لن أُقاتل في سبيل الله الذي تدعون إليه و الله الحقيقي بريء منه، ولن ارسم لوحة الفردوس في ذاكرة الاطفال الصغار، والذين لا يفقهون شيئاً من الحياة ولا يعرفون الا السكاكر وعلب الحلوى وشجرة الصنوبر الطيبة التي يلعبون تحتها كل يومٍ لعبة quot;الغميضةquot;..
لن اجبر شعبي على الجهاد في سبيل من يدعوني الى الحياة في كل شيء حولي من فالس الريح وتمايل الاشجار الشامخة وحتى رقصة النحلة المترنحة على شكل ثمانية!

لن امتثل امام المرآة واضرب quot;تعظيم سلامquot; لله وأقسم بأني جندية من صفوف جنده المخلصين، لستُ من عبدة الخرافات الملونة!

لا آبه لسيفك الصدأ مثل عقلك ولا لبندقيتك الخالية من رحمة اصبعٍ يضغط على زناد الكراهية والحقد، ولو كنتُ حاكمة هذه البلاد لمنعتُ الأديان وأسلحتك المدمرة لكل شيء يبتسم، والتي اتخذتها انت وسيلة اخراس كل صوتٍ يختلف معك ومع ايقاع عنجهيتك الساقطة!
انا لا اخافك يا هذا ولا اخاف موتي لأن موتي هو جزءٌ من حياتي، ولأن الموت يأكل من صحني كل يوم، ولأنه يطاردني في شاشات التلفاز والمواقع الالكترونية المختلفة ويلاحقني مع شبح كل جثةٍ تتمزق في سوريا وبورما وبنغلادش، ليزجَّ بي في مربع الأسى بعد ان يزورني في كل كابوسٍ ليلي..

لا اخافك ولا اخافه لأنكما اضعف من ان تلوثا عقلي بحتمية القتل والدم والانتحار، ولن اجاهد في سبيلك ولا في سبيل الهك هذا، لأن حياتي اهم بكثيرٍ من سخافاتك ونداءاتك بالشهادة واتخاذك الدين مطيةً للإيقاع بفرائسك المنكوبة والمنهوبة والمقتولة والمصلوبة والميتة في حياتها قبل ان تقتلها انت!

من تظن نفسك لتخلط الأوراق فوق طاولتك السياسية المتعفنة، وتصور لي ان الانتحار وقتل اخي في العروبة صار جهاداً في سبيل الله؟ والله بريء من كل جرائمكم القذرة.

