ضرورة المقدمة: على عكس المثقفين العرب الذين تمتلئ بهم الجامعات العربية والغربية، يَستلهم ويَستوحي عرب الجاهلية من عشاق السياسة quot;نصف الحقيقة quot; ويغصون أعماقها بسحر يبهرهم تشبه في ذلك قصص السندباد البحري القديمة وخيال أفلام سوبرمان الجديدة. تحليلات حقيقة البيضة من الدجاجة أم الدجاجة من البيضة تغزو العالم العربي بأنتشار الأنترنت والفضائيات والمعرفة العامة ولايبالي الناس بمعرفة الحقيقة بكل أبعادها. وتختلف المفاهيم والأراء بل وتختلط عند الحديث عن السياسية والدين والديمقراطية والفدرالية والدكتاتورية والأرهاب وأنتفاضات الفقر الشعبية ضد الفساد والبطالة وألأستبداد،خاصةً عندما يتداولها بعشق وهيام زعماء عشائر ومجالس علماء المسلمين ورؤساء بعمائم تقليدية أستغواهم العمل السياسي وعشقوا تصريف أمور الأمة بطرقهم الفريدة.

أبدأُ القول بالقراءة العامة على تفشي الطائفية السياسية التي تنتاب بعض السياسيين الجدد وتظهرُ للملأ على شكل رهصات تفقدهم توازنهم الفكري ويصبح ميزان الوظيفة التي يبتغيها السياسي منهم والنائب المنتخب والصحفي الجرئ والمحامي المحترف والأنسان العنصري البسيط الادراك، كيفية التمكن من خداع الناس وأقناعهم بمعرفة أنصاف الحقائق بأوهام الأمل في المسقبل، لمصلحته ومصلحتهم الشخصية وبأفكار خط سياسي عام في تقييم الأمور الحياتية وتعميمها على الناس أبتداءاً من رجل الدين المُعمم الى العامل المُعدم.
نصف الحقيقة السياسية هي التعبير المشوه. فما هي الحقيقة المطلقة في الحياة السياسية ؟ يقول المثل الصيني quot; الحقيقة هي انا....أنتَ....ثم الحقيقةquot;. فكل منا ينظر للحقيقة من جانب قد لايراه الأخر أو لايريد أن يراها لبشاعتها أو جمالها كما يراها من منظاره وثقافته ومعرفته المادية وأحاسيسه الشخصية. وكانت حقيقة تقديم quot; نصف الحقيقةquot; الصفة الملازمة لزعماء أسرائيل وصقورها لأتمام تحكمهم بالعقل العربي وتسييره وتوجيهه منذ الأستيلاء على الأرض الفلسطينية وأستملاكها بقوة السلاح عام 1948 ووصول الهجرات اليهودية من أوروبا وأمريكا الى الوقت الحاضرعندما همس الرئيس الفرنسي ساركوزي في أذن أوباما بأنه يتعامل مع quot; كذاب معروفquot; في أشارة الى نتنياهو رئيس وزراء أسرائيل. وعلى خلاف العقل العربي العلماني والديني لا يوجد لقادة الصهيونية حقيقة مطلقة في شؤون السياسة وكل شيئ مُبرر مادام يصب في مصلحة أمن الدولة وتوسع أراضيها وأستقرار حدودها. ومناهج الأمن السياسي يشكل بذور العمل لمؤسسات ودوائر الحكومة السرائيلية المدنية والعسكرية. واليوم هناك ثمة قلق عميق يسود الأوساط الإسرائيلية ( كما تدعيه) يتمثل في المصير المحتمل لترسانة السلاح التي تمتلكها سوريا وحقائق مختلفة عن توريد السلاح وتهريبه اليها من حدود مجاورة وموانئ مفتوحة للتهريب، بما فيها الصواريخ بعيدة المدى والأسلحة الكيمياوية والبيولوجية، وخشية وقوعها في أيدي الجماعات المسلحة المتطرفة في أي مكان. وتأتي مع الأكاذيب ما يؤكدهُ وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك للبرلمان الإسرائيلي على (المخاطر المحتملة في المدى القصير، التي تفرضها الاضطرابات في سوريا على البلاد). ويتابع مسرحية وظيفة الكذب والتشويش السفير الإسرائيلي السابق في القاهرة اسحق ليفانون في المقابلة التي اجرتها معه صحيفة laquo;الرأيraquo; الكويتية ونفي فيها صحة ما ورد بأن( اسرائيل تدعم بقاء الرئيس السوري بشار الاسد، وان بقاءه في السلطة لن يدوم طويلا،وان النظام السوري الجديد سيأخذ بعين الاعتبار المشاكل الداخلية اكثر من اي قضية اخرى، وان اي نظام جديد سيكون افضل من نظام الاسد لان التحالف الاستراتيجي مع ايران وحزب الله سيتوقف. وبالتالي سيضعف حزب الله تجاه الدولة اللبنانية داخليا وان العراق كان يساعد سورية باسلحة ايرانية ولكن ذلك توقف بعد تدخل اميركي وأوروبي).

