لا تبدو هناك أية مؤشرات على الأرض تدلّ على تبدلّ الموقف الروسي من القضية السورية. كلّ التحركات الروسية، في السرّ وفي العلن، تقول بأنّ روسيا لن تتخلى عن قلعتها الأخيرة في مياه المتوسط quot;الدافئةquot;. روسيا(السوفياتية) التي كانت تملك في الماضي حق رسو بحريتها في ست دول متوسطية، لم يبقَ أمامها الآن بعد خسارتها لليبيا سوى ميناء طرطوس السوري. في حال خسارتها لهذا الأخير ستخسر روسيا آخر موطئ قدمٍ لها في المنطقة، لتتحول مياه المتوسط إلى quot;بحيرة أطلسيةquot; في قبضة قوات الناتو، ناهيك عن خسارتها لأسواق السلاح. روسيا حفظت على ما يبدو درس الخسارة في ليبيا، ولن تسمح بتكرار ذات الدرس وذات الخسارة في سوريا. من هنا يمكن قراءة دفاعها المستميت عن النظام السوري، بإعتباره دفاعاً عن وجودها في المنطقة، قبل أن يكون دفاعاً عن بقاء الأسد. لا سيما وأنّ quot;البديلquot; القادم الممثل بquot;المجلس الوطني السوريquot; وتوابعه، المرشح لمسك زمام الأمور في سوريا من بعد الأسد، ليس quot;بديلاً مطمئناًquot; لها، كما هو واضح من تصريحات الكرملين. روسيا نجحت حتى الآن في quot;حمايةquot; النظام السوري من السقوط، عبر تلويحها المستمرّ باستخدامها حق النقض الفيتو ضد كلّ مشروع أممي، من شأنه يدين هذا النظام وآلة قمعه العسكرية، أو يهدد بأي تدخل عسكري لإسقاطه بالقوة. لكنّها تعلم في المقابل، أنّ ليس في مقدورها الإستغراق في quot;لاءاتهاquot; ضد الإرادة الأممية إلى ما لا نهاية. ناهيك عن أن استخدامها للفيتو هو في المحصّلة، quot;عنادٌquot; في السياسة أكثر من أن يكون سياسةً. ربما من هذا الباب، قبلت روسيا بالمبادرتين العربية تحت مظلة الجامعة العربية، والأممية الأخيرة برئاسة كوفي أنان، المهددة حتى الآن، بأكثر من فشلٍ، وذلك لquot;إنقاذquot; حقها في استخدام الفيتو، وإضفاء نظام الأسد quot;شرعيتهquot; المفقودة. ومن هنا تحديداً يمكن قراءة موقف روسيا الداعم بقوة لخطة أنان، بإعتبارها quot;الفرصة الأخيرة لتجنب سوريا من الحرب الأهليةquot;، على حدّ قول أكثر من مسؤول روسي كبير. من العقلانية وكذا الواقعية السياسة بمكان، أن لا يضيّع الروس على حليفهم الأسد، فرصته الأخيرة لتجنب السقوط، والخروج من أزمته المشتعلة منذ 13 شهراً. لا شكّ أنّ هناك تشكيك سوري(على مستوى المعارضة) وعربي وأممي كبير في نية الأسد الإلتزام ببنود الخطة الأممية الست، وهذا نابعٌ من رصيد الأسد الكبير في عدم ترجمته لأقواله إلى أفعال، وقفزه على كلّ الوعود التي قطعها منذ تسلمه للسلطة عام 2000، وعدم استماعه للمناشدات الدولية ولنصائح الأصدقاء. عدم التزام دمشق بهذا البند ضمن المهلة الزمنية التي أشرفت على نهايتها، يعني أن خطة أنان باتت قاب قوسين أو أدنى من الفشل. وهو ما سوف لن تسمح به روسيا، لأن ذلك سيدفع الأوضاع في سوريا نحو المزيد من التشابك والتعقيد والإنهيار، ويعرّض موقفها إلى المزيد من الإحراج في مجلس الأمن، سيما وأنّ هذه ستكون ربما الفرصة الأخيرة، التي يمكن منحها إلى الأسد لإنقاذ نفسه من quot;النهاية الحزينةquot;، على حدّ وصف الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف، ذات مرّة. بالرغم من كلّ هذا التشكيك في quot;مصداقيةquot; وعود الأسد، وهو تشكيك في محله، إلا أنه من الواضح أنّ هناك إصرار روسي على الأسد للقبول بالخطة وتنفيذها، كحلٍّ أخير للخروج من الأزمة، خصوصاً وأنّ ليس هناك في الخطة أيّ بند يطالبه بالتنحي عن السلطة. الدرس الروسي الذي ليس على الأسد إلا أن يحفظه، سيكون عنوانه على الأرجح، هو quot;أقبل بشيء، قبل أن تخسر كلّ شيءquot;.
وما عزز هذه الشكوك الأممية والعربية، هي التصريحات الأخيرة التي أطلقها اليوم، الناطق بإسم الخارجية السورية جهاد مقدسي، والتي أكد فيها على رفض دمشق سحب قواتها من المدن ومحيطها بتاريخ 10 نيسان، من دون ضمانات خطية من الجماعات المسلحة لوقف العنف بكل أشكاله، واستعدادها لتسليم أسلحتها، وكذلك ضمانات بالتزام حكومات كل من قطر والسعودية وتركيا بوقف تمويل وتسليح المعارضة السورية.
بغض النظر عن حظوظ الأسد الضعيفة جداً في البقاء على رأس السلطة في سوريا ما بعد quot;خطة أنانquot;(فيما لو دخلت التنفيذ)، إلاّ أنّ عدم وجود بندٍ صريح يطالبه بالتنحي، يعني بقاءه quot;رئيساً شرعياًquot; في السلطة، كطرف رئيسي محاور في الأزمة. ويعتبر ذلك بحدّ ذاته، فيما لو تحقق، quot;نصراًquot; يسجّل للأسد ولحلفائه، في وقتٍ لا تزال غالبية أطراف المعارضة السورية، لا سيما تلك الممثلة بالمجلس الوطني السوري، ترفض أيّ حوارٍ معه، لأن quot;القاتل لا يُحاوَرquot;، حسبما يقول لسان حال مؤتمراتها.
هذا ما سيسمعه، على الأغلب، وزير الخارجية السورية وليد المعلم من حلفائه الروس، غداً، أثناء لقائه معهم في موسكو.
فهل سيحفظ الأسد الدرسَ الروسي هذه المرّة، لينجو بنفسه من النهاية الأكثر من حزينة، أم أنه سيدير ظهره لمبادرة أنان ومن حوله من العالم، كما فعل من قبل، مع مبادرين ووسطاء وأصدقاء وشركاء آخرين، في كلّ مرّة؟
- آخر تحديث :
التعليقات