الحقيقة المطلقة والنص المقدس المسلم به وتهليل الأغبياء والعملاء وتجّار الحياة الانذال، كلها عوامل تدعو الى الغاء حياتي، فكيف اؤمن بالأشياء والمنطق نفسه ينص على ان لا شيء مؤكد في هذا الكون؟
لماذا تنسبون لكل كتبكم وتعاليمكم وائمتكم القدسية والكرامة والشرف وتعتبرون ان حياتنا فوق هذه الارض مجرد سردابٍ للخطيئة والرذيلة؟
وهل الاله سيرضى بفكرة عدمية قيمة هذا الكون؟
لا يا هذا.. وألف لا!
يقول طاغور:
quot; فكرة ان الحياة ليست شيئاً دائماً
ساعدتني على تنوير ذهني..
أننا لسنا سجناء الى الأبد..
خلف سياج الحقائق المتحجرةquot;
ويقول نيتشه:quot; ان الموت قريبٌ بما فيه الكفاية كي لا نرتاع من الحياةquot;، فلماذا اخشى عزرائيله في مسدسك الأحمق؟
quot; انا ارفض ان اموت، ان يموت ابني، ان يموت صديقي، ان يموت اي انسان، ان يموت خصمي، ان يكون لي اي خصم، انا ارفض ذلك تحت اي شعار، تحت اي فكرة تختفي وراءها اضخم الاكاذيب وأفجر الطغاة والمعلمين، لهذا انا ارفض التعاليم والمذاهب التي تعلمني كيف اكون قاتلاً، كيف اكون مقتولاً، كيف اؤمن بذلك؟ كيف اهتف لمن يدعونني اليهquot;؟
ولن اعود الى ثقافة الموت لدى المصريين القدامى في تعظيم الاموات وتحنيطهم وبناء الاهرامات كمقابر للجثث، لأن حياتي ملكي انا وأغلى من كل جواهر ايمانك quot;الفالصوquot; المزيفة الخرقاء، بل وسأفكر كثيراً وسأعلّم ابناء شعبي اساطير الاغريق والسومريين الذين آمنوا دوماً بتجدد الحياة والطبيعة، فبعد ان قتل الاله آريس الهاً آخر يدعى ادونيس، اعتقد عبّاده ان الههم يموت كل سنةٍ جريحاً في الجبال فيملأ الطبيعة كل عامٍ بدمه المقدس، ولهذا كانت بنات سوريا يبكين لموته بعد ان مات شاباً يافعاً وفي الأثناء ذاتها كانت تزدهر شقائق النعمان وتجري الأنهار غزيرةً الى البحار، ويبدأ الربيع.
الموت في الحياة نفسها كل يومٍ لهو اخطر بكثيرِ من رصاصتك اللئيمة، فأن تحيا دون تاريخٍ وحضارةٍ وذاكرة تكون قد مت..
وأن تحيا بدون أدبٍ وغناءٍ وموسيقى وثقافة متضاعفة كل يوم، تكون قد مت..
وأن تلغي الآخرين لأنهم يختلفون عنك فكراً او ديناً او لوناً بعد ان مات الانسان فيك تكون ميتاً لا محالة..
وأن تصلي خمس مراتٍ في اليوم وتسبّح مائة مرة ولا تقلم اظافر حديقتك مرةً واحدة او تروي عطشها تكون قد مت دون رجعة..
فأي جهادٍ هذا الذي تريدني ان اؤمن به وأنت ميتٌ ترزق؟
ليس ما يشدّنا الى هذه الأرض هي جاذبيتك يا نيوتن، انما هو جهلنا المتدلي من ثياب عروبتنا المهترئة منذ بدء التاريخ، والذي جعلنا نقدس الأرض ونسترخص الأرواح والقلوب...
فنحن لن نعود بشراً الا اذا الغينا همسنا وصرخنا بالصوت العالي نريد ثورةً للفكر لا للحجر...
ولن نعود بشراً الا اذا الغينا كلمة الموت من على ملصقات زجاجات حليب اطفالنا..ألا يكفي انه يلاحقنا في كل مكان؟
ولن نعود بشراً الا اذا اهتممنا بمشاعر الفرد وإرادته وروحه، لا بسخافات مجتمعٍ بالٍ وعقيم...
ولن نعود بشراً الا اذا احترمنا مبدعينا وفنانينا وادبائنا فحتى متى نتغنى بأن لا نبي في وطنه؟
ولن نعود بشراً الا اذا جاهدنا في سبيل حياةٍ افضل ونساءٍ اكثر تحرراً وألغينا شرطة الآداب من اقسام عهرنا..
ولن اجاهد في سبيل احد يحرضني على اشباع غريزة الانتصار الوهمي عبر فيضان دمٍ لا ينتهي بعد ان خسرتَ كل معاركك التاريخية..
لن اجاهد في سبيل حرفٍ واحدٍ مما تقول لأنك انت من قتل نجيب محفوظ وفرج فودة ولأنك انت من احزن نزار قباني وكل عاشقيه وعشّاق الحياة بعد ان قرأوا :
quot;إلهي! أصبحت في دار الرغائب، أنظر إلى العجائب. إلهي، إنك تتودَّد إلى مَن يؤذيك؛ فكيف لا تتودَّد إلى مَن يؤذى فيك!rdquo;
المقولة التي ناجى الحلاج فيها الاله قبل ان يصلبوه ويقطعوه ارباً، ولأنك انت من اغتصب نساءنا في غزة وحرم معظمهم نور هذه الدنيا، ولأنك انت من خيّب امل حبيبة الغريبي التي عادت اليك وإلينا بميداليةٍ ذهبية تساوي كل تاريخك المجترَّ الماً في جرحنا، فاغرب عن وجهي انت وشيطانك المتدثر عقداً نفسية وجنسية، ولا تحلم..لا تحلم ان آكل من بذور شرورك، لأني لن اجاهد في سبيل شيء الا إنسانيتي وأعلن الآن جهادي...
اغرب عن وجهي حالاً وفوراً وإلا....