مجموعة أفكار تُظهر حقيقة ناقصة مبتورة ومقصودة تبنتها وأبرزتها لعرب الجاهلية ضعف الأدارات العربية وقوة مخابرات دول يحترف خبرائها وموظفيها تمرير السلع السياسية المُعلبة والكذب الشيطاني الذي خدعت أسرائيل بموجبه خصومها في المنطقة والعالم بأقتدار. هذه السلع تشمل أسلحة وعتاد وأجهزة أتصال أسرائيلية وتركية الصنع ومئات الصناديق التي تحتوي على رشاشات وبنادق قنص وقنابل وذخائر ينقلها عملاء الموساد مخصصة لشعوب دولنا العربية لتقبلها كما هي وتوزع مجاناً من تونس وليبيا ومصر والسودان وسوريا واليمن والعراق مادامت الطمغة غربية والختم خارجي. فمثلاً، تنتشر الاسلحة في كل مكان في ليبيا، سواء بين فتيان يرفعون بنادق كلاشنيكوف في شوارع طرابلس او بين المقاتلين المجهزين بقاذفات الصواريخ على جبهات قتال بين محافظات وقرى قبائل عربية تطمئن لها أسرائيل لبعدها عنها. وكما حصل في العراق بعد عام 2003، تعرّض المجلس الانتقالي الليبي لانتقادات واسعة لعجزه عن السيطرة على الميليشيات التي انبثقت مع انهيار النظام السابق ولازالت في صراع فيما بينها. وما عمليات الخطف واقتحام الفنادق والسيطرة على الأحياء السكنية وموانئ التهريب والمطارات العسكرية والمدنية أِلا أضافات لسمعة المجالس الانتقالية المؤقتة والفصائل المتطاحنة في ليبيا وتونس ومصر واليمن وسوريا ليصبح أمل التغيير للأفضل ضئيلاً.

أنه زمن القشـور والجهـل والتخلـف والخنوع وظهور المجالس العسكرية الشعبية كالمجلس العسكري المصري والتونسي والليبي والسوري واليمني ومجالس أمراء الدول الأسلامية والعشائرية في العراق ومصر وفتاوى الأدعياء الضواهري والقرضاوي والعرعور السوري ومصطفى عبد الجليل الليبي وحديثهم المثير للفتن في العراق ومصر وليبيا والبحرين واليمن وسـوريا بحجة حماية الشعب ومباركة ثورته بمشاركة جواسيس المخابرات الأجنبية في المظاهرات والأحتجاجات المُسلحة التي خرجت لاسقاط نظام زين العابدين ومبارك والقذافي وعلي عبد الله صالح، ولتبقى الأبواب والنوافذ مفتوحة لتدخل حلف الناتو وأمريكا واسرائيل وسفراءهم ومخابراتهم ومؤسساتهم وزمرهم الأمنية العسكرية الطابع كمؤسسة ستراتفور الأميركية وأسهامها في مساعدة المعارضة السورية للإطاحة بالنظام السوري البعثي الدكتاتوري، كما عملت في وقت سابق على نطاق واسع في ليبيا ومؤسسة بلاك ووتر الأمنية السيئة السمعة في العراق.

وطالما كانت شعوب المنطقة تعوزها القدرة على أسقاط أنظمة وراثية عائلية وعشائرية مستبدة لا تفهم مصالح شعوبها ولا تفهم ما في العالم من تطور حضاري، فأنها تلجأ في حالات اليأس الى أحلال ألأوفياء وألأتقياء والمسلمين الجدد وتعاونهم العلني والسري مع ( الموساد والأحلاف الغربية وخدمات الكوماندوس الفرنسية MI6 الأمنية التي تقدم خدماتها باجهزة الاتصالات الحديثة وأسلحة القنص كي يكون (الرصاص لنا والتقدم التكنولوجي والنووي لأسرائيل) وقتال أبناء الوطن الواحد وأبقاء المظاهر المسلحة لفترات زمنية طويلة.

التغيير الثوري هو قانون حتمي وطبيعي لشعوب مُستعبَدة من طواغيت عوائل أرثية وعشائرية مستبدة أستعبدت شعوبها كما قال فينا الخليفة العادل عمر بن الخطاب quot; متى أستعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً quot;. أِلا أن لدي أستدراك وملاحظات عما يجري في عالمنا العربي من شذوذية التغيير المرافق للقتل والتدمير والتشريد بأسم التحرر والعدالة ووظيفة أبراز نصف الحقيقة التي تباركها النخب الإعلامية والثقافية العربية والغربية والمُنعّمون في كل الأزمنة القديمة والجديدة وعهودهم ومواثيقهم وتطلعاتهم في ربط المجتمعات العربية بالأسلام السياسي السلفي وجماعة الإخوان المسلمين وارتباطاتهم المشبوهه بدول تسند أسرائيل منذُ تأسيس جماعة الأخوان المسلمين عام 1945 وتعرية جمال عبد الناصر لهم في الخمسينات من القرن الماضي.
فالحقيقة الناصعة هي أنه رافقت عمليات تحرير العراق، قتل وتشريد أكثر 4 ملايين عراقي وقُتل 150 ألف ليبي وأستمرار القتل والتخريب اليومي في مصر وسوريا واليمن بالرهان على الطريقة الأجنبية الغربية الأسرائيلية لأنجاح مثل هذه الثورات التخريبية البعيدة الأمد.

