على أثر نشري لمقالة الفضائية العراقية ومهزلة الثقافة والإعلام وردتني عبر الإي ميل الذي ذكرته أسفل المقال سبعة عشر رسالة وبينها ثلاث رسائل من داخل الفضائية العراقية. ولأهميتها سوف أنشرها كما هي لكي يعرف المسؤولون أهمية الواقع الإعلامي في بناء أي وطن منطلقا من الحرية. لعل تجربة قناة البي بي سي البريطانية تشكل النموذج الذي ينبغي على أية قناة تدعم من قبل الدولة أن تمتع بحرية التعبير وفق منطق البناء. فقانون تأسيس البي بي سي البريطاني يحتم وجود مجلس إدارة يتمتع بالفطنة والذكاء والأكاديمية الحقيقية وهذا المجلس يختار من بين أعضائه مديراً يمنحه الكثير من الصلاحيات كي لا يقع ومجلس الإدارة بالبيروقراطية. أنني أتحدث عن مجتمع متحضر. والمجتمع العراقي هو الآخر مجتمع متحضر ولكن واقع الدكتاتورية ومن ثم واقع الإحتلال فرضا صيغة رديئة لنظم الحياة ومنها النظم الإعلامية.

العراق اليوم وعلى ضوء التراكم السيء للإقتصاد والإجتماع والثقافة تأخر كثيرا عن ركب الحضارة والمدينة ولعل طبيعة الحياة التي تهدمت وتآمر قوى الأرهاب على الوطن العراقي قد ساهمتا في قتل الروح الإنسانية لدى الفرد العراقي. وهنا يأتي دور الإعلام وهو الدور الأهم في المرحلة التي لم يدركها المسؤولون العراقيون. فبقاء العراق عائما بدون قوانين إعلامية وثقافية سوف يسمح للمزيد من الخراب لأن الإعلام وبشكل خاص المرئي منه قد يهدم مجتمعا كاملا ويحول دون موقفه بوعي أزاء الأحداث ومعالجتها. ولذلك فإن الكثير من القنوات ذات الطابع الديني تنخر حقيقة بالمجتمع عبر الخرافات وثقافة الجهل والتجهيل التي تغسل بها أدمغة الناس وهي تتاجر بالحسين لعقد الكثير من الصفقات التجارية والإغتناء. أنها لعبة الثراء الذي وهبه الله للعراقيين فأنهال عليه اللصوص من كل صوب ليغتنوا هم ويتخمون دون أن يغتني المواطن والوطن ويشبعون بدون تخمة ثقافيا وإنسانيا.

ومن هذا المنطلق فكرت بكتابة مقال عن القناة الفضائية العراقية ونشره لي مشكوراً موقع إيلاف. ولكن المفاجأة التي دفعتني لكتابة هذا المقال الثاني هو عدد الرسائل التي وردتني عبر بريدي الإلكتروني إضافة ألى التعليقات المتسمة بالإيجابية في أغلبها. من الرسائل التي وردتني ثمة ثلاث رسائل يذكر أصحابها بأنهم يعملون داخل القناة الفضائية العراقية ويريدون أن يعبروا عن معاناتهم منذ أكثر من ثمان سنوات. انشر الرسائل كما هي بأخطائها الإملائية واللغوية. والرسائل الثلاث غير متفق عليها بين مرسليها ولا يعرف أحدهم بالآخر الذي كتب الرسالة. وسوف أشطب من الرسائل ما يساعد على الإستدلال على صاحب الرسالة. وهذه هي الرسائل الثلاث:

