تشرأب الأعناق و تتطلع الرؤوس والهامات، وتنجذب الأضواء، وتنشط التوقعات حول هوية الرئيس القادم لجمهورية مصر في حلتها الرئاسية الجديدة و الخارجة عن سياق النص و التعيين منذ أن حقق إنقلابيو حركة 23 يوليو من صغار الضباط هدفهم بإسقاط النظام الملكي وتحويل مصر منذ عام 1953 لجمهورية عسكرية محضة لم يخرج زعماؤها الكبار عن نطاق الإنتماء للجيش المصري، بدءا من الرئيس الأول المغدور به اللواء محمد نجيب، مرورا بأشهر زعيم مصري في القرن العشرين وهو الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، وإستمرارا مع نائبه الرئيس الراحل أنور السادات الذي ترك لمصر رئيسا عسكريا من جيل حرب أكتوبر لعام 1973 إسمه محمد حسني مبارك لم تنته ولايته الرئاسية إلا بخروج الشارع المصري في ثورة شعبية عارمة في الخامس و العشرين من فبراير 2011 ليسقط الرئيس و ينسحب من الحياة العامة ثم يجرجر للمحاكمة في 11 فبراير من العام الماضي أي بعد أيام قليلة من إندلاع الثورة لم تحدث خلالها أي مجازر بشرية مروعة كما هو حال دول الشرق التعيس وإن حدثت مآسي إنسانية ولكنها لا تقارن أبدا بما يحصل في سوريا حاليا أو ماحصل في اليمن، والسبب كما نعلم هو وجود المؤسسة العسكرية ممثلة بقيادة الجيش المصري في وضعية دفاعية / قتالية وبأسلوب يعرف بأسلوب ( خلي السلاح صاحي ) وتماسك تلك المؤسسة حتى اليوم ووفق توافقات دولية وإقليمية مما جنب مصر مآسي رهيبة كان من الممكن الإنحدار إليها فيما لو حصل الفراغ السياسي والستراتيجي رغم حالة الفراغ الأمني المحدودة التي أمكن السيطرة بدرجات متفاوتة على حيثياتها المزعجة، إنتخابات الرئاسة المصرية إستحقاق مهم و حالة جديدة ومتميزة ولاسابق لها تعيشها مصر في خضم أعنف أزمة إقتصادية دولية، وأوسع حالة تحرك جماهيري عربية، ومع إرهاصات واقع إقليمي جديد ينفض غبار الأنظمة السابقة التي تعفنت حتى تخشبت ثم تطايرت شظاياها فاسحة المجال لبروز مشهد سياسي جديد طابعه الغرابة والدهشة ومحوره المفاجآت المتقلبة التي قد تحدث في أية لحظة، ومن إستعراض قوائم أسماء المرشحين لمنصب الرئيس في الجمهورية الثانية المصرية تتضح أسماء وهويات بعضها مثير للشفقة والتندر والهزلية وهو ما أشرنا إليه سابقا، وبعضها يثير الذهول و الحيرة، فيما بعضها الآخر يثير كل علامات الإستفهام و التوجس بل الرعب، بداية ونهاية فإن هنالك مبدأ لربما يكون غير معلن ولكنه شاخص ومعروف للجميع ولن يتحقق في تقديري سواه مهما كانت النتائج، وهو أن العرش الرئاسي والمؤسسة الرئاسية لن تخرج أبدا عن نطاق الجيش المصري و إرادته مهما كانت الأسباب والدوافع و المغريات وحملات الدعم و التمويل من هذا الطرف أوذاك أو هذه الجهة أو تلك؟ لذلك فإن العديد من الأسماء المرشحة ليست سوى إستعراض للزينة والبهرجة الإنتخابية وإكمال عدة، فمن يتصور مجيء رئيس إخواني لمصر فهو يعيش في وهم كبير وخيرت الشاطر مهما إمتلك من شطارة لايمكن ابدا أن يكون الرئيس الخامس لمصر، أما الكلام الكثير حول وقوع منصب الرئاسة تحت أيادي السلفيين ومن يلف لفهم، فهو الوهم المطلق بعينه، لقد إرتكب ضباط حركة يوليو ممارسات بشعة ضد الإخوان المسلمين تحديدا و مجمل خصومهم الآخرين سواء في السجن الحربي أيام أحمد أنور أو في سجن الواحات أو في سجون المخابرات رغم إنتماء العديد من قادة حركة يوليو 1952 لجماعة الإخوان بالذات!! ومنهم الرئيس عبد الناصر نفسه وحتى أنور السادات غير عدد مؤثر من أعضاء مجلس الثورة السابق ككمال الدين حسين وغيره، إلا أن لإدارة الدولة والمجتمع ولرغبات الأجندات الدولية أدوار حاسمة وغير معلنة ولكنها الفيصل والمؤشر في تحديد الأمور وقت الجد، نعم يستطيع الإخوان والسلفيون اللعب ضمن إطار مجلسي الشعب والشورى ولكن النظر لما هو أعلى فيه كسر للرقاب وهو أمر لو تعلمون شديد ورهيب!!، لذلك فقد كان للدخول المتأخر لرئيس المخابرات الأسبق اللواء عمر سليمان للسباق الإنتخابي إشاراته الواضحة والمعلنة حول هوية الرئيس المصري القادم والذي يتحدد إسمه وتصقل هويته من خلال ثكنات العباسية وليس عبر أي مكان آخر!!، أما المرشحون الآخرون كالسيد عمرو موسى وزير الخارجية وأمين عام الجامعة العربية الأسبق وأحمد شفيق قائد السلاح الجوي فبرغم قربهم الشديد من دائرة النظام السابق إلا أنهم ليسوا مجرد أرقام عادية في وضع مصري صعب ودقيق وحساس فرئاسة مصر ليست مجرد عملية بروتوكولية بل أنها تعني أشياء كثيرة وسقوطها تحت إطار تيارات وسطوة الإسلام السياسي معناه سقوط الشرق بأسره!، ثم أن مصر ليست جمهورية موز معزولة بل أنها قلب الشرق وروحه وهي البوصلة التي تؤشر لأوضاع الشرق برمته وسقوطها بيد التيارات الأصولية يعني بداية فوضى إقليمية شرسة وواسعة لن ينجو من تأثيراتها التصاعدية و معاركها الجانبية أحد، لمصر علاقات ستراتيجية دولية وإقليمية حساسة وخصوصا مع إسرائيل حيث أن هنالك إتفاقية سلام بين البلدين لربما لم تكن مثالية ولكنها قائمة على كل حال ومجيء الهواة وأهل الشعارات الغوغائية لسدة السلطة سيجعل كل الإتفاقيات في مهب الريح و المنطقة لا تتحمل أية حروب جديدة وتحت أي ملاءة كانت، تحديد هوية الرئيس المصري القادم فيه إنعكاس صارخ ومصيري لمستقبل الدولة المصرية وحيث تنتصب خيارات التقسيم المرعبة لتشكل خيارات جهنمية بات الجميع يتحدث عنها بعد إنفصال جنوب السودان و الدعوات الإنفصالية في ليبيا وحتى في المغرب الأقصى ومحيء التيارات الدينية في شخص رئيس للجمهورية فيه ترسيخ مؤكد لخيار التقسيم ولورقة الدولة القبطية مما يعني الدمار النهائي و الحتمي لمصر التي يعرفها العالم موحدة منذ أيام الفرعون مينا ( موحد القطرين )... مصر تعيش اليوم أحلك لحظاتها و أدقها مسارا و مستقبلا، والجيش المصري لن يسمح أبدا بأي لعب ( عيال ) في مصير البلد، وبالتالي فإن أي رئيس قادم لن يخرج أبدا عن إختيار وخيار المؤسسة العسكرية، وذلك من طبائع الأمور حتى ولو وصلت الأوضاع لحالة مشابهة لما حصل عام 1954 وإنفجار الصدام بين العسكر و الإخوان... لقد قالها الملك الراحل فاروق الأول و الأخير وهو يودع مصر و يسلمها للعسكر وفي شفافية مذهلة بأن : ( حكم مصر عملية ليست سهلة )!!!... لقد تنبأ الراحل الملك فاروق منذ ستين عاما بالوضع الذي نعيشه حاليا.. وحفظ الله أمة العرب من كل شر مستطير..
- آخر تحديث :
التعليقات