ماذا قرأ العرب عن الثورة العربية ضد الدولة العثمانية وبماذا تعلموا منها وخرجوا من نتائج بعد أكثر من 90 سنة ؟ كيف نسى سياسيونا وصحفيونا وقادة مجتمعاتنا ما فعلته أتفاقيات سايكس ndash; بيكو من تقسيم العالم العربي وتعهد بلفور لتقسيم فلسطين، والضابط الانكليزي لورنس الذي قائد الثورة العربية ضد تركيا العثمانية..؟

الثورات تنتصر لحظة اندلاعها!! مقال نشرته الشرق الاوسط اللندنية للدكتورفيصل القاسم، كاتب وأعلامي قناة الجزيرة. لم أجد فيه أِلا الهذيان الصحفي ونسيان تام لتاريخ سياسي من استعباد غربي يهودي للعرب والأكراد والمسلمين والمسيحيين، وهستيريا ركوب أي موجة بألصاق كلمة quot; ثورةquot; وكلمة quot; شعبيةquot; لأعطائها ميزة النجاح والتقدم الحضاري منذ(لحظة أندلاعها).

وقد أصابتني الدهشة وخيبة الأمل في نص قول د. القاسم quot; لابد أن نبين لهم أن الثورات العربية، مهما جاءت بنتائج وخيمة، فهي ثورات مباركة وضرورية بكل المقاييس، فمهما حصل بعدها لن يكون بربع سوء الأنظمة التي قامت عليها الثوراتquot;. لابد من أعادة الفقرة التي أوردها في كلامه (الثورات العربية، مهما جاءت بنتائج وخيمة، فهي ثورات مباركة وضرورية بكل المقاييس. )
هل هذه دعوة جديدة لتربع الاسلاميين والقبائل الليبية والمجالس العسكرية المؤقتة على عروش السلطة للمئة سنة قادمة بمباركة غربية؟
أني أرى أن أنجازات المخابرات والسفارات الغربية والاسرائيلية قد تحقق بتفوقها الفكري والعلمي والتكنولوجي والأستخباراتي وتخطيطها المحكم في دعمها للاحتجاجات الشعبية المطالبة للتغيير وتسلل أبراز عملائها بينها، لما له من أهمية فائقة ومذهلة في نسب النجاح في تلفيق الأخبار (نص صح ونص كذب) على نحو يثير شكوك المواطن بأن تركيا وأيران واسرائيل والغرب وحلف الناتو ومجموعة قطر يدعمون الثورات العربية ويساندون أمل حصول شعوب المنطقة على الحرية والعدالة والرفاه والسلم والتحول السلمي للسلطة.

الحوارالأسرائيلي لتمويل وتسليح القوى المتخلفة المتعصبة الجاهلة يتم بنفس الأسلوب الخفي والدعم العسكري الذي قدمته حكومات معروفة لأسامة بن لادن في حربه ضد القوات السوفيتية في أفغانستان وأستثمار نتائج تلك الحرب. فأدوات ومخابرات وإنجازات السفارات الأجنبية والمستشارين العسكريين وبلاك ووتر تفرض صراع جيوبولتيك في المنطقة ولاتبالي للتخريب اليومي ولاتهتم لأسماء من سيكون في السلطة من أشخاص أو أقتتل أبناء الشعب الواحد. أنه توجه الدولة اليهودية quot; شعب الله الطائفي المختارquot; وتوجيهها لتخفيف العداء العربي نحو الدولة اليهودية وتفتيت القوى السياسية (المرتبكة فكرياً أساساً) كما أستطاعت تفتيت قيادات الشعب الفلسطيني وعناصره المناضلة في السنوات الماضية بوجود سلطتين متنافرتين وتحريضها للواحدة ضد الأخرى.

أنها أخطر مؤامرة طائفية في التاريخ العربي لتقسيم شعبها داخل كل مجتمع وكل بيئة وحي وفي كل دولة عربية بجعلنا نُفرق بين quot; شعب معادي وشعب حقيقي، جيش نظامي حر وجيش ثوري حرquot;، ولاينتبه لهذه الموجة الهوجاء أِلا القليل من الصامتين.

التوسع الأسرائيلي يسير قدماً في العلانية والسر و شعوبنا مُسيّرة أو ربما لاتُدرك أنها مسيّرة لتقود رؤوس الفتنة وتتحمل القسط الأكبر من القتل التخريب والدمار في داخل بلادها. ويأتي الخلاف والتشرذم سائراً ومحمولاً على أكتاف أولاد صغار يرفعون شعارات أولياء الأمر من عرب الجاهلية في ترويج نصف الحقيقة السياسية ويقعون في شراك خطط الأعلام الموجه الذي نصبته لهم مخابرات الموساد الأسرائيلية وأوقعتهم في شباكه.


باحث وكاتب سياسي