تتوالى الأخبار من مصر وتتعاقب المفاجآت في مسيرة قطار الإنتخابات، الشائعات تملأ الأجواء والناس حيارى، كل يوم هم في شأن، الأسماء كثيرة والأخبار متضاربة ولا أحد يعلم إلى أين تسير الأمور.
كل هذا التشويش على المواطن العادي طبيعي ومخطط له لكي تختلط الأمور ولا يستطيع أحد أن يفكر بتعقل وأن ينظر إلى ما وراء الخبر. هذا سيقود إلى نوع من التفكير النمطي عند معظم الناس يلجؤون في نهايته إلى اختيار ما يعرفون، تحت شعار من تعرفه خير ممن تتعرف إليه. وهذا تماما هو المراد في هذه الإنتخابات. فالذين حسبوا النسب والأصوات والناخبين يعرفون أنه في عدم وجود برامج وعدم وجود تنافس إنتخابي حقيقي على الهدف وليس على الشخص سينجح من تنتخبه الدهماء والتي تشكل 80-85% من مجموع الناخبين، هؤلاء الدهماء هم الذين سيقررون تحت الشعار السابق. بالمناسبة الناخب المصري مدعو لانتخاب رئيس لا يعلم أحد ماهي صلاحياته، لأن صلاحيات الرئيس ونوع الحكم في مصر سيحددان لاحقاً في الدستور الجديد!
ما هو دور الإخوان في هذه اللعبة؟ وماذا يفعلون؟ ولماذا يتصرفون بهذه الطريقة التي جرت عليهم الكثير من الانتقادات؟
لفهم هذا الموضوع يجب أن نعود بأذهاننا إلى بداية انطلاق الثورات العربية أو الربيع العربي. تونس كانت نقطة البداية، هنا يجب أن نعترف أن المفاجأة كانت مذهلة للجميع شرقا وغربا وعُرُبا. تنكر الغرب للثورة وحاربها في البداية ودعم ابن على، إلى أن تبين أن هذه المرة مختلفة تماما، فجأة إنقلب الوضع بعد هروب بن على وصار الكل مع الديمقراطية والحرية ولبس الغرب وجهه الآخر.
عندما بدأت الثورة في مصر كانت الهيئات المسؤولة عن الدراسات الإستراتيجية قد أخذت أهبتها: دراسة للوضع الميداني ودراسة للقوى الموجودة على الأرض، دراسة للمستقبل، دراسات عن وضع إسرائيل ومستقبلها، كل هذه الدراسات وضعت على عجل، واتُخذ القرار: قرار التخلي عن مبارك رغم حب الغرب وإسرائيل له، واستبداله بشكل من أشكال الحل التركي، لأن الحل التركي له مراحل متعددة ومستويات متعددة، ولا مجال هنا لمقارنة وضع تركيا الحالي واعتباره هو الحل التركي.
في حالة مصر الحل التركي هو المستوى الأول: حكم الإسلاميين تحت سيطرة العسكر.