الرسالة الأولى وأنشرها بأخطائها كما هي
الأخ قاسم السهيل.
تحية وبعد.
أشكرك أنا وعدد من أصحابي في القناة على مقالتك المنشورة في موقع الإيلاف. لقد كنا نتمنى منذ زمان أن يعبر أحد الكتاب عن وضعنا في هذه القناة. أنا راتبي بالدولار حوالي سبعمائة دولار. وأعمل في قسم quot;.....quot;. لقد جاءنا حتى الآن ست رؤوساء للشبكة والآن نحن مع السابع الذي تعين قبل ست شهور تقريبا وهو أحسن من السابقين على الأقل يفتهم بالشغلة.
تعرفون أن القناة لمن تأسست ما كان عندها ميزانية بل أن الميزانية كان يدفعها من جيبنا مباشرة الأمريكي بريمر الذي كان يبذخ بالصرف. وفي زمن رئيس الوزراء أياد علاوي جرت صفقة قيمتها ستة وتسعين مليون دولار لشراء أفلام كرتون فرفض المدير quot;....quot; توقيع العقد لأن قيمة ساعة الكرتون على أشرطة البيتا ديجيتال تباع في بيروت والأردن بمبلغ أربعمائة دولار فقط للساعة. وقدم المدير إستقالته بمؤتمر صحفي. لكن رئيس الوزراء علاوي أصر على توقيع العقد مع المدير الجديد الذي تم تعيينه بدل المتسقيل ثم كرر العقد ثانية بستة وتسعين مليون دولار أخرى. وكانت الصفقة بإسم شركة quot;....quot; في لبنان أتضح فيما بعد أنها تعود إلى نسيب رئيس الوزراء حيث هو متزوج من لبنانية. وقد إنكشف السر هذا في رسالة موجهة من قبل أحمد الجلبي إلى الكونغرس الأمريكي وكانت الرسالة بذاك الوقت مكتوب عليها محدودة التداول. والتي ورد فيها أيضا أن بريمر دفع خمسة وعشرين مليون دولاراً إلى صاحب صحيفة عراقية لتخريب العملية الإعلامية. هذا يجري أمامنا ونحن نقوم بالعمليات الفنية والتقنية في قناة فضائية براتب بين 700 إلى ألف دولار ويصعب علينا حتى الوصول إلى مقر القناة فجراً في بعض الأحايين فنخسر من الراتب الكثير من أجور التكسيات.
هناك الكثير من التعيينات لا علاقة لأصحابها بالمهنة فهم أما من جماعة الحكيم أو من جماعة الصدر أو من جماعة دولة القانون أو من مؤسسة المدى مفروضون على القناة ويتقاضون رواتب أعلى من رواتبنا وفوق هذا فهم يعقدون الصفقات التجارية من خلال شراء البرامج وإنتاج المسلسلات الهزيلة التي كانت موضوع مقالتكم. نرجو منك سيدي ومن كل الشرفاء من أبناء العراق وبخاصت الموجودين في الخارج أن لا يتوقفون عن الكتابة من أجل العراق ولكم منا خالص الشكر والتقدير وكثر الله من أمثالكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
التوقيع.......
الوظيفة......
التاريخ.......


