بداية ـ وإن كان ذلك مخالفا للعرف الصحفي ـ أؤكد بأني لست منتميا إلى الاسلام السياسي، وفيما أكتب في سياق البحث عن ممكنات قد تساهم في معالجة أخطر أزمة تمر بها الامة العربية الاسلامية، أقصد الاحتراب الطائفي البغيض، حيث هناك تحليلات تفيد أن هذا الاحتراب قد يتحول الى حرب لا سامح الله ولا قدر، وهي حرب لا تبقي ولا تذر، ومن هنا ينبغي طرح كل الابواب وطرح كل الممكنات التي تحول دون ذلك، او تساهم با لتخفيف، او حتى التأجيل!
حزبان اسلاميان عريقان، حزب الاخوان المسلمين (في مصر)، وحزب الدعوة الاسلامية (في العراق)، ورغم ما أصيب به حزب الدعوة الاسلامية من نكوص نسبي على مستوى الاشراقة بل وحتى المصداقية الخارجية، كذلك حزب الاخوان المسلمين بعد التورط بلعبة السلطة وملابساتها، وتغليب لغة السياسة على الدين والقيم... رغم كل ذلك، ما زال كل من الحزبين له الريادة ا لشعبية على صعيد الحضور الاسلامي الحركي والسياسي، في كل من العراق ومصر.
هل يمكن أن يتعاونا على حزمة مشاريع لمواجهة ما تمر به الامة العربية والاسلامية من مشاكل ومتاعب،وفي مقدمتها المسالة الطائفية؟
أكثر من مقترب يساعد على مثل هذا الاحتمال أو الإمكان، ففضلا عن العراقة، هناك علاقات جيدة بين بعض رجال وزعامات الحزبين كما يقول العارفون با لحزبين، كما أن كلا الحزبين لم تصدر عنه بادرة طائفية بامتياز، وأقول بامتياز كي لا اقع في حكم المطلق، كما أن كلا الحزبين دخل المعترك السياسي الفعلي، فحزب الدعوة يملك ناصية الحكم في العراق، و حزب الاخوان المسلمين يملك ناصية عالية في البرلمان المصري، ويخوض معركة رئاسة الحكومة في مصر، وكلاهما له علاقات باحزاب فرعية، دينية وغير دينية، وفكر كلا الحزبين يكاد ان يكون بعيدا عن أي توجه مذهبي صارخ كما نقرا في أدبيات الحزبين.
هل من صورة مقترحة لتعاون على هذا الطريق؟
وهل فكر كل من الحزبين بمثل هذا المشروع الحيوي والملح في هذه الايا م العصيبة؟
يبدو أن أقل ما يمكن أن يقال هنا، هو أن يعقد الحزبان مؤتمرا عاما بقيادتهما، وتتم الدعوة من خلال هذا المؤتمر الى أحزاب اخرى، بصرف النظر عن الهوية العقدية، وتكون مادة المؤتمر الاساسية هي مواجهة الفتنة الطائفية في العالم الاسلامي، والتنديد بالارهاب السلفي، والدعوة الى الاسلام الوسطي، ومواجهة موجة ا لتكفير المتبادل، وطرح مشروع التكافل الدفاعي بين السنة والشيعة الذي هو مشروع نادى به سماحة الفقيه حسين الصدر قبل أيام في احتفائية جماهيرية بمناسبة استشهاد المفكر الكبير محمد باقر الصدر.
هل هذا ممكن؟
يبدو إنه كذلك، ولكن هناك من يشكك بقدرة الحزبين على مثل هذا الانجاز، أولا لكون الفتنة الطائفية قد تجاوزت امكان اخمادها، وثانيا لان كلا الحزبين لا يملك قراره السيادي، وربما لا يعدو أن يكون أحد الا جندة بيد هذا النظام أو ذاك، وثالثا خلو الحزبين من قيادات شجاعة صارمة وفاعلة، ورابعا لان كل الحزبين غارق في معركة السلطة وترك هموم المسملين جانبا... هكذا يقولون...
هل هذا صحيح؟
لست أدري بطبيعة الحال، ولكن فيما لم يبادر كلا الحزبين إلى مثل هذا الانجاز وهو بسيط للغاية، فما هو المانع يا تُرى، وأي شيء ينتظران كي يقدما على مثل هذا الانجاز؟ وقبل ذلك، أي انجاز يمكن أن يقدماه معا على هذا الطريق الشريف الطيب؟ وهل كلا الحزبين عاجز حقا عن تفنيد مقتربات الذين يشككون بمصداقية كليهما؟
إن عقد مثل هذا المؤتمر، أو اللقاء بلغة أبسط ومقترب أسهل قد يضع لبنة وإن متوا ضعة على طريق معالجة الامتحان الخطير الذي تمر به هذه الامة المسكينة، وسوف لا يبقى اسلا م سني ولا اسلام شيعي فيما كانت هناك حرب طا ئفية آتية لا سامح الله، فهل تهز هذه الحقيقة ضمير القيادات في هذين الحزبين؟
مرة اخرى أقول لست من منتمي الاسلام السياسي، سواء كان بهوية شيعية او هوية سنية، بل اخاف منه على نفسي كما أخاف منه على غيري، ولكنَّ الضمير الحر يحتم على صا حبه أن يتشبث بالامل عبر كل ممكن وإنْ بَعُدْ.
- آخر تحديث :
التعليقات