quot;عندما سُئلت وزيرة سابقة للخارجية الأميركية: كيف تجرأتم على القيام بهذا التانغو مع الإسلاميين؟ أجابت: كنا أمام خيار من اثنين: إما أن نستمر في دعم حلفائنا الديكتاتوريين في الحكم، ما يؤدي الى غليان إسلامي متزايد صوب انزلاقات أكثر أصولية على الطريقة البنلادنية، مع توجيه حقد هذا الغليان ضدنا وضد اسرائيل بشكل خاص، وإما أن نأخذ المبادرة فنحاور القسم الأكثر اعتدالاً من هؤلاء، ونعدهم بالمساعدة على تسلم الحكم الآن. بعدها يصيرون هم في صراع مع أجنحتهم الأكثر تشدداً وتطرفاً، ونربح عقوداً إضافية من الأمان الاقتصادي والأمني في مناطقهم، في انتظار نتائج هذه التجربة الاحتكاكية الجديدة والمباشرة للإسلام مع الحداثة والديموقراطية. وبين الاحتمالين، كان ثمة عامل حسم لاعتماد الخيار الثاني والتخلي عن الأول، وهو النموذج التركي.quot;
هذا يعني أن يصل الإسلاميون إلى الحكم، وهنا بالتحديد الإخوان المسلمون، وتبقى السيطرة النهائية بيد العسكر، أي أن الإسلاميين يحق لهم أن يفعلوا ما يريدون ضمن الخطوط الحمراء التي يقدرها العسكر بإشراف أمريكا وإسرائيل، وقد تم تنحي مبارك واستلام المجلس العسكري فقط على هذا الأساس. (هل تذكرون متى عاد طنطاوي من أمريكا؟ هل تذكرون مرة خالف فيها الإخوان المجلس؟ هل سمعتم عن وفد الإخوان الذي زار أمريكا؟ وعن تطمينات لإسرائيل حول معاهدة السلام؟).
الإخوان بدورهم قرروا أن يقبلوا التحدي وأن يمارسوا الحكم بعد ثمانين عاماً من التغييب. لا يستطيع أحد هنا أن يقول إنها شهوة الحكم ولذته، أم أنها نداء الواجب وحمل الأمانة أم أنها مزيج من هذا وذاك، فهذا كله في علم الغيب والضمائر مما لا سبيل لمعرفته واكتشافه، إنما أمره إلى الله. ونحن هنا لا يهمنا هذا إطلاقاً وإنما يهمنا ما هي نتائج هذه اللعبة وهذا القرار؟
خروج أبي الفتوح من الصف وترشحه للرئاسة دون موافقة الجماعة كان ضربة للجماعة، وطرد أبي الفتوح لم يكن سببه رفض الجماعة للترشيح كمبدأ ولكنه بسبب خلافات أعمق من هذا حتما. فلماذا تخسر الجماعة رجلاً مثل أبي الفتوح وبقوته من أجل قرار كان سيتخذ بعد وقت قريب؟ ومن يقل إن الجماعة لم تكن قد قررت هذا الأمر عندما خرج أبو الفتوح واهم جداً، فهم كانوا يعرفون ماذا يفعلون ومتى سيفعلون تماماً وبالتنسيق مع المجلس العسكري. ومن يظن أن غضب الجماعة كان بسبب خروج أبي الفتوح عن قراراتها واهم أيضاً. في الحقيقة أن الجماعة كانت تنتظر تنحية أبي إسماعيل بطريقة ما لتتقدم بمرشحها الذي سيكون له الحظ الأكبر في الفوز، لأن كسب السلفيين لصالح الشاطر أو أي مرشح للإخوان أسهل من كسب أي فريق آخر خاصة أن شعار حملة ابي إسماعيل هو نفس شعار الشاطر: تطبيق الشريعة الإسلامية، (قد يكون لنا عودة لمناقشة هذا الشعار).
المجلس العسكري، ومن ورائه أميركا وإسرائيل، يعلم تماماً أنه لاحظ لأي مرشح غير إسلامي في مصر، الإخوان يحاولون أن يكون مرشحهم هو الأوحد لذلك ساعدوا أو فرحوا بتنحية أبي إسماعيل, ولن يستطيع السلفيون أن يتفقوا على مرشح آخر رغم ما صدر من شائعات عن ترشح الأشعل باسم السلفيين. ترشيح محمد مرسي بدلاً للشاطر أو بقاء الشاطر لن يغير من الأمر شيئاً. وحتى دخول صفوت الحجازي اللعبة لن يؤثر كثيراً لأنه لا يتمتع بمثل شعبية أبي صلاح بين صفوف السلفيين، بل قد يكون مقبولاً من الإخوان أكثر منه لدى السلفيين، ولكنهم لن ينتخبوه لأن التزامهم الحزبي سيحول بينهم وبين ذلك، ولن يبقى في النهاية إلا أحد مرشحي الإخوان وهم الذين سيفوزون بمقعد الرئاسة.
