تأجَّل لأكثر من مرّة مشروع المؤتمر / اللقاء الوطني العراقي من أجل حلحلة الازمة بين الافرقاء العراقيين في العملية السياسية، تصريحات متفائلة ما تبرح ان تنقضها تصريحات متشائمة، وبين التفاؤل و التشاؤم العراقيون يعدون الانفاس تلو الانفاس من أجل اتفاق وإن على حدود دنيا بين هؤلاء الافرقاء!
الغريب أن هناك اختلاف حول التسمية، وهناك اختلاف اعمق، حيث يشترط بعضهم أن يكون اتفاق اربيل هو المنطلق والمضمون، فيما يصر آخرون على أدراج قضية طارق الهاشمي وصالح المطلك في جدول اعمال المؤتمر / اللقاء، وفيما يتبادل الافرقاء الاتهمات المتبادلة حول سبب التأجيل والتعطيل، يعمل رئيس الجمهورية السيد جلال طالباني بكل وسعه لجمع الاطراف، ولكن دون جدوى، وليس من شك مما يزيد في مشاكل القضية وتعقيداتها الخلاف الحاد الذي نشب أخيرا بين السيد رئيس الوزراء نوري الما لكي والسيد مسعود برزاني رئيس أقليم كردستان، ويضيف مراقبون مهمتون با لشان العراقي ما سرِّب من خلاف حاد بين السيد رئيس الوزرا ء نوري المالكي ورئيس مجلس النواب العراقي اسامة النجيفي.
العارفون با لشان العراقي لا يوعزون هذه الصعوبات والتعقيدات التي تحول دون اجتماع أفرقاء العملية السياسية لخلافات شخصية بحتة بين رموز الساحة السياسية العراقية، بل يرون أن وراء ذلك أجندة خارجية، فالعراق ما زال ساحة صراع قوى أقليمية، ولكل قوة أجندتها المؤثرة في العملية السياسية حتى على مستوى ترسيم هيكلية الحكومة، بل حتى على مستوى مواقع حكومية دنيا! وفيما لا يقلل هؤلاء العارفون من أهمية ودور الحساسيات الشخصية بين هؤلاء قادة الكتل ورموزها، ولكنهم يوعزون السبب الجوهري إلى عدم سيادة القرار الصادر من هؤلاء القادة والرموز!
بصرف النظر عمّا يطرحه المهتمون بالشان العراقي وبهذه اللغة الصريحة، فإن الشارع العراقي يلمس بكل وضوح أن هناك خلا فا ت حا دة ليس بين الكتل ذاتها وحسب، بل داخل الكتلة العراقية الواحدة، فانعدام الثقة، والصرا ع على القوة والسلطة والمنفعة في العراق لم تكن بين كتل سياسية فقط، بل هي داخل الكتلة الواحدة، رغم تجانسها المذهبي والقومي وربما تجانسها في علاقتها بهذه الدولة الجارة أو تلك.
من الغرائب في الشارع العراقي أن حديث الناس عن ولاءات الكتل والاحزاب وصناع القرار السياسي العراقي لهذه الدولة الجارة أو تلك الدولة البعيدة علني وسائد وصريح، وطالما يكون الحديث بالاسماء والتواريخ والمضامين، وسواء كانت بعض الا حاديث صحيحة أو مختلقة أو مبا لغ فيها، فإن ذلك من علائم الازمة السياسية الخانقة في العراق، وهي مؤشر يؤكد بان انعقاد المؤتمر / اللقاء الوطني بات صعبا، وحتى إذا حصل مؤتمر أو لقا ء سيكون شكليا، وربما يزيد من المشاكل بين المجتمعين المختلفين!
مرا قبون متابعون للشان العراقي يشكون في الدوافع الكامنة وراء بعض التصريحات (لقوية، المتشنجة) المتبادلة والتي تتضمن اتهامات مثيرة تتعلق با لولاء الوطني وغيرها من القضايا الحساسة، و التي تصدر على لسان شخصيات من (الخط الثاني) في العملية السياسية من أنها ليست محض تصرف شخصي، بل هي مخطط لها من خارج الحدود بشكل وآخر من أجل تعقيد المشهد السياسي اكثر، والحيلولة دون أي اتفاق ممكن بين رموز العملية السياسية في العراق، حتى وإنْ كان ذلك بادنى المستويات.
مسلسل الانشقاقات المستمر في جسم التكتلا ت والاحزاب العراقية هو الآخر يعقد من المشكلة، ويتسبب في تأجيل أو تعطيل انعقاد المؤتمر أو اللقاء الوطني المنشود!
يخلص محللون سياسيون من كل هذه المعطيات إلى ان الوضع السيا سي العراقي سيبقى على ما هو عليه الان، يراوح مكانه، وربما تشهد الايام المقبلة المزيد من الفوضى، حيث يعاني في سياق ذلك كله مشروع المؤتمر / اللقاء الوطني المزيد من جرعات الموت البطيء، وليس هناك من أمل لا نقاذه فيما أعلن عن موته فعلا، وفيما لو أفترض أن هناك محاولة لا نعاشه، فستكون بدورها محاولة تعاني من الارتبا ك والغموض والمجهولية.
هل سينعقد المؤتمر ؟
ربما، وهي احدى تطلعات العراقيين، ولكن وفق المعطيات السابقة هناك استبعاد على درجة عالية من الوثوقية، وفيما كان هناك العكس، فهي بداية لمشاكل اعمق واكبر...
هل كتب على العراق ان يخرج من نفق مظلم ليدخل في نفق أحلك ظلاما؟