خرجت مجموعة صغيرة من أتباع اليمين المتطرف في مدينتنا تطالب بالتشدد في سياسة الهجرة وتدعو لأفكار عنصرية ضد الأجانب بعد حادثة أعتداء لستة من المراهقين من أصول أجنبية على رجل مسن، فقد ضربوه بشدة وهو إلى الآن مازال يرقد في المستشفى. لقد كان هذا الجانب السيئ من القصة أما جانبها الأيجابي فهو خروج مظاهرة مضادة للعنصرية بالضد من المظاهرة الأولى وبعشرة أضعاف العدد من أتباع اليمين المتطرف مما تطلب التدخل من قبل الشرطة لحماية اليمينيين المتطرفين كي لايصاب أحدهم على قلتهم.
لقد قطعت المجتمعات الأوربية شوطا ً لابأس به في محاربة العنصرية، على الأقل في سن القوانين التي تحارب الأفكار العنصرية أو تلك التي تدعو للتميز بين البشر. لم يأت هذا من فراغ بل أن تلك الشعوب عانت ماعانت من الأفكار العنصرية حيث دخلت في حروب خسرت فيها الكثير وتصفيات تمت على أسس عرقية ودينية ومذهبية ومناطقية مما دعا السياسيين والمثقفين لرفع مستوى الوعي ضد الأفكار العنصرية ومن نتائجه هو عدم السماح لليمين المتطرف للوصول إلى مراكز القرار في الكثير من الدول والتقييد على سياساته من خلال القوانين المشرعة أو العمل المضاد للأفكار العنصرية من قبل الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني.
لقد تعلمت شعوب كثيرة في العالم كيف تحد من النظرة والتعامل العنصري لأنها تستفيد من تجاربها المؤلمة، أما نحن، فلايبدو بأن الألم الذي عشناه من التمييز العنصري قد فادنا بشيئ سوى تكرار المزيد من الألم. لقد كانت تصريحات الشيخ عباس المحمداوي، ضد الكرد، من الخطورة ما يدعو إلى أن يقف كل السياسيين، بغض النظر عن إنتماءاتهم وإتجاهاتهم الأيدلوجية، وقفة واحدة للحد دون ظهور أي نفس يدعو إلى العنصرية فضلا ً عن أن يدعو للحقد والكراهية والإرهاب. لقد صرح الشيخ عباس المحمداوي، أمين عام ائتلاف أبناء العراق الغيارى، بمطالبته الكرد بمغادرة العاصمة بغداد وجميع الأراضي العربية، داعياً إلى جعل دخولهم إلى تلك الأراضي بفيزا، فيما أكد أن على الكرد احترام من جعل لهم قيمة وهيبة، وعلى أن يعامل الكرد في بغداد كما يعامل العربي في إقليم كردستان.
لا أريد أن أناقش الموضوع من وجهة نظر قانونية، فظاهرة تجاوز القانون أصبحت على حد قول المثل الشعبي المتداول (كل واحد ياخذ حقة بأيدة) كظاهرة طبيعية في عراق ما بعد السقوط، وكأن سياسيي العراق قد توارثوها من حقبة النظام السابق. والحق يقال، أن ثقافة إحترام القانون في العراق متدنية بشكل كبير، حتى عند السياسيين الذين يفرون من وجه العدالة، أو من لديهم ميليشيات تعمل خارج إطار القانون. أن الثقافة الدينية وإندماجها مع الروح العشائرية صارت تحول دون العبور إلى فكرة الدولة العصرية التي يحترم فيها القانون. هذا موضوع يطول شرحه وربما بحاجة لمقال كامل لمناقشته ولكن، للموضوع شكل آخر وهو أكثر خطورة.
أولا ً، لابد أن نفرق بين الكرد، كمواطنين أصلاء وليس كما يحلو للبعض معاملتهم وكأنهم مواطنون من الدرجة الثانية، وبين السياسيين الكرد ومواقفهم المرتبطة بمصالح حزبية وفئوية وحتى شخصية. فالمواطن الكردي العادي حاله حال أي مواطن عربي أو تركماني أو أي فرد من قومية أخرى، إذ ليس له علاقة بمايقوله السياسي الكردي بشكل من الأشكال. وعلى هذا الأساس، لايمكن لأحد بتهديد أي مواطن بإعتباره من قومية مختلفه، فهذه العنصرية بعينها. أن هذا يفتح الباب أما تصنيفات قومية ومذهبية ومناطقية ستؤدي حتما ً لحرب أبادة عرقية ودينية إذا لم يتم ردعها في الوقت المناسب. فالعراق عراق بأبنائه من جميع قومياته ومناطقه وأديانه وطوائفه المتعددة.
