في حينه قال الأمام الخميني: (إن الفرس والعرب، قبل دخولهما الأسلام كانا قد خاضا معركتين ضد بعضهما بعضاً، وبعد دخولهما فيه خاضا 25 معركة خلال 400 عام)، ولما كان عرب العراق الأقرب الى بلاد الفرس، فذلك يعني أن العراق كان ميداناً لتلك المعارك. ومنذ الفتح الأسلامي للعراق والى الأحتلال الأمريكي له يحدثنا التاريخ ان العراق في كل (57) عاماً مرة كان يحتل أو ينتقل من محتل إلى آخر، ما يعني أنه كان مسرحاً للحروب كل 57 عاماً مرة. وفاقت حروب فيه من حيث عدد السنوات الحربين العالميتين: الأولى والثانية، فحربي الخليج أستغرقتا (9) سنوات، دع جانباً الحروب الداخلية بين الحكومات العراقية والكرد والتي أمتدت (30) عاماً 1961 ndash; 1991 تخللتها فترات ضيقة من الهدنة ووقف القتال، ووصف بعضهم، وكانوا على حق، النظام البعثي 1968 ndash; 2003 بنظام الحرب والفاشية. وبعد سقوط ذلك النظام، تفاءل الكثيرون بطي صفحة الحروب والمعارك في العراق(الجديد)، إلا أن تفاؤلهم كان ساذجاً. ففي الأسابيع الأولى على انهيار نظام البعث، نشبت معارك أو مصادمات دموية بين(العراق الجديد) مدعوماً بجهد عسكري أمريكي كبير، منذ صيف عام 2003 وما زالت تتواصل الى يومنا هذا، وحسب أحصائية نشرت قبل أيام، أن(70000) انسان عراقي كانوا ضحية لها أضافة إلى 250،000 جريح، هذا في وقت لم يبلغ عدد القتلى في الحرب التركية ndash; الكردية منذعام 1984 والى الآن الـ40000 قتيل وما زالت الحرب في العراق تتواصل وستدخل في العام المقبل 2013 الـ(10) أعوام. ومن غير أن تسجل الحكومة العراقية نصراً فيها، وككل الحروب الحديثة التي غالباً ما يشترك فيها اكثر من طرف دولي، فان الحرب بين عراق ما بعد 2003 وبين الأرهاب، لم تكن حصراً بين العراق والأرهاب الذي تديره منظمة القاعدة، فحسب ويكيليكس ان اسرائيل، كان لها حضور ومشاركة وما يزال، في هذه الحرب، فهي التي أغتالت نحو(250) عالماً نووياً عراقياً وما يقارب الـ(300) استاذ جامعي عراقي، وبالأمس القريب سبق وان اتهمت الحكومة العراقية اكثر من مرة، الحكومة السورية بأرسالها للارهابيين والمخربين للعبث بمقدرات العراقيين، أما الدور الأيراني في هذه الحرب، فأمر لا يحتاج إلى دليل، ولاشك ان اطرفاً داخلية عراقية تورطت بهذه الدرجة أو تلك في المصادمات الدموية الداخلية وتصفية خصومها.

والمعركة مع الأرهاب مستمرة، وهي حرب حقيقية، اذا أخذنا بأرقام الضحايا، وزج الجيش فيها على أوسع نطاق، رغم تصريح للمالكي والذي قوبل بالدهشة والتهكم، والذي قال فيه، ان الأرهاب في العراق انتهى، ولقد تدا خلت هذه الحرب مع حرب اخرى، وذلك بين المكون السني وحكومة العراق(الجديد ). ولعل اشهر معاركها تلك التي شهدتها الفوجة في ظل حكومة رئيس الوزراء العراقي الاسبق د.أياد علاوي، والتي مابرح سكانها يعانون من اثارها وتداعياتها معاناة اهل هيروشيما وناكازاكي اليابانيتين من قصفهما بالقنبلة الذرية الأمريكية أب عام 1945.ثم ان المعارك ما فتئت جارية بين ذلك المكون وبين الجيش العراقي في معاقل السنة: الأنبار وديالى وصلاح الدين والاقسام العربية من الموصل وكركوك، ويمارس الجيش العراقي اشكالا من العمليات ضد السنة العرب ارتقت الى حد انزال العقوبات الجماعية بهم. ناهيكم عن انتشار مكثف لنقاط السيطرة والتفتيش ليس في بوابات المدن السنية فحسب انما في شوارعها وساحاتها واحيائها أيضا. ولتداخل وتزامن حربي الارهاب والمكون العربي السني، فلقد غدا من الصعب التمييز بينهما مما أضر وما يزال بهذا المكون كثيرا. وفي جميع الاحوال فأن العراقيين يدفعون ثمن الحرب وجلهم من المذيين. ففي شهر رمضان الفائت وحده قتل نحو 409 شخصا وجرح 975 كما ورد في تقرير لوكالة الصحافة الفرنسية.وغالبا مانجد الحكومة العراقية تتحاشئ ذكر الخسائر البشرية والمادية لهذه الحرب بصورة صحيحة، ما يدفع بالعراقيين الى اللجوء الى مصادر خارجية لمعرفة مايجري في بلدهم من دمار وخراب، وخشية من هذه المصادر، من أن لا تقع في المبالغة فانها في معظم الأحيان تذكر الحد الأدنى من القتول والمجاريح.
والأنكى من هذا، ان الحكومة العراقية التي لم تحرز تقدما يذكر في حربها على جبهتي الأرهاب والسنة مع الفارق بينها. نراها تسعى الى فتح جبهة قتالية جديدة لتضيف حربا ثالثة على حربيها المزمنتين، ولكن مع من هذه المرة؟

