على امتداد الأعوام الاخيرة الماضية تلاقى العراقييون بمختلف اتجاهاتهم السياسية وفئاتهم الاجتماعية، حتى أستطاعوا الوصول الى حكومة وطنية تحقق في المرحلة الحالية مصلحة العراق العليا، وتشكل محاولة جادة للخروج من المأزق السياسي الذي تعانيه البلاد.

وفي حين كانت أحزاب عديدة في دول العالم التي خاضت تجربة الائتلاف في الحكم تتسارع لتقديم التنازلات من أجل مصلحة دولتها، بوعي كامل لحقيقة أن الدولة أهم من الحكم والحكومة وحقائبها والمناصب، وانها تكون للجميع أو لا تكون أبدا، كان المواطن العراقي حتى في إقليم كردستان يتابع بقلق شديد مجريات الصراع في أعلى مستويات الحكم، بعدما أتخذت سياقا من شأنه تجديد حالة الأنقسامات الداخلية وليس المساعدة عى انهائها.

ذلك أن من يملك ما يفوق حقه بالكثير في العراق، قد رفض وما يزال يرفض أن يتنازل عن بعض ما أغتصب من أسباب السلطة ومواقعها، أي من حقوق الاخرين، تحت أسم التوافق أو الضمانات والخوف من الاكثرية مع وعيه الكامل بأن مثل هذا الوضع المغلوط لا يمكن أن يستمر الى الابد، حتى لو طالت المشكلات الامنية واستطالت الى ما شاء الله.
وهذا هو عنوان المأزق الذي يعيشه العراق!

في هذا الوقت بالذات العلاقة بين حكومة اقليم كردستان وحكومة الوحدة الوطنية التي يفترض فيها ان تكون الخطوة الاولى على طريق الخروج من المأزق عراقيا تتعرض حكومتكم الى اتهامات من قبل حكومة الاقليم الحالية بأنها تصادر الحقوق وتستعملها كورقة ضغط،، وهذه الاتهامات فسرت تفسيرا مغلوطا في الاعلام العراقي لأن حكومتكم تشكل صمام أمان للوحدة الوطنية وضمانة لمستوى الحوار الوطني وجديته وامكان وصوله الى الغاية المنشودة منه.

وثمة في أربيل من يرى انه يستطيع الوصول الى إنجاز صفقة سياسية معكم مرة اخرى حاول وما يزال يحاول ان يبيع بغداد موقف الانسحاب من نهجه السابق مقابل الاستمرار في استبعاد حركة المعارضة الشعبية والوطنيين بعدما كشفتم النقاب عن ما دار بينكم والبرزاني من محادثات قبيل تاسيس حكومة الوحدة الوطنية.

وجهت اتهامات لكم بانكم لا تأتون الى أربيل فيكف لك ان تذهب الى اربيل وبعض من اقطاب الحكم لا يذهبون الى أربيل الا لوحدهم، انهم لا يذهبون بصحبة رئيس حكومتهم وأولئك الشركاء المفترضون في القرار السياسي ممن يعطون حكومة الوحدة الوطنية أسمها.

وبدل أن يكون اللقاء في اقليم كردستان مناسبة لتسهيل الحوار الوطني وتركيزه على الاساسيات من الأمور المختلف عليها، فانه يتحول الى شكاية على الذين طالبوا بحقهم الطبيعي في أخذ القرار وفي تحمل مسؤولية المصير الوطني.

وبهذا يضمر دور أقليم كردستان اذ يتحول الى وسيط بين الأشخاص يوفد الرسل ويستقبل الموفدين بقصد اجهاض العملية السياسية بدل أن يظل جهده منصبا على تأمين جبهة داخلية وطنية صلبة توفر الصمود المطلوب في وجه ضغوط القوى المعادية للعراق.

وبهذا تتحول العلاقة القائمة بين حكومة ورئاسة الاقليم وبغداد الى منازعات ومشادات أو غرق في التفاصيل وتفاصيل وتفاصيل، مما يزيد في تعقيد الوضع وتيئيس الناس، بدل ان تكون تتمة منطقية للحوار الوطني يستكمل الجميع فيها ما بدأوه ويستدركون ما قصروا عنه.