ثانيا ً، قد يقول البعض أن الأكراد هم من أختاروا سياسيهم وعليهم تحمل مواقف أولئك السياسيين. نعم، يمكن ذلك ولكن ليس على حساب حق المواطنة الذي لايخضع بأي شكل من الأشكال لمساومات سياسية من هذا الطرف وذاك. أما ثالثا ً فقد يقول البعض أن الكرد أصحاب نزعة إنفصالية ولابد من معاملتهم على هذا الأساس. من هنا لابد من الأشارة أن ليس الكرد وحدهم من يفكر في ذلك ولا ألوم أحد منهم أن فكر في ذلك بعد ماعانوه من حكومات المركز منذ عقود، والتي لم تشعرهم في يوم من الأيام بأنهم مواطنون من الدرجة الأولى، وإن كنت لا أتفق مع هذه الأفكار لأيماني الشديد أن ذلك ليس في مصلحة الكرد أنفسهم. لابد أن نفرق أيضا ً بين ما يعرفه وما يتصوره الكرد عن العراق كوطن، فالعراق كوطن لطالما أرتبط بفكرة القومية العربية ذات الأبعاد الشوفينية وهذا ما لاينسجم معه الكردي، أو أرتباط الوطن بفرد دكتاتور يملي على الشعب أوامره الأبوية فهذا أيضا ً ما لاينسجم معه الكردي والعربي أيضا ً. فكم أعرف من العرب أكثر من الكرد ممن لايطيق كلمة وطن لأنه لم يجد بذلك الوطن الحضن الدافء والأمن والأمان فتراه يفر بأول فرصة يستطيع فيها الفرار من هذا الوطن. هذا لايعني بأي حال من الأحوال بأنه لايحب الوطن، أو بأنه إنسان خائن لوطنه، بل هو لايحب الوطن الذي يسرق منه حقه كأنسان يتمتع بالحرية والكرامة، ذلك الوطن الذي أختزله البعض بأيدلوجية أو حزب أو عشيرة أو فرد. فأصدق تعبير عن ذلك ينطق به مطرب شعبي عراقي من الهواة، أسمه جمعة العتاك، وهو يغني معاتبا ً الوطن الذي عانى بسببه الكثير: وطنة ياوطنة يا أحلة وطن، صبرا ً ياوطن كل شده وتهون، صبرا ً ياوطن ترة آنه مظلوم،،،صبرا ً ياوطن يابو الحضارات، صبرا ً ياوطن بالبيت مانبات.
أن الوطن الذي ينشده كل أنسان، ومنهم جمعة العتاك، هو تلك الأرض الطيبة التي تحتضن كل أبنائها، بغض النظر عن إنتماءاتهم القومية والعرقية والدينية والمناطقية. وطن لايصادره أحد بأسم الدين أو العروبة أو الطائفة أو القومية أو يصادره فرد واحد يسجله في دائرة الطابو حكرا ً له ولأبناء عشيرته حتى الدرجة العاشرة. أن الوطن الذي ننشده هو وطن ديمقراطي تقوم المواطنة فيه على أساس الحقوق والواجبات وروح المشاركة بين الكل. أن هذا الوطن سوف لن يفر منه العربي أو ينصحك بتركه أو يحثك بعدم العودة أليه، وسوف لن ينكره الكردي مادام يعيش حاله كحال أي مواطن حر آخر بنفس الدرجة من الحقوق والواجبات وروح المشاركة، وطن تٌحترم فيه ثقافته ولغته ووجوده. أما تصريحات السياسيون الكرد فهي تعبر عن وطن للكرد في أذهانهم لايختلف كثيرا ً عن النسخة العربية أو النسخة الدكتاتورية المرتبطة بالفرد.
أن أفكار كالتي أطلقها الشيخ المحمداوي تؤسس لوطن لايختلف عن وطن صدام حسين وسيكون الشيخ المحمداوي من أول ضحاياه قبل الكرد. ولماذا نذهب بعيدا ً فهناك من يرى الوطن على أنه عربي سني بحت لابد من طرد الشيعة بإعتبارهم من الصفويين. فهذه أجندة تنظيم القاعدة وهم مستعدون على الدوام بشن حرب طائفية من أهدافها الشيخ المحمداوي وطائفته.
أذن، على السياسين العراقيين أو المسؤولين من منظمات المجتمع المدني أدانة ماصرح به المحمداوي، بل رفع دعوى قضائية لقطع الطريق على أي أفكار تدعو للعنصرية والكراهية والأرهاب. فالعراق ليس وطن المحمداوي وحده ليطرد من يشاء منه، بل العراق وطن الجميع والكرد فيه مواطنون أصلاء حالهم حال أي مواطن آخر.
[email protected]
- آخر تحديث :
التعليقات