الرسالة الثانية وأنشرها بأخطائها كما هي

سلام من الله عليكم ورحمته وبركاته
... الفاضل قاسم السهيل المحترم

أخي لماذا لا تكون مقالتك اكبر من التي قرأناها. هل تنقصك المعلومات. فإذا شئت سنزودك بها. تعرف أن قناتنا الفضائية فيها من الموظفون ما يكفي لثلاث قنوات فضائية. أن كتابتي ضعيفة فأنا لست صحفي وأعمل في قسم quot;...quot; ولقد جابوا لنا مرة مدير عرفنا أنه يبيع قطع غيار سيارات. وكان يسألنا أسئلة عجيبة وكنا نقول له نعم لأننا نخاف أن يفصلنا من الشغل وتعرف اليوم العمل صعب ولا نستطيع السفر للعمل في القنوات الفضائية العربية الذين يتمنون تشغيلنا لديهم. وهل تتصور أنه بقي فترة من الوقت لا يعرف أن يلفظ كلمة المكسر ndash; المازج وكلما كان يريد أن يتحدث عنه يصفن فنكمل له نحن الحديث وفي أحد الأيام صار عصبي على نفسه ولفظ كلمة المكسر ndash; المازج، قائلا quot;جاملغquot; وهذه هي المهزلة. فنرجوكم أن تكتبوا بإسمنا عن هذه المأساة. أنهم يريدون منا أن نبث الصور والبرامج ونحن نعرف أنها ضعيفة جدا. يريدون فقط أن تظهر صور على الشاشة وينكتب إسم العراقية. نحن محاطون بمليشيات إعلامية فإذا كان هناك مثلا لجنة لقراءة النصوص فيها واحد من جماعة المدى فإن جماعة الصدر يقولون نريد عضو آخر يكون في اللجنة ثم يطالب جماعة الحكيم بواحد من عندهم وهكذا. لقد مللنا ونحن نريد وضع أنساني للعمل لما يخدم شعبنا. إن الفنيين الذين نسمع أخبارهم في القنوات الفضائية العربية مثل الجزيرة والأم بي سي والعربية وكل القنوات السعودية والقطرية يعيشون حالة من الرخاء والبذخ والفرح والسعادة. يأتون مكرمين معززين بسياراتهم فهل نفطهم أكثر من نفطنا أو هل تاريخهم أفضل من تاريخنا وأقول هل إستعمارهم أفضل من إستعمارنا والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الأسم.......
الوظيفة....
بدون تاريخ


الرسالة الثالثة وهي أكثر دقة من ناحية اللغة

الأخ السهيل كاتب مقالة الفضائية العراقية ومهزلة الثقافة والإعلام
تحية طيبة
انا أخي الفاضل أعمل في قسم quot;....quot; في القناة الفضائية العراقية. وقد كلفت أن أكون في لجنة إنتاج مسلسل يحمل عنوان quot;حفر الباطنquot; الذي مضى على تصويره أكثر من عام ولم يستكمل حتى الآن، مع ملاحظة أن فلم كوفاديس الملحمي الشهير قد تم تصويره في شهرين وتم التحضير له في تسعة شهور. وحفر الباطن هو نموذج للمسلسل الرديء الذي أعطي للإنتاج وفق صفقة مالية كما هو سائد في الكثير من المسلسلات. المسلسل مكتوب بشكل هزيل. المخرج لا يعرف مهنته. مدير الإنتاج مشغول بترتيب الفواتير وقد يزعجك أن أقول بأن الممثل العراقي مهان سواء في دوره أو في أجوره بل أن بعض الممثلين قد تسلموا الدفعة الأولى والثانية وعندما أنهوا أداء أدوارهم لم يتسلموا القسط الأخير. وهي مبالغ مضحكة حيث أجور الحلقة الواحدة بين مائة وخمسين دولارا ومائتي دولار. وهي مبالغ مهينة للممثل العراقي. والمسلسل حتى الآن لم ينجز. ولا أحد يستفسر ولا أحد يسأل لماذا هذه الفوضى في الدراما العراقية ومستواها الهزيل فيما كان التلفزيون العراقي قبل الدكتاتور يقدم الأعمال الدرامية المحترمة.. ترى أين ذهب المبدعون؟ أليس هو سؤال يحتاج إلى إجابات؟
أن في القناة العراقية مآس كثيرة وصفقات مالية تجري بين المتنفذين والشركات المنفذة التي يحال لها المسلسل وفق عمولات تقدر بعشرات الآلاف من الدولارات. والأنكى من هذا إن مسلسلين جديدين سوف ينفذهما مخرجان أحدهما سوري والثاني أردني ولا حماية نقابية ولا وجدانية للمخرج العراقي والمبدع العراقي. لذلك نتمنى أن يصار إلى التحقيق وتنظيف القناة من اللصوص المعروفين، ومساءلة كل المسيئين للثقافة العراقية وللإعلام العراقي. واليوم لا يكتفون بإحالة عقود المسلسلات وفق صفقات مالية بل وبمخرجين غير عراقيين.
أخي.. أشكركم أنكم كتبتم المقال ولكنه مقال ينقصه الكثير. عليك أن تعمل دراسة عن الفضائية العراقية وطالما أن القناة تدار بطريقة المحاصصة فإن أية أدارة جديدة سوف تبقى خاضعة لموازين القوى والمراجع المكونة لها. وأن أي مدير يأتي بدون صلاحيات وبدون روح وطنية ووفق مجلس أدارة أو مجلس أمناء من المثقفين الحقيقيين، هم كثر في العراق الغالي، لا يستطيع أن يبدل شكل القناة ولا مضمونها.
نتمنى الخير للوطن. هذا كل ما بوسعي قوله وأنا حزين وأشكركم
الإسم.....
المهنة....
بدون تاريخ....


