مايحدث من تطورات عجيبة وغريبة في العالم العربي وفي مصر تحديدا لايثير كل عوامل القلق والتوجس فقط، بل يثير التندر و التساؤل عن مصير و مستقبل مجتمعات عانت طويلا من الهيمنة العسكرية و النظام الشمولي والذي أفرز وأنتج في النهاية وقائع كاريكاتيرية سوداء هي بمثابة مؤشر على حالة إنهيار مجتمعي وقيمي عامة باتت تطرح إشكاليات عديدة و خطيرة متعلقة بمستقبل تلكم المجتمعات، ومصر التي خضعت و منذ عام 1952 بعد إنقلاب 23 يوليو لحكم عسكري مباشر لم ينته حتى اليوم بل ما زال مستمرا بصيغة واضحة ومعلومة من خلال المجلس العسكري الذي أجبر الرئيس السابق حسني مبارك على الإستقالة إستجابة لتحرك الشارع المصري في 11 فبراير من العام الماضي، تواجه اليوم منعطفا مستقبليا مهما و حاسما من خلال عملية الإنتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها خلال الأسابيع القادمة، وهي إنتخابات تشكل على مستوى الحدث التاريخي نقلة موضوعية وإعتبارية مهمة في التاريخ المصري الحديث، فالرئيس الأول لجمهورية مصر والذي لا تعرف هويته أجيال مصرية عديدة كان هو نفسه قائد إنقلاب 23 يوليو المرحوم اللواء محمد نجيب الذي كان الواجهة ذو الرتبة العسكرية المحترمة التي تخفى وتوارى خلفها صغار الضباط من الذين تولوا إدارة شؤون ذلك الإنقلاب الذي غير وجه مصر و الشرق الأوسط برمته وساهموا بإدخاله في مستنقع الإنقلابات و المؤامرات الدموية التي توالت فصولا في المنطقة وبما ترك مؤثراته على دوله المركزية في العراق وسوريا وفشل في زعزعة الأوضاع في الخليج العربي رغم المشاكل التي أحدثها وشكلت جزءا مهما من تاريخ إدارة الأزمات في الشرق الأوسط خلال عقدي الخمسينيات و الستينيات من القرن الماضي، لقد كان مصير أول رئيس للجمهورية المصرية مأساويا بعد الإطاحة به عام 1954 وظل حبيس إقامته الجبرية المذلة حتى وفاته عام 1984 وخرج من التاريخ المصري بصمت قاتل ولم تبق من ذكراه سوى إسم لإحدى محطات مترو القاهرة!، وكان جمال عبد الناصر هو الرئيس الأشهر في التاريخ المصري الحديث منذ توليه المنصب الرئاسي عام 1956 وحتى رحيله المفاجيء عام 1970 عاشت مصر خلالها فترة تاريخية ملتهبة حفلت بمتغيرات عديدة وبهزائم شنيعة أعوام 1956 والهزيمة الأكبر و الأشنع عام 1967 والتي تركت جروحها الغائرة في عمق النفسية المصرية حتى اليوم رغم الإنتصار العسكري المحدود في حرب أكتوبر 1973 والذي لم تستطع نتائجه العسكرية المباشرة إزالة آثار عدوان وهزيمة 1967 بل كان خطوة تكتيكية حركت العملية السياسية و التفاوضية التي توجت بإتفاق كامب ديفيد و التطبيع مع إسرائيل مقابل إلإنسحاب العسكري الإسرائيلي من شبه جزيرة سيناء عام 1982 وبعد شهور من مصرع الرئيس الثالث للجمهورية أنور السادات الذي حكم مصر برؤية مختلفة و بتكتيكات و أساليب أعتبرها البعض بمثابة ردة على مباديء و أسس و رجال إنقلاب 1952 ولكنه في مطلق الأحوال تصرف بصفته كزعيم لمصر ورث شرعيته من خلال المؤسسة العسكرية و إنقلابها عام 1952 وقبل رحيله و تحديدا عام 1975 حرص على تعيين نائب له من بين صفوف المؤسسة العسكرية وخارج إطار الأعضاء الباقين من مجلس الثورة القديم الذي تم حله أواسط الخمسينيات ولم يبق منه سوى إطلال وذكريات لصراعات مرة بين الضباط كان أشهرها الصراع بين الرئيس جمال و نائبه المشير عبد الحكيم وهو يعتبر بمثابة مأساة إغريقية مغرقة في التراجيديا الرثة!!، مجيء حسني مبارك لسدة الرئاسة بشكل مفاجيء و غير محسوب بعد عملية المنصة و إغتيال السادات في 6 أكتوبر عام 1981 شكل عملية جمود رئيسية في السياسة المصرية فقد بدا مبارك و كأنه قائد ورئيس خالد يأبى الرحيل أو الإعتراف بضرورة تغيير المسارالسياسي وتحويل مصر لمحمية عائلية وتحويل مؤسسة الرئاسة لملك عائلي خاص و متوارث كانت كل إمكانيات الدولة المصرية والحزب الرئاسي ( الحزب الوطني ) مخصصة لتعبيد الطريق لتلك المحاولة التي وأدت ولكن طريق تحييد و إبعاد المؤسسة العسكرية عن السلطة ليست بالأمر السهل أبدا!، فمصر لم تحكم منذ سقوط الحكم الملكي إلا من خلال تلك المؤسسة الوطنية، وحتى ثورة 25 يناير من العام الماضي كان يمكن أن تتحول لمذبحة حقيقية أين منها المذبحة السورية القائمة لولا وقوف المؤسسة العسكرية المصرية رغم إنهيار جهاز الأمن و البوليس موقفا صلبا حمى مصر من تداعيات خطيرة كانت ستتجاوز الحدود المصرية بكل تأكيد، والطريف و المثير أيضا إن الإنتخابات الرئاسية القادمة ستطرح تساؤلات عميقة حول دور الجيش وقيادته في قيادة الجمهورية القادمة في ظل الترشيحات الدائرة حاليا لمنصب الرئيس وهي ترشيحات لايخلو بعضها من طرافة كترشح أحد المطربين الشعبيين وصاحب سيمفونية ( بحبك ياحمار )! وإصراره على ركوب ( الحنطور ) الرئاسي ودخول قصر القبة كرئيس جديد للجمهورية المصرية في عصر ما بعد الثورة المصرية!!، منصب الرئيس له أهمية دستورية وقانونية وإعتبارية كبرى، والرئيس القادم الذي تتطلع جماعة الإخوان المسلمين أن يكون من بين صفوفها لتتم تسوية الثأر التاريخي بين الجماعة و المؤسسة العسكرية تشرأب رؤوس أخرى لتكون في الصدارة ومنها رموز سياسية وعسكرية من النظام السابق كعمرو موسى أو أحمد شفيق أو حتى عمر سليمان، وتبقى كل الخيارات مفتوحة و ممكنة إلا ذلك الخيار الهزلي الذي يجعل ( حنطور ) الرئاسة المصرية بمثابة مهزلة حقيقية رغم أن مصر تواجه اليوم أخطر التحديات في طريق بناء و مواجهة المستقبل.

[email protected]