لم تسدل وفاة عبدالباسط المقرحي الستار على مأساة لوكربي. لم تدفن اسرار الجريمة مع الرجل. ذلك عائد الى سبب في غاية البساطة يتمثّل في ان المقرحي لم يكن سوى اداة ليبية صغيرة في عملية ارهابية كبيرة لا بدّ ان تتكشف فصولها يوما. سيتبيّن عندئذ ان تفجير طائرة quot;بان اميركانquot; في الجو في اواخر العام 1988 كان مرتبطا الى حدّ كبير بشبكة مصالح تتجاوز ليبيا والعقيد معمّر القذّافي والاجهزة التابعة له. سيتبيّن ان المقرحي لا يعرف الكثير عن لوكربي وانه، حتى لو مان متورطا في العملية، فانها تتجاوز من هم من امثاله وفي موقعه وعلى شاكلته.
كان المقرحي ومعه رفيقه محمد الامين فحيمة يعملان في مكتب الخطوط الليبية الموجود في مالطا وقد اتهم بانه وراء ارسال العبوة في حقيبة انتهت في طائرة quot;بان اميركانquot; التي انفجرت فوق بلدة لوكربي الاسكتلندية. ليس ما يدعو الى سرد كل التفاصيل المرتبطة برحلة الطائرة التي توقفت في فرانكفورت. كلّ ما قيل في تبرير الاتهامات الموجهة الى المقرحي ان الحقيبة التي فيها العبوة ارسلت من مالطا الى فرانكفورت حيث كانت طائرة الركّاب الاميركية جاهزة لاستضافتها.
الى الان، لم يذكر شيء عن الاسباب التي دعت الى اطلاق فحيمة واصدار محكمة اسكتلندية حكما في حق المقرحي. بماذا يختلف الاول عن الثاني، الم يكونا في مكتب واحد وفي مكان واحد الم يذكر في حينه ان الرجلين يعملان لدى جهاز واحد؟ كيف في الامكان حصر كلّ التهم في المقرحي في حين ان رفيقه (الفحيمة) كان معه في كلّ الاوقات تقريبا؟
يبقى السؤال الاهمّ هل في استطاعة شخص واحد الاعداد والتخطيط لعملية ارهابية بهذا الحجم وهذه النوعية من دون مساندة دولة واحدة على الاقلّ؟
قبلت ليبيا تعويض اسر الضحايا. لم يكن المقرحي سوى ضحية لا بدّ من تقديمها في قضية اخذت منحى سياسيا منذ اللحظة الاولى لحصول التفجير الذي ذهب ضحيته 270 شخصا.
كان مطلوبا منذ البداية quot;وضع نظام معمّر القذّافي في قفصquot; على حد تعبير مسؤول اميركي نافذ عمل لدى الاجهزة الامنية ثم انتقل الى وزارة الدفاع وبعدها الى البيت الابيض. رفض هذا المسؤول الذي التقيته في واشنطن دي. سي في عهد كلينتون الاجابة عن ايّ سؤال يتعلّق بالاسباب التي دفعت الادارة الاميركية الى تجاهل اعتقال السلطات الالمانية في مدينة فرانكفورت شبكة فلسطينية تابعة لاحدى المنظمات المرتبطة بدمشق وطهران كانت تعدّ لتفجير طائرة في الجو. حصل ذلك قبل اسابيع قليلة من وقوع كارثة لوكربي وضبطت مع افراد الشبكة اجهزة ترانزستور فيها عبوة نسفة معدّة كي تنفجر في الجو بعد وصول الطائرة المستهدفة الى ارتفاع معيّن. اكتفى المسؤول بالتأكيد وقتذاك ان الهدف كان محاصرة القذّافي ونظامه وقد خصل ذلك بالفعل!
بقدرة قادر، غاب اي كلام عن مصير افراد تلك الشبكة وزعيمها المعروف. كان مطلوبا في تلك المرحلة حصر التهمة بنظام القذّافي الذي ادخل فعلا في قفص بعد فرض عقوبات دولية عليه. ساهمت تلك العقوبات التي شملت حظر الطيران من quot;الجماهيريةquot; واليها في جعل الديكتاتور الليبي الراحل يحكم قبضته على ليبيا وعلى شعبها. قصمت العقوبات ظهر الشعب الليبي وخدمت الديكتاتور من حيث يدري الاميركيون والاوروبيون او لا يدرون. الارجح انهم كانوا يدرون، لكنّ كلّ همهم كان محصورا في تدجين القذّافي وتحويله الى انسان طبيعي وقد فشلوا في ذلك فشلا ذريعا...
تنفّس النظام السوري الصعداء بعدما اكتفت الادارة الاميركية باستهداف ليبيا في وقت كان صدّام حسين يرتكب في العام 1990 عملا غبيا آخر يتمثّل في احتلال الكويت. كانت هناك حاجة اميركية الى مشاركة سورية في حرب تحرير الكويت، كذلك كانت هناك حاجة الى تحييد ايران في اثناء معركة اخراج صدّام من الكويت. غاب كلّ كلام عن ايّ دور للمنظمة الفلسطينية المعروفة المرتبطة بدمشق وطهران في عملية لوكربي.
مع الوقت، استطاع القذّافي التصالح مع المجتمع الدولي. تعرّى امام الاميركيين والاوروبيين الذين راحوا يطلبون ودّه. اطلق المقرحي بحجة انه مريض. لم تكن كلمة السرّ معه. كانت كلمة السرّ مع القذّافي الذي نفّذت في حقه عقوبة الاعدام بعدما ظنّ خطأ ان العالم على استعداد لتحمّل شذوذه مرّة اخرى.
قد يكون وراء اعدام القذّافي، بالطريقة التي اعدم بها، وجود رغبة في دفن اسرار كثيرة من بينها سرّ لوكربي. لن يعرف هذا السرّ الاّ عندما تكون حاجة اميركية اليه. لا شكّ انه سيظهر يوميا ولكن حسب التوقيت الاميركي وليس ايّ توقيت آخر لا علاقة له لا بالمقرحي ولا بمن هم في مستواه من لاعبين صغار وجدوا اصلا كي يلعبوا دور كبش الفداء متى تدعو الحاجة الى ذلك...