منطق الأشياء كما تابعناه في الأيام الأخيرة علي مستوي الفعل السياسي في الشارع المصري يقول أن جماعة الإخوان المسلمون بما حققه حزبها quot; الحرية والعدالة quot; علي مستوي السلطة التشريعية بغرفتيها quot; الشعب والشوري quot;، ما كان لها أن تركن إلي الدعة فيما يتعلق بالعمل السياسي أو تَخلد إلي الإسترخاء الحركي المجتمعي.. خاصة بعد أن تمكنت كوادرها من الإستحواذ شبه الكامل علي اللجنة التأسيسية لوضع الدستور، ضاربة عرض الحائط بكافة المقترحات معطية ظهرها لمن إنسحب منها غير مُكترسة بما قد يترتب علي كل ذلك من نتائج ذات انعكاسات شديدة السلبية إذغ قيست بمصلحة الوطن العليا..

وعلينا أن نتذكر أنها ndash; أي الجماعة - حفزت لمهاجمة حكومة الدكتور كمال الجنزوري بعد ستة أسابيع فقط من مباركتها لما تؤدية من quot; عمل شاق وما تبذله من جهد مضني للسير بالسفينة حتى نهاية الفترة الانتقالية quot; كما جاء علي لسان أحد قادتها..
لكن عندما فشلت المفاوضات بينها وبين المجلس الأعلي للقوات المسلحة لكي يجري رئيس الوزراء تعديلاً يتولي بموجبه بعض أقطابها عدد من الوزارات السيادية، فتحت نيران هجومها عندما عُرض عليهم تولي وزارتين فقط !! وليستا سياديتين..

ومن ثم إنقلبت مؤشرات المباركة إلي وعيد quot; نيابي quot; بسحب الثقة، وإصرار علي الحق في تشكيل حكومة إئتلافية بموجب الأغلبية البرلمانية التى يتمتع بها حزب الحرية والعدالة باللتحالف مع حزب النور السلفي..
ونشر في أعقاب ذلك أن المهندس خيرت الشاطر النائب الأول للمرشد العام quot; يجري quot; عدد من الإتصالات بشخصيات لها وزنها داخل الجماعة وخارجها إستعدادا لإختياره quot; مجلس شوري الجماعة quot; للقيام بمهمة تشكيل هذه الحكومة..

الجدير بالملاحظة..
أن الجماعة واصلت التلويح بهذا المطلب حتى بعد أن قيل بكل الوسائل أن حق التكليف بتشكيل الوزارة وقبول استقالتها يقع ضمن سلطات المجلس الأعلي للقوات المسلحة، ولم ينتقل بعد إلي مجلس الشعب..
واللافت للنظر..
أن ثائرة الجماعة ثارت لما هدد رئيس الوزراء في حضور عدد من قياداتها وكذا بعض أعضاء المجلس الأعلي للقوات المسلحة بحل مجلس الشعب عن طريق حكم من المحكمة الدستورية العليا في ضوء ما لحق بالإنتخابات ndash; من عوار قانوني..
ولما أصدرت بيانها تعليقاً علي هذا التهديد الذي إعتبرته السلطة المسئولة عن إدارة شئون البلاد quot; إستفزاز quot; لسلطتها ومواقفها المناصرة للثورة، بادر المجلس الأعلي للقوات المسلحة


بالرد الفوري مذكراً بالصدام الذي وقع عام 1954 بينها ndash; أي الجماعة ndash; وبين النظام الثوري الذي كان يحكم مصر آنذاك..
مما جعل الطرفان يقفان علي قيد أنملة من إحتكاك وصفه البعض بأنه نهاية لشهر العسل الذي جمع بينهما منذ شهر فبراير 2011..
سارعت الجماعة بنقل المواجهة إلي الشارع.. مؤكدة أنه طالما لم يَرضخ الطرف الآخر لحق حزب الأغلبية النيابية في تشكيل وزارة جديدة تحل محل وزارة الجنزوري quot; التى تتسم سياساتها بالفشل وإفتعال الأزمات quot;، فسنقوم بالدفع بالمهندس خيرت الشاطر لخوض مارثون الإنتخابات الرئاسية quot; لثقتنا quot; في قدرته علي الفوز بمنصب رئيس الجمهورية..
هذه الخطوة وإن كانت تتعارض مع:

