وسط انتقادات واسعة مازال السيد طارق الهاشمي نائب رئيس الجمهورية العراقية يتحاور فضائياً وأعلامياً مع السلطة القضائية والتنفيذية والتشريعية العراقية في آن واحد بعد أن أخذت مسألة تورطه في دعم أعمال أرهابية نفذتها عناصر حمايته، بعداً أقليمياً جديداً. وقبل أي أختبار آخر وبعد أن سبّبَ الهاشمي بأختياره أحراج كتل كردية، بدأ بتحرك جديد والقيام بجولات مكوكية ( بأختياره أيضاً ) للألتقاء بوزراء خارجية دول عربية والأدلاء بتصريحات وتبادل وجهات النظر في الأوضاع المحلية والاقليميةquot; كما فعل في لقاءه مع الأمير سعود الفيصل مؤخراً. والرجل( وهو في غياب كامل عن بغداد ) مازال يرتكب الخطأ تلو الآخر في عملية تجريمه وأعتباره الشخصي لتهم الأرهاب قضية سياسية في تناوله الشخصي لها لتبرئة ذاته. ولعلَ خطأه الأول هو تنقله بين قادة ومسؤولي دول يوفرون له الملجأ الآمن ولكنهم لايمتلكون أدنى حقوق المرافعة القضائية للدفاع عن حقه ولايمسكون بمذكرات الأدانة أو البراءة بالدلائل والقرائن من التهم الموجهة له كما يمسك بها أعضاء هيئة المحكمة الخاصة في بغداد، وهم بتعاطفهم هذا يخالفون روح العدالة المتعارف عليها ثانياً، وهو أمر يثير الأستغراب والغضب ويسيئ الهاشمي (الذي شَغِل منصباً تشريفياً تم تعيينه فيه منذ ست سنوات) الى نفسه بأطلاع الأخرين على قضيته وأخذ أرائهم فيها، حيث بدا عليه التخبط والتوجس وعدم التمييز بين سلطة القانون وتنفيذ القانون والرسالة القضائية الموجهة له قانوناً والتي لابد وأنه أساء فهمها الى الآن. فما هو الأختبار التالي للهاشمي؟ وهل مكوثه في المملكة السعودية وهروبه أليها سيطوي صفحة من تاريخه السياسي كما طويت صفحة هروب الرئيس التونسي السابق زين العابدين المشينة؟

وحقيقة الأمر، أن أيّ من التصريحات التي أطلقها رفاقه في quot;العراقيةquot; لم تخدم قضيته أطلاقاً، فلن يحصل بهذا الأسلوب على باقات الزهور بتنقله بين مطارات أربيل والدوحة وجدة....ولن يحصل على جائزة نوبل للسلام بتعنته بعدم المثول أمام محكمة عراقية مع ممثلين حقوقيين للدفاع عنه و رد تهم الأرهاب الموجهة له.

ومما زاد الطين بلة وعَقّدَ التهم الموجهة للهاشمي ( التي أتضرع الى الله أن تكون ملفقة بحقه)، أن تُطرح القضية طرحاً بوجهها العنصري ( الهاشمي سني والمالكي المتربص به شيعي )، وهناك العديد من السنة والشيعة والأكراد والتركمان في السلطة يناشدون الهاشمي بالقدوم والأجابة على التهم بحضور هيئات رقابية مستقلة لاتستقي تعليماتها من المالكي، كما أن حكومة المالكي مطالبة بالقاء القبض وتفعيل القضاء لملاحقة مجموعات أخرى سنية وشيعية شاركت في أعمال الأرهاب منذ عام 2003 ولم تتم ملاحقتها قضائياً الى اليوم.) فما ينطبق على فلان ينطبق على علان !.

ما يثيره نواب ونائبات عراقيات في مجلس النواب العراقي من تصريحات وتفسير وتعليل يطمغ ويسيئ الى الهاشمي ويقلل من شأنه ومكانته الاجتماعية وموقفه في مواجهة القضاء والدفاع عن نفسه بدلاً من تعيين هيئة حقوقية تمثله علناً لأرجاع شأنه وكرامته وحقوقه المدنية وتبرئته من تهم الأرهاب.

فمن كتلة quot; القائمة العراقية quot; قامت النائبة عتاب الدوري بأرتجال تصريحات عاجلة لارابط قانوني لها، منها quot;أن الهاشمي سيعود لأربيل بعد انتهاء زيارته الى قطرquot; وإن quot; الهاشمي ما زال نائباً لرئيس الجمهورية ومن حقه أن يمارس صلاحياته لإجراء زيارات ومباحثات مع الدول العربية، إضافةً الى أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته، وأرتجالها القانوني الخاطئ (ولحد الآن لم يثبت تورط الهاشمي بارتكابه جرائم إرهابية). فيا سيدتي الكريمة، أيّ زيارات ومباحثات خولها له رئيس الجمهورية بأجراءها مع دول عربية؟ وكيف تريدين أثبات براءة أنسان من التهم بغياب المتهم عن ساحة القضاء؟ وهل تطلبين أماطة المحكمة والمدعي العام اللثام عن القضية والشهود والأدلة وأجراء المرافعات على صفحات الجرائد؟ أما كيفية توصلْ السيدة النائبة الى أصدار البراءة وهي أساساً من صلاحيات السلطة القضائية، فتلك مسألة شائكة وتقع مسؤولية فهمها حسب درجة ثقافتها وثقافة شركائها من نواب ونائبات المجلس.

وعلى عكس ماصرحت به النائبة الفاضلة فأن المصادر السعودية أعلنت ( أن نائب الرئيس العراقي طارق الهاشمي، المطلوب من قبل الحكومة العراقية بتهمة الإرهاب، سيبقى في السعودية في الوقت الراهن).

وللمعرفة العامة البسيطة الفهم والبعيدة عن الضغينة والعنصرية والتطرف والأجتهاد السياسي، فأن دول عديدة تقاوم وتحارب الأرهاب بشتى صوره، فالمملكة السعودية تُلاحق الأيدي الملطخة بدماء المسلمين مع أن عصابات القاعدة ومنظمة الشباب وأمراء الأمارات الأسلامية خرجوا من ساحات جهاد سنية المذهب، كذلك الأمر بالنسبة الى العصابات التي ترتكب الجرائم بأسم المذهب الشيعي حيثُ ينبغي أخضاعها وجلبها الى القضاء للمحاسبة دون تلكؤ أو مجاملة أو أرتجال تبريرات واهية قبل تقديمهم للعدالة بميزان دقيق يدعمه الضمير والدليل والقرينة والحجة القضائية. وينبغي المعرفة العامة أيضاً أن صدور مذكرات وأوامر ألقاء القبض من قبل القضاء على مسؤولين لأرتكابهم quot; جرائم سياسية quot; ويتبؤون مناصب سياسية هو أمر متعارف عليه. والجرائم السياسية جرائم جنائية من الدرجة الأولى في نظر القانون وقد تكون أخطر من الجرائم العادية الجنائية ويُحاسب عليها المتهم وفق أعراف ونصوص تستمد من دستور الدولة وقوانينها الوضعية، وقد تكون quot;الخيانة العظمى بحق الشعبquot; أحدى فقراتها أِن تم أِثباتها.


كاتب وباحث سياسي