إذاً حصل الإخوان على الأغلبية في البرلمان وسيشكلون الوزارة وسيكون الرئيس منهم وسيطرتهم على القضاء توضحت في معركة لجنة صياغة الدستور، هذا يعني أنهم سيستلمون الحكم بجميع أشكاله لوحدهم، وأعتقد أن هذا كان طلبهم منذ البداية أو شرطهم لأنهم يريدون أن يختبروا أنفسهم ويخوضوا هذا التحدي، مع علمهم بوجود الأخ الأكبر أمريكا والمجلس العسكري ولكنهم سيغامرون بكل شيء طمعاً في أن يظهروا للعالم، وللمصريين أولاً، إمكانياتهم في مجال الحكم.
المشكلة أن التحدي كبير جداً ونحن نتمنى لهم النجاح فيه ولكننا لا نؤمن بهذا النجاح ولا بهذا الأسلوب ولا بهذه الطريقة، الخلاف بين أجنحة الإخوان وخاصة بين الشباب والجيل القديم سينهك الإخوان. التحول من العمل الخيري والاجتماعي إلى العمل السياسي أمر خطير جداً وصعب جداً، ومؤسسات الدولة تختلف تماماً عن المؤسسات الاجتماعية التي كان الإخوان يديرونها. الشعارات المطروحة لدغدغة عواطف الناخبين لن تطعم الشعب فيما بعد ولن تلبسه ولن تعلمه ولن تستطيع أن ترفع من مستواه على جميع الأصعدة. العلاقات الدولية مع وجود المجلس العسكري ستسبب لهم صداعاً لن ينتهي. إيجاد التوازن بين كل هذه الأمور معضلة تبدو شبه مستحيلة الحل.
كنا نتمنى لو سلك الإخوان في مصر سلوك النهضة في تونس، أي تقاسم الحكم مع الآخرين، أو حتى كنا نتمنى بقاءهم في المعارضة بدل استلام الحكم، والانتظار لمدة خمس سنوات أو أربع لحين الانتخابات القادمة ليترقبوا ويشاركوا عن بعد دون تحمل المسؤولية. إن عملية بناء الدولة في مصر سوف تبدأ من الصفر، فقد دمر النظام السابق مصر حتى العظم، والمخاطر الخارجية كبيرة، ولا بد من تعاون جميع قوى الشعب على إعادة البناء، والوصول إلى الحكم بهذه الطريقة الاستفزازية لن يكسب الإخوان إلا المزيد من الأعداء والمزيد من المترقبين الذين ينتظرون سقوطهم ليشمتوا بهم. ولكن كما قلنا في البداية ربما كان التحدي براقاً جداً أو ربما كان لمعان السلطة براقاً جداً.
التوهم بأن الإسلام هو الحل وأن تطبيق الشريعة الإسلامية سيكون بمثابة مصباح علاء الدين السحري بحيث نتحول مباشرة إلى عصر الخلافة الراشدة إذا رفعنا هذا الشعار، كلام لا يقول به عاقل، ربما يصلح لكسب أصوات الناخبين الذين لا يعرفون حتى معنى كلمة الشريعة، (التي ليس لها أي تعريف واضح في المراجع الإسلامية 1)، ولا يعلمون أن كلمة تطبيق أصلاً لم تُستعمل يوماً ما في لغة العرب بمعناها الحالي المقصود به: تنفيذ الأمر أو تحقيقه على أرض الواقع، ولكنها الحاجة أم الإختراع.
إن الأسئلة التي يطرحها شعار تطبيق الشريعة الإسلامية أكثر بآلاف المرات من الأجوبة التي سيقدمها من يطرح هذا الشعار، وهذا كلام سيكتشفه الناخب المصري بعد فترة لن تكون طويلة.
التعليقات