التاسع من نيسان عام 2003. تاريخ من الصعب على العرب والعراقيين خصوصا نسيانه. فهو التاريخ الذي سقطت فيه إحدى أهم العواصم العربية (بغداد).
لكن ما يميز يميز الذكرى هذا العام، هو حلولها على العراقيين بدون احتلال وبدون عسكر غرباء. فالمفاضلة بين الاستعمار والديكتاتورية هي مفاضلة خَبِر العراقيون على مدار السنوات الماضية مرارتها.
رحل الأميركيون عن بلاد الرافدين، رحلوا طوعا أو كرها لا فرق، فذاك جدل بات من نافلة القول. بيد أن التساؤلات تدور حول جدوى الانسحاب، وحول المكاسب والإنجازات التي حققها العراقيون بعد مرور عدة أشهر على جلاء القوات الأميركية. ومن الممكن أن نجمل الإنجازات بالآتي:
1-نجاح العراق في استضافة القمة العربية، أعاد له بعضا من دوره الإقليمي والدولي، ونجحت بغداد في وصل ما انقطع بينها وبين العمق العربي.
2-ساهمت الحكومة العراقية من خلال المبادرة التي سوقتها في الدفع نحو الحل السياسي للأزمة في سوريا، وربما كان لهذا الحراك الذي كان على رأسه النائب العراقي عزت الشهبندر دور كبير في التمهيد لمهمة المبعوث الدولي في سوريا كوفي أنان. فالبنود التي سوقها الجانب العراقي هي البنود عينها تقريبا التي تتضمنتها خطة أنان.
3-ميدانيا، سجلت التقارير الحكومية أن عدد القتلى العراقيين الشهر الماضي هو الأدنى منذ الاجتياح الأميركي عام 2003. غير أن البعض يعيد ذلك إلى الوضع الاستثنائي للعراق الشهر الماضي، إذ تحولت بغداد إلى ما يشبه ثكنة عسكرية لحماية الزائرين الوافدين للمشاركة في القمة العربية.
وفي مقابل هذه الإنجازات تبرز تحديات كبيرة أمام العراقيين، لا سيما وأن الأزمات السياسية ازدادت حدتها بعد رحيل المستعمر الأميركي. أما أبرز هذه التحديات، فهي:
1- تحقيق المصالحة الوطنية وإرساء شراكة حقيقية بين الأحزاب السياسية، والابتعاد عن السياسة الكيدية وإقصاء الآخرين. ويبدو أن تحقيق هذا الهدف في الوقت الراهن صعب المنال، خصوصا بعد التطور الذي طرأ على قضية طارق الهاشمي نائب الرئيس العراقي. فالهاشمي المطلوب للقضاء في بغداد، استقبلته كل من دولة قطر والسعودية بصفته نائبا للرئيس، في سعي منهما لتدويل ملفه، وإرسال عدد من الرسائل إلى الحكومة العراقية برئاسة نوري المالكي. إضافة إلى هذا الملف فإن الخلافات والتجاذبات بين الكتل العراقية أدت إلى تعطيل دور البرلمان، وإفقاد الحكومة قدرتها على إنجاز أي من المشاريع.
2-مكافحة الفساد المستشري في الوزارات والمرافق العامة، فالعراق حقق أرقاما قياسية على مستوى العالم في حجم الفساد وسوء الإدارة، ولم يسبقه في هذا المجال سوى الصومال.
3-خطر التقسيم على الأمة العراقية والمنطقة، وما فيه من فتح واسع لباب التدخلات الأجنبية. فالأكراد ما فتئوا يطالبون بالانفصال. وقد باتت الظروف مهيأة والمؤشرات موجودة بعد استكمال كردستان المقومات الذاتية لبناء الدولة، ونضوج الظروف الإقليمية والدولية إلى حد ما في دعم هذا التوجه. وفي هذا السياق تأتي زيارة مسعود بارزاني رئيس اقليم كردستان الى الولايات المتحدة الأمريكية التي يلتقي فيها كبار المسؤولين الأميركيين وعلى رأسهم الرئيس باراك أوباما.
4-شبح الحرب الأهلية، حيث تتواصل التفجيرات الطائفية. فتعدد طوائف العراق وأعراقه، جعل منه ساحة خصبة للتجاذبات الخارجية. كما أن توتر الوضع الطائفي في سوريا قد يساهم في تأجيج الوضع في العراق.
5-كتابة الدستور والاتفاق على التعديلات. فالخلاف بشأنها ما زال قائما منذ العام 2005. حيث تتركز هذه التعديلات حول النفط والغاز، وحول المادة 140 المتعلقة بالاستفتاء على المناطق المتنازع على ضمها للإقليم الكردي (كركوك وديالى وصلاح الدين ونينوى).
6-حل المشاكل الدبلوماسية مع الدول المجاورة، والنأي بالنفس عن التجاذبات الإقليمية، للتفرغ للنهوض بالعراق وحل القضايا الاجتماعية ومنع الاقتصاد من التدهور.
تحديات كبيرة تواجه العراقيين، تحول دون تجاوز عقباتها عراقيل كثيرة داخلية وإقليمية ودولية. أمام هذا الواقع، فإن من الصعب الحديث عن إمكانية تحقيق إنجازات حقيقية مرتقبة، في ظل التداخلات والتعقيدات الموجودة. كل عام والعراقيون بخير بدون احتلال. ونأمل في العام المقبل في مثل هذا التاريخ، أن نقول للعراقيين: كل عام وأنتم بخير بدون احتلال وبدون نزاعات طائفية وبدون تقسيم.
bull;كاتب ومحلل سياسي
التعليقات