القرار السياسي المصيري هو المقصود هنا، وفي المقدمة شكل وهوية التشكيل الحكومي، والموقف العراقي من القضايا المصيرية في المنطقة وعلى راسها الأزمة السورية، والعلاقات مع واشنطن، ويدخل في السياق مشاكل العراق ذاتها مع دول الجوار، مثل مشكلة المياه وترسيم الحدود...
محللون سياسيون مهتمون بالشان العراقي بشكل جيد يؤكدون إن العراق لا يملك قراره السيادي، بل هذا القرار محكوم وفق صراع دولي وأقليمي على العراق وفي العراق، ويستند هؤلاء المحللون إلى جملة مؤشرات بل مؤكدات موضوعية على الارض، وفيما تتسارع زيارات المسؤولين العراقيين وبأعلى المستويات الى ايران وتركيا والسعودية إثر اي خلاف سياسي بين أفرقاء العملية السياسية، يؤشر هؤلاء المحللون على هذه الملاحظة الحسية المتكررة ليعززوا من تحليلهم القاضي بتبعية القرار السياسي العراقي وعدم أصالته واستقلاليته!
الشارع العراقي يترقب مثل هذه الزيارات المكوكية لصناع القرار السياسي العراقي إلى دول الجوار على أثر أي أزمة سياسية تحدث بين هؤلاء سواء كانوا في مواقع داخل الحكومة أو كانوا أصحاب دور مؤثر في الساحة السياسية العراقية ولكنهم خارج السلطة، والغريب أن الناس يرشحون اسماء وهوية الزائرين علنا وصراحة في أحاديثهم العامة، حتى في سيارات الأجرة اليومية، خاصة الشعبية منها.
المحللون السياسيون المهتمون بالشان العراقي يشيرون إلى أن زعامات الساحة السياسية العراقية الرسمية وغير الرسمية لا تستمد قوتها من داخل الساحة بل من خارجها، بلا فصل، ولا ينسون الدور الامريكي الخفي والعلني، فهؤلاء المحللون يعتقدون أن للولايات المتحدة الامريكية أجندة خفية في العراق، وهي لم تخرج من بغداد إلا بعد أن اسست لعلاقات عميقة مع رموز عراقية من مختلف الاديان والمذاهب والقوميات ورجال العسكر والدين، ليس وفق منطوق العمالة القديم، بل منطوق المصالح والتفاهم!
إن قراءة بسيطة للقوى السياسية العراقية الفاعلة على الساحة تجعلنا نميل إلى ما يؤكده هؤلاء المحللون، فأن أكثر رموز هذه القوى كانت ضيفا على دول الجوار، وهي لا تملك صلا حية الخروج عن ارادة هذه الدول، لان الاخيرة تملك أوراق ضغط كبيرة وقاسية على هؤلاء، والشارع العراقي يتحدث صراحة عن أوراق الضغط هذه، بل ويحدد هويتها.
الحكومة العراقية متناقضة البنية، وكثيرا ما اشتكى رئيس الوزراء العراقي من هذه المفارقة الغريبة، الكتل السياسية العراقية الكبيرة تشتت وتنا ثرت، ولم تعد هناك كتلة كبيرة متماسكة تشكل، والخلاف بين بغداد وأربيل يعصف بامن البلاد، والفساد ينخر في كل مفاصل الدولة، والسلك الدبلوماسي العراقي عبارة عن ما فيات اسرية، فضلا عن ضعفها الفكري وجدبها السياسي، وما زالت بعض مناطق البلاد خارج السيطرة المركزية، ومشاكل كل كتلة في داخلها تشل أي قدرة على التفكير الجدي بمصير العباد والبلاد... وبلد هذه مواصفاته لا يملك قراره السياسي السيادي، ومن الطبيعي أن يكون قرا ره هذا مصمَّم من خارج إرداته الحكومية والشعبية.
المراقبون السياسيون المهتمون بالشان العراقي وفي ضوء هذه الحقائق الموضوعية المعروفة يخرجون بنتيجة مأساوية، فهذا البلد سيبقى رهين الصراعات الخارجية، ومن ثم سيبقى قلقا، مضطربا، سواء على الصعيد الرسمي أو الشعبي، وستبقى قضية الخدمات بحجمها المتواضع الوقتي الآني، بل وسيبقى رهين النهب والتخريب والفساد المالي والاداري، وسيبقى حبيس المافيات الاسرية في مجال تشكيل دوائر الدولة باعلى مستوياتها.
الاتهامات المتبا دلة بين رموز أو صناع القرار السياسي أصبحت سلعة يومية، خبز يومي، وقد لاحظ المراقبون أن جوهر الاتهامات يصب في خانة التخوين، خيانة العراق والعراقيين، فطرف يتهم غريمه بانه عميل لايران، والآخر يرد عليه بالعمالة لتركيا والسعودية وقطر، الأمر الذي يعطي الحق للشارع العراقي باتهام الجميع بالتبعية للخارج، وتغيب في الاثناء تهمة العمالة لامريكا!
ما هو السر؟
حقيقة لا اعرف، ولكن ربما يعني أن الجميع يرغب برضا أمريكا عنه، فهل حقا وهذه هي الحال أن امريكا تملك أجندتها الاخطبوطية في الجسم العراق وخاصة المؤسسات والدوائر الرسمية؟
حقيقة، لا أعرف أيضا، الأمر الوحيد الذي اعرفه أن العراق سيبقى رهين صراع الارادات من خارجه، وحكامه ومعارضيهم لا يملكون أصالة الموقف السياسي، والضحية نحن الفقراء.