مع الكرد طبعا، فها هي تحشد قواتها في مناطق (زمار) و (ربيعة) الى الشمال الغربي من محافظة نينوى، وتهدد باختراق الخطوط الدفاعية لقوات البيشمركة الكردية. وبهذا الصدد سبق وان أعلن علي الموسوي مستشار رئيس الوزراء العراقي للأعلام من ان (قوات الجيش العراقي المتجهة الى زمار لن تتراجع عن هدفها)!!

بالمقابل نجد قوات البيشمركة بالمرصاد للجيش العراقي في تلك المناطق وتصر على عدم السماح له للوصول الى معبر فيشخابور الحدودي مع سوريا واماكن اخري، ما يدل على ان الموقف بين الطرفين بلغ نقطة اللارجعة عن الحرب. وليست المناطق المشار إليها وحدها المهددة بالأنفجار اذ ثمة تحشد أخر للجيش العراقي وذلك في مناطق خانقين والسعدية وجلولاء في محافظة ديالي الحدودية مع إيران. وترافق هذه التطورات،تحركات عراقية تجابه بعدم ارتياح لدى حكومة أقليم كردستان مثل دعوة المالكي لدى زيارته الى الموصل قبل اسابيع الى انشاء (حزام نينوى ) او تشكيل قوات (دجلة)..الخ.

أن اندلاع الحرب الشاملة بين حكومتي المركز والأقليم في العراق مسألة وقت، اذا بقيت الأوضاع على حالها والتي أشبه ما تكون بحالة اللاسلم واللاحرب، ولقد علمتنا التجارب،ان الحرب مع الكرد سرعان ما تتكلل بالأنقلابات العسكرية وسقوط حكومة الحرب. صحيح ان الحرب بالمعنى الحقيقي لكلمة الحرب لم تعلن بعد على الكرد بيد أنها على ارض الواقع قائمة، فلقد سبق للأطراف الكردية وان اتهمت وذلك قبل شهور القوات الحكومية العرقية باسناد عصابات الارهاب في شرق ديالى في قتل وتهجير الكرد. ويرافق التحرك للحرب على الكرد من جانب أخر دخول العراق الى جانب ايران في الحرب على المعارضة السورية المسلحة الامر الذي لم يكن خافيا على الجيش السوري الحر الذي اتهم الحكومة العراقية بأرسال الاف المقاتلين ومن سماهم بالمرتزقة الى سوريا ووصف التحرك العراقي ب(اعلان حرب). علما أن التدخل العسكري العراقي المكثف في سوريا والذي تنفيه بغداد باستمرار، جاء متزامنا مع التحشدات العسكرية العراقية في شمال غرب نينوى وشرق ديالى، وذلك بغية صرف الأنظار عن المشاركة العراقية في الحرب السورية، مايفيد بان الحكومة العراقية من وراء تلك التحشدات توخت تحقيق اكثر من غرض.

وهكذا، فأن الحكومةالعراقية تقاتل في اكثر من جبهة وتخوض اكثر من حرب داخلية واقليمية في أن معا، مايجعل من المؤكد. الحاق الهزيمة بها في نهاية المطاف مثلما الحقت بحكومات الحرب السابقة في العراق، ولما كانت الحروب الأربع الحالية ستكلف اموالا باهضة وجندا كثيرين.فلا غرابة من قيام الحكومة العراقية بتخصيص 40% من ميزانية العراق لهذا العام للأغراض العسكرية ولوزارتي الدفاع والداخلية على وجه الخصوص ومليار و 300 مليون دولار لشراء الاسلحة من روسيا الأتحادية. ومليارات اخرى لشرائها من الولايات المتحدة، فسعيها البين لحشد مئات الألوف من العراقيين في جيش تجاوز عدد جنوده اكثر من مليون. للأدامة بحروبها الحالية وربما لخوض حروب جديدة.

[email protected]