على الرغم من کل ذلك التهويل و المبالغة الذي يضفى على طابع العداء بين الولايات المتحدة الامريکية و نظام الملالي في إيران، فإن التقارير و المعلومات و التحليلات المختلفة عن طابع العلاقة الخاصة الضمنية القوية بينهما کثيرة و لايمکن الاستهانة بها.

الخميني و منذ مجيئه للحکم و رفعه شعار المعاداة للغرب الرأسمالي و الشرق الشيوعي، فإن هذا الشعار کان و لايزال شعارا مطاطيا و يکاد أن يشبه ظلا متحرکا، لکن ومع إزدياد الحرب الايرانية العراقية ضراوة بدأت الحاجة تشتد و تزداد بين الطرفين للتواصل و التفاهم عبر طرق مختلفة و قنوات خاصة حرص الطرفان على إبقائها و المحافظة عليها طوال العقود الثلاثة المنصرمة.

الحرب في أفغانستان ضد نظام الملا عمر و القاعدة، و الحرب في العراق خلال العقدين الماضيين، شکلا فرصة ذهبية لنظام الملالي کي يلعبون واحدة من أقذر الادوار منذ مجيئهم للحکم، عندما داسوا على کل شئ و خصوصا مايدعونه منquot;مثالية دينيةquot;، وجعلوا من أنفسهم مطية للأمريکان و أبرهة شيطاني جديد من نوع خاص بحيث لعب دور الدليل بکل قذارته و خرج من اللعبة بحمص کثير يعرف القاصي قبل الداني ان هذا الحمص هوquot;السحتquot;بعينه!

الملف النووي للنظام الايراني و الذي شغل الغرب بشکل عام و أمريکا بشکل خاص، کان من أهم الملفات الساخنة و موضع الخلاف بين الطرفين، لم يتمکن لا الغرب و لا أمريکا من کبح جماح النظام الايراني و السيطرة على سعيه المحموم لتطوير برنامجه النووي بل وان هذا النظام قد تمکن من إستغلال مسألة التفاوض معه و کذلك مسألةquot;الغزل و الوصالquot;غير المباشر بينه و بين الامريکان، لصالح برنامجه النووي، وإتضح بأنه لم يکنquot;ولن يکونquot;صادقا في أية جلسة من جلسات المفاوضات و لافي أي وعد من الوعود التي قطعها و يقطعها للمجتمع الدولي بشأن برنامجه النووي. ان إستمرار النظام الايراني في عملية خداع المجتمع الدولي فيما يخص برنامجه النووي، تتعلق بذلك الدعم الامريکي الخفي المستمر له و لاريب من أن للأمريکيين أکثر من غاية او هدف في عمليةquot;الدفع غير المباشرquot; للنظام الايراني بإتجاه صنع و حيازة الاسلحة النووية، لکن مشکلة الامريکان الکبرى انهم لايعلمون ان أصحاب العمائم الشيطانية قد کانوا دائما هم المستفيدين من أية صفقة أو أي مشروع سياسي او عسکري دخل او يدخل النظام الايراني طرفا فيه، ولذلك فإن الامريکيين الذين يتصورون بأنه بإمکانه لجم جنوح الملالي و السيطرة عليهم في الوقت المناسب، هو تصور بالغ الغباء ان لم يکن الغباء بعينه، ذلك لأنهم تمرسوا في کيفية إستغلال الجهل و الغباء الامريکيين فيما يتعلق بالشأن الايراني.

نجاح النظام الايراني في السيطرة على النظام السوري و جعله مجرد جسرquot;لوجستيquot; لعبور أسلحته و أفکاره و مشاريعه الشيطانية المشبوهة لدول المنطقة و العالم، تبعه نجاح آخر لهذا النظام بإستدراج الادارات الامريکية المتعاقبة الى وهم و سرابquot;إمکانيةquot;تغييره او إعادة تأهيله، وهو الامر الذي اوقع و يوقع الامريکيين في مطب إرتکاب الکثير من الاخطاء الفادحة فيما يخص الملف الايراني مما يجعلهم ليس بعيدين عن واقع و حقيقة الشعب الايراني بل وحتى في جبهة مضادة و معادية له، ولعل تهافت الادارة الامريکية الحالية على سياسة إسترضاء الملالي و طلب ودهم و رضاهم على الرغم من کل الذي يدعونه و يزعمونه من معارضة و إختلاف مع النظام الايراني، يعطي إنطباعا کاملا من أن هذه الادارة لم تستفد او تتعظ من تجارب الماضي و مازالت تصر على سلوك و إنتهاج نفس السياسات الخاطئة السابقة تجاه الملف الايراني و التي أهمها و أخطرها هو عدم التعاطي من المتغيرات و الاحداثيات السياسية الجديدة فيما يتعلق بمنظمة مجاهدي خلق الايرانية المعارضة و التي تعتبر أکبر و أبرز و أنشط فصيل سياسي معارض للنظام و أکثرهم تأثيرا عليه، ذلك أن الخارجية الامريکية وخلال عملية المراجعة السنوية لتقريرها الفضيحة ضد منظمة مجاهدي خلق و إبقائها ضمن قائمة الارهابquot;والتي جرت قبل فترة قصيرةquot;، أبقت المنظمة ضمن القائمة و تجاهلت بصورة ملفتة للنظر قرار محکمة الاستئناف الامريکية التي تمهلها حتى الاول من أکتوبر القادم لإخراج المنظمة من قائمة الارهاب وهو أمر يثير ليس التعجب وانما حتى الذهول ذلك لأنه وفي الاول و الآخر سوف تجد الخارجية الامريکية نفسها مذعنة لإرادة قرار محکمة الاستئناف، إلا ان الظاهر ان الخارجية الامريکية و من خلفها الادارة الامريکية نفسها تريد المضي في سياستها العرجاء المشوهة حتى اللحظة الاخيرة، وهذا مايفسر أيضا التناغم و الانسجام الذي يجري بينهما فيما يتعلق بقضية المتبقين من سکان أشرف و نقلهم الى مخيم ليبرتي، لکن على الادارة الامريکية أن تدرك و تعي جيدا من أن الوقت لم يعد کالسابق في صالح النظام الايراني بل وحتى انه قد بات ضده وان استمرار الرهان على هذا النظام الرث البالي هو بمثابة الرهان على حصان هجين هزيل و أعرج في ساحة خيول عربية أصيلة!

[email protected]