ملكتني الفرحة لحصولي على نسخة من الطبعة الجديدة لكتابquot; بغداد حبيبتي، يهود العراق ذكريات وشجونquot; (حيفا، مكتبة كل شيء لصاحبها صالح عباسي، 2012) للأديب البروفيسور شموئيل سامي موريه.. أما سبب غبطتي، فقد شرفني الدكتور سامي من خلال كتابه هذا، وكرمني ثقافياً، باختياره مقالتي النقدية السابقة بحق ذكرياته، والمنشورة في quot;الحوار المتمدنquot;: (شموئيل موريه.. شجون وأحلام وآمال عراقية نقية طيبة) اختارها كتمهيد وتقديم لمذكراته الموسّعة الجديدة التي بين يدي. الجدير بالذكر، إن الطبعة الجديدة هي نسخة منقحة وموسّعة من سلسلة ذكرياته الشيقة التي سبق للكثير من مثقفينا والقراء أن تابعوها بشغف وبالنقد وكثرة التعليقات، عند نشرها بموقع quot;إيلافquot; منذ 2006 ولثلاث سنوات.

كتابه الجديد، وبإضافاته الواسعة، جاء لكثرة ما أثارت مذكراته من ردود أفعال وتقريب وجهات نظر بين مختلف القراء، لكنه صدر بحلته الموسعة لتفريقه عن طبعة مزورة مشوهة بالأخطاء نزلت الأسواق تحت نفس العنوان، دون ذكر اسم الناشر ودون موافقة المؤلف.