1 - الوعد الذي قطعته الجماعة علي نفسها، في واحد من إجتماعاتها منذ عام مع كبار قادة المجلس الأعلي للقوات المسلحة، أن لا تتقدم بمرشح من كوادرها لشغل المنصب الرئاسي وأن لا تؤيد مرشح ذو خلفية إسلامية..
2 - وتتنافي مع موقفها الحاد من عضو مكتب الإرشاد السابق الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح الذي إنتهي بفصله من الجماعة عندما تمسك بحقه في الترشح لمنصب رئيس الجمهورية..
إلا انها ndash; أي الخطوة - تتوافق مع تكتيكات الجماعة في الكر والفر أو الإنقلاب كما يقول بعض المتخصصون في تاريخ حركات الإسلام السياسي، خاصة وأن المرشح الذي دفعت به ليس فقط رجل أعمال من الطراز الأول وكذا من عباقرة الإستثمار، بل هو من الشخصيات البرجماتية التى تتمتع بقدرة علي التواصل مع الآخرين حتى لو كانوا من الخصوم..
فقد كان علي إتصال..
-مع سياسيون وأمنيون من رجالات فترة حكم الرئيس السابق..
-مع الحزب الوطني إبان الترتيب لجولة إنتخابات مجلس الشعب لعام 2005..
-وكان من أوائل من تلاقوا مع أعضاء المجلس الأعلي للقوات المسلحة بعد تنحي الرئيس السابق في الحادي عشر من شهر فبراير 2011..
-وربما يكون هو مصدر الإطمئنان الوحيد الذي نشرت له الصحف البريطانية ما أقنع واشنطن ومعها حكومات دول الإتحاد الأوربي أن تبعد عن نفسها quot; ما وقر في داخلها من قلق quot; بعد تنامي قوة التيار السياسي الإسلامي في مصر..
يمكن القول أن هذه التطمينات دارت حول أربعة أمور علي وجه التحديد..
الأول.. الإلتزام بالإتفاقات التى أبرمتها مصر وخاصة إتفاقية السلام مع إسرائيل
الثاني.. الحرص علي دعم وتزكية إقتصاديات السوق الحرة
الثالث.. الإبقاء علي العلاقات الخاصة مع الولايات المتحدة وتعزيزها
الرابع.. الخروج الآمن للمجلس الأعلي للقوات المسلحة بعد إنتهاء الفترة الانتقالية
لم يدقق مجلس شوري الإخوان كثيراً في عواقب هذه الخطوة التى وسعت الشق القائم بين قيادة جماعة الإخوان وكوادرها وقياداتها الوسطي.. ولم يهتم بما سينجم عنها من تهميش حجم

الأصوات التي سيحصل عليها مرشحوا التيار السياسي الإسلامي عندما تحين لحظة الإختيار بين الكثرة من المرشحين، ولم يحسب خطواته القادمة إذا ما فكر المجلس العسكري ndash; بالمقابل ndash; في تبني واحد من المرشحين المدنيين أو ذوي الخلفية العسكرية والترويج له والعمل علي تلميع صورته بحيث يحظي بالنسبة الأكبر من أصوات المقترعين..
الأمر الذي يُعد بمقاييس العمل السياسي quot; قفز إلي المجهول quot; خاصة في ضوء تأكيد الدكتور محمود غزلان المتحدث الرسمي باسم الجماعة أن الترشيح quot; لا يُشكل مناورة أو مساومة مع المجلس الأعلي للقوات المسلحة لكي يمنح حزب الحرية والعدالة فرصة تشكيل حكومة إئتلافية quot;، وما أطلقه شباب الاخوان من شعارات منددة بهذا التوجه إبان وقفتهم الإحتجاجية ( 2 ابريل ) أمام مبني مكتب الإرشاد وتصميمهم علي جمع مئات الآلاف من التوقعيات التى تُطالب بالتراجع عن هذا الترشيح..
جماعة الإخوان تري أن معركة الشاطر للفوز بمنصب رئيس الجمهورية، مصيرية..

وتري أن معركتها في صياغة الدستور لتمكين التأسيس لقيام الدولة المدينة ذات نظام الحكم البرلماني المستند إلي مرجعة إسلامية، مصيرية..
وتري أن تهميشها وإقصائها لكافة القوي السياسية والمدنية، أمر مصيري
لذلك نتوقع أن تتأخر مهمة إستكمال صياغة مواد الدستور إلي ما بعد الإنتهاء من إنتخابات رئيس الجمهورية.. فإذا فاز بها مُرشحهم، قسموا الصلاحيات التنفيذية بينه وبين رئيس الوزراء ربما بالتساوي !! أما إذا فاز بالمنصب شخص آخر حتى لو كان ذو خلفية إسلامية، خفضوا من مستوي صلاحياته ووسعوا من صلاحيات رئيس الوزراء الذي سيكلف به حتماً المهندس خيرت الشاطر كنوع من الأخذ بالثأر ممن رفضوا تكليفه به قبل ذلك بحوالي ثلاثة أششهر وممن إختاروا شخصاً غيره ليتولي رئاسة الجمهورية!

bull;استشاري اعلامي مقيم في بريطانيا [email protected]