الرسالة الرابعة ndash; رسالتي إلى الدولة العراقية

السيد رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي
تحية عراقية

أمامك الآن ثلاث رسائل من داخل القناة العراقية. ليست القناة العراقية سوى المثال الذي يمكن سحبه على وزارات الدولة ومؤسساتها الإقتصادية والإجتماعية والثقافية.
أعلمك أولا أن وزارة الثقافة منذ سقوط النظام وحتى الآن هي بدون ثقافة ولا علاقة لها لا من بعيد ولا من قريب بالثقافة العراقية وهي وزارة مجاملة للمحاصصة الطائفية والسياسية يديرها وأدارها قوم لم يقرأوا كتابا في حياتهم.

أما المؤسسات الإعلامية ممثلة بشبكة الإعلام العراقية فلقد تداول على رئاستها أشخاص لا علاقة لهم بالإعلام مستثنيا الإدارة الجديدة التي يتمتع صاحبها بالخبرة الإعلامية وهو إبن المهنة كما يقال وهي بداية جيدة ولكنها قد لا تكون ذات نفع وسط مبدأ المحاصصة داخل مؤسسات الإعلام.
إن أية حكومة تريد بناء وطنها ينبغي أن لا تعتمد مندوبين يمثلون المؤسسات التابعة للمليشيات والطوائف، لأنها سوف تبقى قنابل موقوته خطيرة إذا لم تنفجر اليوم فسوف تنفجر غداً.
الوطن يتأرجح بين الفاجعة والفاجعة وثمة قوى ليست فقط إقليمية بل محلية لا تريد الخير للوطن بل هي تتربص له، ليس الهدف هو الإطاحة بالحكومة. فالحكومة تروح وتأتي غيرها وليس من أحد ضامن حتى مستقبلة الحياتي في وطن يعيش بالمفاجئات. لايمكنك أيها السيد رئيس الوزراء أن تراهن على عملية الترقيع فالشق كبير والرقع صغيرة لا تفي بالغرض كما يقول المثل العراقي quot;الشق جبير والرقعة صغيرةquot; وإن ملف الفساد الشائع بين المواطنين يشمل جميع أجهزة الدولة بدون إستثناء وهو لا يستثنيكم فلماذا توقف قرار التصريح بممتلكات أجهزة السلطة من رئيس الجمهورية والوزراء وأعضاء البرلمان. quot;وللأمانة فأنك الوحيد الذي أعلن عن ممتلكاته وراتبهquot; وعزف الأخرون عن التصريح بها. ولكنكم في النهاية متهمون لأنكم تقفون على رأس السلطة والفساد معلن وغير مخفي واللصوص يتجولون بحرية في أروقة الدولة والبرلمان.
وفق هذا الواقع نحتاج في الأقل إلى صوت صريح ديمقراطي يهندس الموقف المتدهور ويشير إلى مواقع الخلل ويكشف حقيقة المجتمع عبر الأدوات الإعلامية وفي المقدمة منها المرئية. فأما أن تكون للمواطن قناة مستقلة صريحة واضحة وجميلة تكشف الحقائق وتشير للمواطن نحو الدرب السليم في الحياة وتسهم في وضع الأصبع على الجرح فنخلص العراق من الأوبئة المرضية والأوبئة الإجتماعية والسياسية. قناة حقيقة نحتاج إليها مستفيدين من تجربة البي بي سي البريطانية وأما أن نقرأ على الوطن السلام وهذا ما لا نتمناه.

كاتب وإعلامي مقيم في مشيغن
[email protected]