كلام شا ئع هذه الايام بين كثير من الناس، وربما لدى كثير من المحللين السياسيين، مفاده ان الامريكان أغبياء، لا يقصدون بطبيعة الحال الشعب الامريكي، وإنما يخصون الحكومة الامريكية سواء كانت جمهورية أو ديمقرا طية، وفي السياق ينطبق الوصف على الاستخبارات الامريكية، ومستشارية الامن القومي، والشركات الكبيرة، والقوات الامريكية المسلحة، وكل أجندتها واجهزتها بما في ذلك مراكز البحوث والدراسات التي طالما تتعاقد مع الحكومات الامريكية او تشتغل رسميا في أروقة قرارها السياسي، لان القرار السياسي الامريكي خاصة فيما كان يتصل بمستقبل المصالح الامريكية والامن القومي الامريكي تشارك كل هذه المفاصل بصنعه وتنفيذه، وبعد قراءات عميقة لكل أو أغلب ما يمس القرار من قريب أو بعيد.
هذا الحكم يصا در الكثير من المعطيات التي لا تؤيده بل تعاكسه، فأمريكا مثلا هي القوة الاعظم عالميا لحد هذه اللحظة سواء اقتصاديا أو تكنولجيا او حضورا في العالم، فالقوة الامريكية في قلب القارة الاوربية وأطرافها، وهي المسؤولة عن رسم خارطة البلقان الاخيرة، وأمريكا هي التي ادخلت روسيا الى منظمة التجارة العالمية كي تنقلها من اقتصاد الدولة إلى اقتصاد السوق، وهي التي تربض بحضورها النووي في قلب اليابان، ولها اليد الطولى تقريبا في مجلس الامن، وتحاصر كوريا الشمالية، وقواعدها ما زالت في كوبا الاشتراكية العنيدة، وما زالت أمريكا اللاتينية حزامها الجنوبي ومجالها الحيوي بشكل عام، وهي القوة العسكرية والاقتصادية والامنية الحقيقية با لنسبة لما كانوا يسمونه بالكيان الصهيوني، ويقال هي التي وضعت خطط ضرب النمور السبعة، والأمثلة كثيرة وكثيرة للغاية...

فهل هذه الحقائق علامات غباء أم ذكاء؟
إذا كان أوباما غبيا في انسحابه من العراق، فهل كان بوش أيضا غبيا عندما قرر غزو العراق ياترى؟ وإذا كان الامريكان أغبياء في خلق حركة طا لبان للا طاحة بالحكم الشيوعي في افغانستان، فهل هي غبية أيضا عندما أطاحت بحكومة طالبان نفسها واستبدلتها بحكومة كرزاي التي تعاني من ضعف كبير وهشاشة بيِّنة؟ وإذا كان أوباما غبيا في انسحابه من العراق فهل هو غبي أيضا عندما قررت إدارته تدويل الازمة الليبية ومن ثم المساهمة جديا بإنهاء حكومة القذافي شخصا وموضوعا؟ وإذا كانت أمريكا غبية بالاعلان عن دعمها وإنْ اعلاميا لشيعة البحرين فهل هي غبية أيضا عندما قررت الدخول مع عبد الله صالح لمواجهة القاعدة، ثم تحالفت مع اخصامه للاطاحة به وطرده من البلاد؟ وإذا كانت امريكا غبية في مواقفها الحاسمة با لتحليل الاخير مع اسرائيل ضد الفلسطينيين فهل هي غبية أيضا في عدم التورط المباشر في الصراع القبلي في الصومال؟ وإذا كانت امريكا غبية في مطالبتها عسكر مصر باحترام الارادة الشعبية وضرورة التغيير فهل هي غبية أيضا بعدم تأ ييدها تدويل الازمة السورية الان، وفيما أقرت التدويل وهو محتمل فهل تكون قد ارتكبت غباء اشد؟ وهل حقا هي غبية في دعمها المطلق للمحكمة الدولية في لبنان حيث تتجاهل القوة الهائلة لحزب الله و امكاناته السياسية والاقتصادية؟ وأخيرا هل حقا هي غبية للغاية عندما قررت مواجهة المشروع الايراني دبلوماسيا وليس عسكريا؟
ولكن ما الذي دهى بوش الابن ولم يأخذ عبرة من غلطة بوش الاب، وما الذي دهى اوباما ولم يأخذ عبرة من غلطة بوش الابن، وأين هي مرا كز القرار الأمريكي الاستراتيجي، هل هناك تناسي أو تغافل عن كل هذه الاخطاء الاستراتيجية الكونية المثيرة للدهشة حقا؟ وهل حقا أن أمريكا قدمت خدمة للجمهورية الاسلامية في اسقاطها لنظام طالبان في أفغانستان ونظام صدام حسين في العراق؟ وفيما تقرر أمريكا مشروع الدرع الصاروخي في تركيا فهل هي سياسة غبية بل مشبّعة بالغباء؟ ويحار المرء كيف يفسر كون امريكا مازالت قطب العالم الاوحد تقريبا وهي ترتكب كل هذه الحماقات الشنيعة!
الغباء الا مريكي سوف يجعل كل نفط العراق في جيب ايران، وسوف يضع الجغرافية الممتدة من طهران الى بغداد الى دمشق إلى بيروت واستطرادا غزة فلسطين في نطاق الجغرافية الايرانية صرفا.
الغباء الامريكي سوف يخلق جغرافية شيعية متراصة بدأ من البحرين باتجاه الاحساء والقطيف، لتربك قلب الحضور السني في الخليج المتشكل بحكومة بحرينية سنية، ودولة سنية تعتبر ضمير سنة العالم العربي على أقل تقدير، والغباء الامريكي سوف يدفع ضريبة كثافة تواجده ودعمه اللامحدود لدولة قطر الصغيرة جدا جدا و اللاعب الاكبر جدا جدا في موجة الربيع العربي، الغباء الامريكي سوف يسمح لايران بانتاج قنبلتها النووية نظرا لتراخيه في التعامل مع المشروع النووي الايراني، وعندها لا تقوم لاسرائيل قائمة، بل ستركع كل دول الخليج لإيران، ومن ثم تخسر امريكا أكبر مصادر تزويدها بالنفط !
هل هذا معقول؟
والسؤال هو: من المسؤول عن هذا الغباء الامر يكي؟
الحكام، أم المؤسسات أم مراكز البحوث، أم الاستخبارات، أم الاحزاب، أم الشركات العابرة للقارات؟
هل هناك من يجا زف للقول بان أمريكا هي التي تريد هذه الفوضى بكل مفارقاتها ومشاكلها ومتاعبها؟
لا أدري؟
لست لاني يا ئس من كل شيء في هذه الحياة، بل لا ادري حقا