النجف الاشرف عاصمة العالم الاسلامي الشيعي، العاصمة الروحية والفكرية وربما حتى السياسية في حدود ما للمسلمين الشيعة العرب وغير العرب، وسيكون من نافلة القول التفصيل باسباب ذلك، فالنجف للشيعة العرب وغير العرب كما هو الازهر للسنة العرب وغير العرب، وقد دخلت النجف التاريخ ليس عبر فكرها العميق فقط، بل كذلك عبر مواقف سياسية مفصلية في تاريخ العراق والعالم العربي والاسلامي، يكفي دورها في تشكيل الدولة العراقية، ودورها في التوسط بين الصفوية والعثمانية لايقاف نزيف الدم بين هاتين الدولتين حيث كا ن العراقيون بمختلف مذاهبهم وقوميا تهم ضحية الصراع العثماني الصفوي، و أخيرا دور النجف في وجوب كتا بة الدستور بايد عراقية بعد سقوط نظام صدام حسين.
النجف هذه اليوم تتعرض لمخاطر تهدد موقعها وتاريخها ودورها في المستقبل، فهي رغم كونها محط نظر العالم الفاعل والمؤثر في السياسة الدولية، إلاّ أنها تمر بوضع صعب للغاية، تُرى كيف؟
أولا : هناك موقفان اقليميان تجاه النجف، الاول ينحو الى الاستئثار بها بعد السيطرة عليها بشتى الوسائل، والثاني يسعى إلى اعدام حظها من الوجود وإنْ بمستو ما، ويبدو أن النجف لا تملك القدرة على موا جهة أي من الموقفين!
ثانيا : في احصائية لعدد ايام الدراسة الحوزية خلال سنة واحدة في النجف الاشرف تبين أنها لا تتجاوز الثلا ثة اشهر، وهذه كارثة علمية بحق هذه العاصمة الفكرية التي اتعبت الدنيا بفكرها وعلمها وابداعها، إن هذا الجدب الدرسي في النجف الاشرف يهدد مستواها الفكري، ويصادر منها الزعامة العلمية الاسلامية بشكل عام والاسلامية الشيعية بشكل خاص.
ثالثا : اتضح ان هناك موجة عارمة من مختلف الجنسيات تجتاح النجف هذه الايام، ويشير المهتمون بالشأن النجفي ا ن مصدر هذه الموجات من الصعب السيطرة عليها، ويتخوف النجفيون كما يقول المهتمون أنفسهم من هذه الموجات شبه الغازية، خاصة ذات اللسان غير العربي، كما يشير هؤلاء المهتمون الى سعي بعض هؤلاء للسيطرة بشكل وآخر على بعض المرافق الحيوية في عاصمة الفكر الديني وا لمذهبي العظيمة.
را بعا : هناك سعي حثيث لسحب البساط من النجف على صعيد التقليد الديني الشيعي،حيث من الواضح أن أكثر شيعة العالم يقلدون المرجعية النجفية، ولكن بدت في الايام الاخيرة جهود على مستوى حكومات وأنظمة واحزاب لحرف هذه الوجهة في التقليد، نقلها إلى خا رج العراق، وهناك دعوات علنية وصريحة في بعض الاحيان في هذا المجال، الأمر الذي لم يُعهد من قبل.
خامسا : سجل عدم الا لتزام براي المرجعية الدينية في بعض ا لقضا يا السياسية والا دارية في العراق ضربة موجعة للنجف الاشرف، وكا ن في مقدمتها قضية الا كتفاء بنائب واحد لرئيس الجمهورية، وقضية الاسرا ع بمنظومة الخدمات، وقضية استقلال القرار السياسي العراقي، وقضية الاسراع بمعالجة الاشكال الامني، إن مثل هذه المواقف من قبل بعض صناع القرار السياسي تجاه النجف خاصة من ذوي الانتماء المذهبي المشترك حجّم من قيمة النجف، وشرّع لحالة مزعجة ومؤذية، الا وهي تحدي المرجعية الدينية النجفية، لا اكتب هنا دفاعا عن النجف، وأ نما اكتب واصفا لوا قع لا أكثر ولا أقل.
سادسا : في هذا السياق يجب التطرق إلى مشروع النجف عاصمة الثقافة الاسلامية لسنة 2012، حيث فشل فشلا ذريعا، ورغم ان المرجعية النجفية حذرت من هذا الفشل، مشيرة الى الفساد المالي والاداري في المشروع، ولكن نتيجة الفشل سوف يحسب بشكل مقصود او غير مقصود سوف تكون من نصيب النجف وليس من نصيب القيمين على المشروع!
سابعا : ان النجف يمكن أن تتحول الى عاصمة او حاضرة عالمية، وقد كتب صاحب هذه السطور كراسا بعنوان (كيف نحول النجف الى حاضرة عالمية) باشراف ثلة من المثقفين يحملون عنوان شاب آل محمد، ورغم ان الكراس طُبع ووزع في النجف الاشراف ولكنه لم ينل حظه من الاهتمام من المسؤولين الدينين في النجف بقدر ما نال من مثقفي النجف، وهذا دليل آخر على أن النجف تمر بدورلا يتناسب مع تاريخها ومنزلتها الروحية والفكرية.
ان النجف عاصمة المسلمين الشيعة في العالم، وفي الوقت هي مفخرة العراق، وقد كانت وما زالت في خدمة العراق، وأي محاولة للتقليل من دورها بمثابة ضربة في صميم العراق، وفي صميم الوجود العربي.
الغريب أ ن بعض القوى السياسية العراقية المحسوبة على العراق تاريخا ونشا ة ودورا تساهم اليوم بشكل وآخر في ضرب النجف، وبالصميم!
ولكن أين هي النجف من التصدي لكل هذا؟
سؤال حقا يطرح نفسه، ولكن ليس من جواب!
هل جاء حقا تصفية النجف كونها عاصمة الفكر الاسلامي الشيعي على وجه الخوص عراقيا؟
هل جاء حقا تصفية النجف كونها عاصمة الروحانية الشيعية العربية وغير العربي؟
لقد قيل للسيد الخوئي رحمه الله عن سبب ا متناعه عن التصادم مع نظام صدام حسين، فاجاب كما ينقلون: أخاف ان يُقال أن النجف تأسست بجهد الشيخ ا لطوسي ولكنها تهدمت على زمن السيد الخوئي!
والكلام ما زال ذا مغزى...
أين عرب النجف مما يجري؟
وأين هي الاحزاب الاسلامية العراقية خاصة الشيعية منها مما يجري؟
- آخر تحديث :
التعليقات