وبهذا ايضا يتضاءل الأمل في أن تتمكن الخلوات المطالب بها من حسم العالق والمختلف عليه من الأمور، اذ ان الايام والممارسات قد كشفت ان الخلاف مستمر على الأساسيات والمنطلقات، بل لعل حدته قد زادت في الاونة الاخيرة بسبب تصريحات البرزاني.

فالخلوات على حد تعبير كثير من أهل الراي تشكل فسحة للتوافق بين رجال مختلفين في وجهات النظر، ولكنها لاتفيد كثيرا للتقريب بين أطراف يختلفون على كل شيء بدءا بهوية البلاد مرورا بصيغة الحكم وصولا الى مواقع السلطة ولمن تكون وكيف يكون التوزيع بما يرفع غبن المغبونين من دون ان يزيد خوف الخائفين.
لقد حول الشكل الذي اتخذه الصراع في العراق بسبب ازمة المتهم طارق الهاشمي الحياة الى ما تشبه الجحيم، فأن تكون في بغداد هو أن تكون في جبهة مفتوحة خطوطها لنيران متعددة المصادر، أخطر ما فيها أن بعض مصادرها يحمل دمغة السلطة الشرعية، سواء كان يتحرك بأمر منها أو بغير امر أو حتى بغير علم منها.. وهذا أخطر وأدهى.
ولعل الشروط الاولى لكي يستقيم الحوار ويكتسب طابعه الوطني هو أن تطهر مواقع السلطة في بغداد واربيل ولاسيما الأجهزة الامنية التي لا يعرف ما في داخلها ولا يملك ان يحاسبها الا أعلى مرجع للبلاد.

أما الشرط الاخر لكي تصبح الحياة السياسية في أقليم كردستان ممكنة ومقبولة ومعقولة فهو أن يتوفر لمواطني كردستان امكانية التواصل مع مؤسسات الدولة من الشرطة الاتحادية و مفوضية النزاهة لاتاحة الامكانية لكل القوى و الاحزاب العراقية لتعزيز وجودها داخل اقليم كردستان. لأن توفير هذه الفرصة للمواطنين سيجعلنا نعرف ماذا يريد هؤلاء المواطنون وبدون خوف، ومشاركتهم الفعالة في المجتمع سيوفر فرصة ممتازة لأعادة الامور الى نصابها في العراق كله وليس في بغداد وحدها.

اذ عبره يستعيد العمل السياسي طبيعته كتنافس سياسي بين تيارات واتجاهات وليس أقتساما للسطة بين حزبين حليفين على أساس التوافق السياسي مثل حدث بكل أسف في بغداد.
فاذا كان متعذرا أن نفتح حوار وطنيا جديا مع سلطة الاقليم الحالية فلتنصب جهودنا على توفير مثل هذه الفرصة حيث تستدعي الضرورة الملحة، ولنحفظ أربيل منطلقا للوئام وموئلا للوحدة الوطنية والا ضاعت الجهود الحثيثة للعثور على الصيغة الوطنية العتيدة.

وستكون بغداد في طليعة المتضررين من ضياع أربيل أو استمرار غرقها في المستنقع الحزبي الضيق وتعطيل دورها الوطني والقومي الذي لايعوض.
دولة رئيس الوزراء أقول في الختام بان هذا الوضع المغلوط يلغي العراقيين وطموحاتهم، ويسقط سلفا حق الناس في المطالبة بالأصلاح والسعي اليه واستمرار مشاوراتكم مع رئيس المجلس النواب ورئاسة العراقية حول هذا الموضوع سيكون نابع من حرصكم على بناء وطن حقيقي، وطن حر حقيقي مستقل وشرط ذلك كله الوطنية والديمقراطية والبرنامج الوطني الشامل. الشامل كل العراق وكل العراقيين والمخاطب طموحاتهم ومصالحهم وارادة الحياة والتحرر والغد الافضل فيهم.

[email protected]