الخطاب المتلفز الأخير لنائب ماكان يسمى لرئيس مجلس قيادة الثورة في العراق أيام صدام حسين عزة إبراهيم الدوري والذي بث من على مواقع الإنترنت يوم السابع من نيسان في الذكرى السنوية الخامسة و الستين لتأسيس حزب البعث العربي الإشتراكي، كان بمثابة عودة إعلامية مفاجئة خطط لها بإتقان و تخطيط عميقين و بما يؤكد على فشل جهاز المخابرات العراقي الذريع والذي يقوده اليوم ضباط فاشلون من حزب الدعوة الحاكم على متابعة الشأن الداخلي وتقصي حقيقة النشاط البعثي المتغلغل حقيقة في شرايين الدولة العراقية ووفق تنسيق مخابراتي وسري عرف به البعثيون وتميزوا، تاريخيا وميدانيا فإن حزب البعث هو من الأحزاب الضليعة في العمل السري ويمتلك خبرة ميدانية ولوجستية هائلة في هذا المضمار بفضل شبكة العلاقات العشائرية و المصلحية ولطبيعة المجتمع العراقي المعتمدة على سياسة ( الوجهين ) في التعامل!

والبعث في العمل السري خير منه في العمل العلني حيث تبرز الفوضوية وقلة الكفاءة و التطرف في إبداء المواقف وبروز القيادات الفردية وظهور الإنشقاقات الحتمية، لقد عاد عزة إبراهيم الدوري بصورة الماضي السحيق وهو يرتدي حلة ( الفيلد مارشال ) التي ورثها عن سابقه ( صدام حسين ) وهي رتبة عسكرية رفيعة ونادرة في جيوش العالم حولها البعثيون لمهزلة حقيقية ولنكتة سوداء في تاريخ العسكرية الدولية، فلم يكتفوا برتبة الجنرال بل تعدوه للمارشال رغم أن خلفياتهم العسكرية لاتسمح أصلا بأكثر من رتبة نائب عريف ومتقاعد لأسباب صحية أيضا!! لم يتعظوا من هزائمهم الكارثية ومازالوا مصرين على تطبيق النظرية البسماركية المتعفنة وإستحضار جثث الماضي في معالجة مشاكل الحاضر وهي معضلة عراقية شاملة يشترك الجميع في إدارة ملفاتها المتشابكة، لقد عاد عزة الدوري للواجهة بعد غياب طويل عن المشهد الإعلامي وفي خضم أزمة وطنية وسياسية عراقية صعبة للغاية وصراعات بين القوى السياسية وفشل مريع في إدارة الدولة العراقية ومع رياح الحروب الأهلية وعودة التوتر مع الحركة الكردية في الشمال ومع مطالبات الفيدرالية الطائفية أو التقسيم الطائفي ومع ظهور ميليشيات علنية مدعومة ومجهزة إيرانيا لحزب الدعوة تدعو للتطهير العرقي وطرد الأكراد من بغداد وفقا للشعارات العنصرية لأحد الرموز الإيرانية المدعو ( المحمداوي )!!

وبصراحة واضحة فإن الفشل العراقي السلطوي قد وصل للنخاع وبات يهدد علنا بقرب إنطلاق ساعة تقسيم العراق! وهو ما سيبدو أنه سيحدث في نهاية المطاف مالم تتم تطورات ميدانية جذرية على الأرض تعيد صياغة المشهد العراقي المتشظي، العراق تحت قيادة المالكي وحزب الدعوة يتجه لكارثة محققة لاخلاص منها إلا بإعادة صياغة جديدة للعملية السياسية الفاشلة والعجفاء مع إنقضاء شهر العسل الطويل بين التحالف الكردي والتحالف الشيعي وهو تحالف أملته المصالح ونشط بسبب قوة التحالف الكردي على الأرض، واليوم وبعد التضارب في الرؤى و المصالح عادت جميع الأطراف لتحاول ترتيب أوضاعها في ظل فوضى عراقية شاملة وحالة فظيعة من الشقاق والنفاق و مساويء الإدارة والفشل في إختيار العناصر القيادية لحلحلة جذور الأزمة الوطنية الطاحنة، وفي ظل الإنهيار القريب والحتمي للنظام السوري وإنكسار ضلع مهم من ضلوع المثلث الإيراني في الشرق الأوسط، وهو تطور ستكون له نتائجه الميدانية المباشرة، عاد عزة الدوري بعد تسعة أعوام من المطاردة والأنباء غير الدقيقة عن وفاته أو إعتقاله أو إنتقاله لدول الجوار وجميعها تقارير مغلوطة وغير واقعية، فالرجل الذي كان محل للسخرية والتندر بين العراقيين وكان ضعيفا ولاحول له ولاقوة أيام صدام حسين وسطوته المرعبة تحول لأفضل رجل في النظام السابق يتقن فن البقاء وبشكل فشلت معه وفي القبض عليه كل الجهود الإستخبارية رغم المبلغ المغري لمن يقدم رأسه وهو 25 مليون دولار أمريكي!

ومع ذلك فهو يتحرك بخفة ورشاقة وهو يمارس تكتيك حرب العصابات إضافة لكونه محمي بشكل جيد من قبل شبكة من المخلصين له سواءا من جماعة ( النقشبندية ) الصوفية أو من خلال بقايا الجهاز السري لحزب البعث، لقد أثبت المستشار الإعلامي لرئيس الوزراء السيد علي الموسوي عن سذاجة هائلة في التفكير وعن سقم مريع في التحليل حينما علق على ظهور الدوري بقوله إنها رسالة من الإرهابيين لإعادة الثقة لصفوفهم!! ولكن السؤال هو أين كانت حكومتكم وإستخباراتكم عن مايحصل؟ رغم أن الموسوي وكدأب الرفاق الفاشلين في حزب الدعوة قد حاول الإيحاء بإن عزة الدوري ليس مقيما في العراق بل لربما في السعودية أو قطر!!! وهو إيحاء بائس وتحليل فاشل وسخيف أيضا، فعزة إبراهيم لم يغادر العراق مطلقا وهو يتنقل بين المدن العراقية بل أنه كان موجودا في مدينة البصرة وفي قضاء أبي الخصيب تحديدا أيام عمليات صولة الفرسان المالكية ضد الصدريين والعصابات البلطجية الأخرى في فبراير 2008 وتلك معلومة مؤكدة وليست إحتمال يلقى على عواهنه، وطبعا لن نعلق على خطاب الدوري الطويل والذي تجاوز الساعة بدقائق معدودات وما تضمنه من أفكار ورؤى لاتخرج عن السياق البعثي المعلوم والمعروف، ولكن الدلالات حول إعادة ظهور الدوري من مخبأه في هذه الفترة بالذات تظل مرتبطة بإنفجار الصراع الداخلي العراقي وإنفتاح صندوق العفاريت العراقي على إحتمالات مرعبة... وفي الفم ماء كثير.

[email protected]