تعالوا نناقش بهدوء مسألة قرض صندوق النقد الدولي لمصر، القرض تقدمت به حكومة quot;كمال الجنزوريquot; السابقة للصندوق وكانت قيمته 3.2 مليار دولار، حينها شن الإخوان المسلمون حملة ضارية على حكومة الجنزوري، الأن قفز الرقم التي تطالب به حكومة quot;هشام قنديلquot; ليصل إلى 4.8 مليار دولار، لم تحرك جماعة quot;الإخوانquot; ساكناً بل أعلنت موافقة مبدئية على القرض، في حين طرح السلفيون بدائل أخرى، السؤال هو: هل مصر بحاجة ماسة إلى هذا القرض ؟ لماذا نسمح لانفسنا بعد الثورة بأن ندور في فلك التبعية لمؤسسات دولية، تفرض شروطا عليك كي تمنحك ما تريد، أليست هناك بدائل أخرى ؟ لا يخفى على أحد أن مستوى الاحتياطي النقدي الحالي تراجع الى حوالي 14.4 مليار دولار، وهذا مؤشر خطر إذا قيس بحجم الانفاق الحالي الزائد نتيجة الزيادة السكانية.
البدائل الاخرى كثيرة وأولها: التبرعات من المصريين العاملين في الخارج، هناك أكثر من 8.000000 مصري يعملون في الخارج، بينهم نحو 3.000000 مليون في دول الخليج، لقد حدث إقبال كبير من المصريين على التبرع لعدد من المشروعات من بينها quot;مدينة زويل للعلوم والتكنولوجياquot;، وquot;مركز أسوان للقلبquot;، وquot;مستشفى أورام الاطفالquot;، وغيرها من المشروعات الخدمية في مصر، لو تبرع المصريون العاملون في الخارج كل واحد بمئة دولار لجمعنا ملايين الدولارات فضلا عن تبرعات رجال الاعمال، وهذه الملايين غير قابلة للرد، كما أن هذا البديل لا يرهق الحكومة بفوائد، حتى لو كانت نسبة الفائدة 1.1 في المئة، وهو المبرر الذي تسوقه الحكومة المصرية لتبرير الاقتراض من صندوق النقد الدولي.
ثاني هذه البدائل: دراسة الدعوات المطالبة بتبرع المصريين القادرين في الداخل، لفت نظري دعوة نسائية اطلقتها دكتورة quot;هبة رءؤفquot; أستاذ العلوم السياسية لحملة سندات عامة تقوم فيها نساء مصر بجمع خمسة مليارات جنية لمصلحة المشروعات التي سيخصص لها قرض صندوق النقد الدولي، وذاك كخطوة في طريق استقلال القرار المصري بعد ثورة 25 يناير، أليس هذا كاف للرد على من يبررون اللجوء إلى المؤسسات الدولية للاقتراض، ولنا في تجربة ماليزيا خير مثال على عدم لجوءها الى الاقتراض، كانت ظروفها اسوأ من مصر، حين تولى quot;مهاتير محمدquot; رئاسة الحكومة عام 1981 وهي الأن واحدة من أكبر النمور الاسيوية.
ثالث هذه البدائل: هو الاقتراض من البنوك المصرية، أي الاقتراض من أموال المصريين في الداخل، لا أحبذ هذا البديل لأن الحكومة ستتحول في هذه الحالى إلى قطاع خاص، يقترض بفوائد عالية، فضلا عن أن الحكومة لجأت خلال العام ونصف الماضية إلى الاقتراض من البنوك مبالغ تعدت 500 مليار جنيه، بفوائد وصلت الى 17% وهذا يرهق الخزانة العامة للدولة ويُحملها أعباء جسيمة، وقد ترتب على ذلك مساوىء أخرى من بينها، هروب المستثثمرين، وقلة الأموال المتاحة لمشاريع استثمارية، وزيادة البطالة، فضلاً عن نضوب مصادر التمويل الداخلي، الأمر الذي يدخل البلد في متاهات لا سبيل للخروج منها.
تجارب الاخرين عبرة للحكومة المصرية، وليس اليونان منا ببعيد، فقد أوشكت على إعلان إفلاسها، وتطالب المقرضين الدوليين مهلة عامين، للعودة للمستويات المستهدفة من العجز في الميزانية، وتحاول أن تحرز تقدماً، وتلتزم بشروط حزمة الإنقاذ الأخيرة بقيمة 130 مليار يورو، ولابد أن تخضع لشروط صندوق النقد الدولي، والبنك المركزي الأوربي، والمفوضية الاوربية، في الالتزام بخطط التقشف، وهذه الخطط يدفع ثمنها الشعب اليوناني، وهناك دولاً أخرى أعلنت إفلاسها مثل الارجنتين عام 2002، ووصلت ديونها الى 17 مليار دولار، سددت أخر دفعة من هذه الديون وكانت 2.2 مليار شهر أغسطس الجاري، ويدأت تنهض من جديد،، كذلك تركيا وصلت ديونها إلى نحو 23 مليار دولار في مطلع الفين، وانخفض حجم هذا الدين ليصل إلى 5.2 مليار دولار حالياً، ونجحت في بناء قاعدة صناعية وتكنولوجية باتت مثار إعجاب العالم، وتمكنت من خفض عدد البطالة بشكل ملحوظ، ويسجل الاقتصاد التركي معدل نمو سنوي يصل الى 11%.
قد يقول قائل إن دولاً كثيرة تمر بنفس ظروفنا، وتلجأ الى الاقتراض من المؤسسات الدولية، ولكن من يدري أن الحكومة الحالية قادرة على الإيفاء بشروط الصندوق، ونحن نرى الأوضاع تزداد سوءا، فالامن مفقود، والاقتصاد متراجع، والفساد المالي والاداري في كل المؤسسات، وليست هناك بيئة ملائمة للنهوض في الوقت الحالي، والإيفاء بشروط الصندوق من حيث فترة السداد، وخدمة الدين المرتبطة به، والرقابة على كيفية إنفاقه بالشكل الصحيح، إذا نجحت الحكومة في القضاء على الفساد، ووقف إهدار المال العام، هنا يكون لكل حادث حديث.
وفي الختام لا نريد أن تكون فكرة الاقتراض من صندوق النقد الدولي الخيار الأقرب، والأسرع لحل أزمات الاقتصاد المصري الحالية، فى ظل ارتفاع قيمة العجز فى الموازنة العامة للدولة فى العام المالي الجاري، والتي وصلت إلى نحو 140 مليار جنيه، بل يجب التفكير جيداً في البدائل السابقة، حرصاً على مصر، واستقلال قرارها وإرادتها في الحقبة الجديدة.
إعلامي مصري
- آخر تحديث :
التعليقات