الوطني وينبغي أن تتوقف لكونه تكتيك ألهائي بارز تستخدمه قوى الشر والأرهاب وأخفاء هوياتهم وأغراضهم وأستمرار أعمالهم التخريبية العرب والكرد.

أن أطر التصحيح والمبادرة كما عرضناها في حاجة الى تصرف وتفعيل وتجديد نشاط رئاسة الجمهورية كي تحضى بالأهمية وترفع حالة الجمود عن المؤسسات التي أصابها الوهن والأعوجاج والفساد وخاصة القضائية والتشريعية.
العراقيون لايريدون حكومة طارئة عرضية تدار بعشوائية المنطق الخطابي ومساومات المصالحة الأدارية لتكون:
Consequential government instead of a functional government
والتصحيح الأخر هو مايملكه من صلاحيات لمعالجة مايصدر من البرزاني بصفته الرسمية وأسكات تحديه السلطات الفدرالية بأطلاقه تصريحات تهديدية أنفصالية ووصفه لحكومة المالكي بالأوصاف التي مازالت تسبب أِمتعاض وخيبة أمل عامة للعراقيين المساندين لحقوق الأكراد القومية. ولايبدو أن الطالباني كرئيس للجمهورية العراقية يريد معالجتها أو القيام يخوض معركة حوار بين حزبه والحزب الوطني الكردستاني، أو قد يكون الأصح، شعوره الشخصي بأن أيديه مكبلة من رفاق الحزبين الكرديين وكتل حزبية في مجلس النواب.

لقد أثارت زيارة البرزاني الأخيرة لواشنطن ولقاءه الرئيس أوباما ونائبه بايدن ردود فعل مختلفة ووضعت من جديد العراق على مفترق طرق وأختيار صعب. فأدارة أوباما يهمها (مصالح دول) في المنطقة وليس (مصلحة رئيس حزب) وتفاصيل شكواه ضد رئيس وزراء منتخب. ويهمها بالدرجة الأولى من يوفر الحماية والتحالف مع أسرائيل وأمنها قبل أي ألتزام الى قومية أسلامية كردية أو عربية. وقد سبق البرزاني في تقديم لائحة شكاوى سياسية الدكتور علاوي ليخرج من اللعبة فاضي اليدين لعدم تقّييمه الصحيح الى لعبة السياسة التي يتقنها بعض قادة العراق الجديد بشكل سمج وساذج وغير مفهوم في المحيط الدولي والعلاقات بين الحكومات.

أما الأسباب الحقيقية الخفية لِما دار في مُخيلة البرزاني للأسراع الى البيت الأبيض ( المُغرق بأمور داخلية ودولية أخرى ) ومغامرة عرض شكواه للأدارة الأمريكية، فأنها ستبقى خفية لايفهمها أِلا البرزاني نفسه.

وقد تكون مغامرة أخرى في حالة جلوس الطالباني كرئيس جمهورية منتخب مع البرزاني لتذنيبه أو تحميله المسؤولية الوطنية التي يُفترض أن يلتزم بها ونفترض أيضاً أن جميع القوى المشاركة في العمل الوطني تفهمها وتتحملها بمسؤولية لمنع التصادم والصراع قبل أِستفحالهِ، كذلك مسؤوليته كرئيس للجمهورية، منع تدخل دول خارجية في الشأن العراقي الداخلي تقع الى شماله وشرقه وغربه وجنوبه غرضها زعزعة الأستقرار والأمن الوطني. بكلمة أخرى يستطيع الطالباني أن يحل هذه الأزمة بينه وبين رئيس الأقليم الكردستاني بأختياره وبصفته الرسمية التي خولها له دستور الدولة والشعب العراقي.

كاتب وباحث سياسي