مقالتي كانت أول محاولة نقدية متواضعة في حينها، استوقفني في ذكريات موريه، إضافة لجمال لغتها العربية ولهجاتها اليهودية والبغدادية المحكية، نقاء وطيبة روحها العراقية، وكرم ذاكرة ثمانينية حاذقة أمطرتنا بغزارة معلومات تاريخية كانت غائبة وquot;مغيبةquot; عن وجدان الكثيرين. فما وثـَّقه د. سامي خلال سرده العذب، بشريط سينمائي وثائقي صوّر لنا فيه، أحداثاً وحكايات متنوعة بدأها منذ ولادته في سوق حنون وازقتها الضيفة، مرورا بملاعب صباه في البتاويين، ودراسته الابتدائية والثانوية، ثم تهجريه القسري الى إسرائيل، لحين إكماله الدكتوراه في لندن وتقاعده.. شريط ذكريات حافل بحكايات مرحة في حلوها ومرّها، صوّر سامي فيه تفاصيل دقيقة لرحلة عذابات أهليه يهود العراق، مفصلا ما تعرضوا له من جور وتهجير وقتل واغتصاب وquot;فرهود1941quot;.
بلغة شعبية بسيطة متهكمة أحياناً، قدم لنا خلالها، لوحات وحكايات احتوت المشهد السياسي والاجتماعي العراقي في تلك الحقبة المثيرة والمدهشة والمضطربة من تأسيس دولتنا العراقية. مركزاً على تجسيم منمنمات حياة يهود العراق في أفراحهم ووأتراحهم، مؤكدا على دورهم الريادي في تأسيس أول لبنات مجتمعنا المدني لتاسيس دولة عراقية حديثة..
خلال سرد ممتع وبسخاء ذاكرة ثاقبة ساخرة في اكثر احيانها، وثـّق وأرّخ موريه، نتاج وأعمال ومساهمات ثقافية وفنية وسياسية لأسماء و أعلام رواد الحداثة العراقية من يهود العراق النجباء. خلال 53 حلقة من شجونه وذكرياته، عرض لنا سامي بشكل سلس تفاصيل عن دور يهود العراق الريادي في نهضة العلوم والثقافة والصحافة والأدب والفن والموسيقى العراقية.. تفاصيل ظلـّت بفعل تشوهات التاريخ وتسييس الحياة والدين، بقت مُغيّبة عن الكثير من أبناءنا حد الآن. وكأكاديمي، لم يُغفِل في توثيقه، دور طليعة مناضلي اليسار اليهودي الذين صعد منهم المشانق من اجل حرية العراق وسعادة وتحرر شعبه من الاستعمار والعبودية والظلم والتخلف.
ذكريات سامي موريه، جهد أكاديمي موسوعي تاريخي رائع وخلاق، جهد لخصه سامي في 53 حلقة من خزين ذاكرة غنية ثاقبة حافلة بالشواهد والعناوين والأسماء.. يكفي أن أشير الى أن 33 صفحة من كتابه، خصصت لفهرسة الأعلام التي وردت فيه. وهذا الكََم من الأعلام برأيي لوحده، يغري أي مثقف وقارئ للتمتع بقراءته أو استخدامه كمرجع تاريخي لأهم أحداث تلك الحقبة المضيئة والمضطربة من تاريخ عراقنا الحديث..
عالم موريه الاكاديمي الزاخر بالمؤتمرات العلمية والثقافية والادبية، هو من السعة لا يستطع واحد مثلي غير متخصص أن يغطيه بمقال يحيط بمفرداته المتشعبة، لذا فمقالتي المختارة كتقديم للكتاب،، غاصت في ذكريات واحزان وشجون موريه، جانبها الوجداني والإنساني المثير، وتاهت في ذالك السرد الشعبي المشبع بعراقية أصيلة ندية، أعادت لي وانا في غربتي، ومضات وبخات منعشة من طراوة ذاكرة زمن الخير، زمن لمَّ كل الأحبة والأصحاب ومن طوائف العراق المتآخية كافة، في أواصر من المحبة والخير والسلام.
quot;بغداد حبيبتي..يهود العراق ذكريات وشجونquot; كتاب بـ424 صفحة من القطع المتوسط..
إهداء الكتاب قـُدمَ بحب عراقي هو كل ما يملكه سامي: quot; الى اخواتي واخواني العراقيين في كل مكان quot; مع قصيدة وجدانية حزينة بعنوان quot; فالت لي أميquot;.. بعدها يأتي التعريف بالمؤلف وهو حوار أجراه معه د. سمير الحاج المحامي.. ثم يأتي التقديم وهو كما أسلفت: نص مقالتي في الحوار المتمدن، يتبعه 53 فصل من المذكرات والشجون.. وحوت الخاتمة على شكر المؤلف للشاعر عبد القادر الجنابي على حثه المتواصل وعلى تحفيزه لكتابة هذه المذكرات ونجاحها. واحتوى الكتاب على قوائم وكشوفات لا تحصى من مؤلفات وكتابات البروفيسور سامي باللغات الثلاث التي يكتب بها -الانكليزية والعربية والعبرية-.. وترجمات لبعض من مؤلفاته الى الألمانية والفنلندية، مع كشف بإصدارات رابطة الجامعين اليهود النازحين من العراق التي أسسها ويرأسها الدكتور سامي نفسه.. في الخاتمة فهرس الأعلام من(33) صفحة.. زُيّن الكاتب بصور للمؤلف ولعائلته وأصدقائه وصور عن لقاءاته بشخصيات أدبية واجتماعية وسياسية عالمية معروفة. غلاف الكتاب تصدرته نافورة ماء بيت صباه في البتاويين، كما تخيلها ورسمها أخ المؤلف المقيم في باريس.
قبل الختام، أشارك أستاذي الفاضل سامي موريه دعواته وأمانيه الطيبة النبيلة التي جاءت في quot;الرؤيا المباركةquot; آملين معاً أن يعم السلام والآمان عالمنا المضطرب، وتنعم شعوبنا بالحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية.وتسود المحبة والتآخي الإنساني بين الأديان وشعوب المنطقة و العالم اجمع.. مفتاحنا في ذلك، هو احترام رأي وحق الانسان الآخر بالحياة والامان. فهو quot;ان لم يكن اخانا في الدين فهو شريكنا بالخلق quot; -الإمام علي (ع) - متفائلين بحكمته، مراهنين على مشتركاتنا الدينية - المُغيبة - التي لا تحصى! وتاريخنا الإنساني والأخلاقي والثقافي المشترك. وهي كافية لصنع سلام عادل وشامل.

ختاماً، ستبقى كرامات نبينا الكريم محمد (ص) تواصل سحرها السماوي الشافي في حفظ وسلامة النبيل العراقي سامي، وسيبقى صوت نبينا الملائكي المهيب، يردد في مسامع كل الطيبين(*):

- quot; انت سامي اليهودي quot;
.. نعم
quot;خدمت أمتي، فأنت في رعايتي وذمتي، لا تخشَ شيئا !quot;.
وهل تـُغفل الحقائق عن كرامات نبي عظيم..؟ نعم هي حقيقة ناصعة، فقد كرس البروفيسور شموئيل سامي موريه معظم سنيي حياته في خدمة الحضارة والأدب العربي والإسلامي..

(*) ndash; من quot; الرؤيا المباركةquot; الحلقة 53 من الذكريات

هولندا
[email protected]