يبدو أن صناعة quot;الديكتاتورquot; صناعة عربية بامتياز، حين غاب الرئيس العراقي الراحل quot; صدام حسينquot; عن الساحة، أعقب ذلك سنوات من التغييرات المتلاحقة إنتهت بانتخابات، أوصلت quot;نوري المالكيquot; لرئاسة الحكومة، حين أستتب له الأمر، شرعت وسائل الإعلام العرقية في البحث عن الحاكم الجديد لتمجيده، شاهدت ذلك بعيني في قناة quot;العراقيةquot; التي تبث من بغداد، وغيرها، تناقشت مع زميل الصحفي العراقي quot;يوسف الحسيني quot; حين كنت اغطي القمة العربية في اواخر مارس الماضي، أكد لي يوسف أن ذلك ما حدث بالفعل.
تذكرت هذه القصة وأنا اطالع غلاف مجلة quot;أكتوبرquot; المصرية، وقد ظهر عليه صورة الرئيس المصري quot;محمد مرسيquot; يمتطي جواداً، وكتب بالبنط العريض laquo;وتنطلق الثورةraquo;، رغم أن الرجل ليس فارساً، ولم يركب من الدواب التي تمشي على اربع سوى الحمار، بحكم أنه ريفي بسيط مثلنا، شعرت بالاشمئزاز، وكأننا لم نقم بثورة الخامس والعشرين من يناير 2011، التي أطاحت بالزعيم الملهم الذي لا يُخطىء، ويؤشر ذلك الى أن صحفاً، ومجلات، وقنوات تليفزيونية يخيل للقائمين عليها أنهم لن تقوم لهم قائمة مالم يُمجدوا الحاكم في العهد الجديد.

لم يمضي quot;مرسيquot; في الرئاسة سوى اقل من شهرين، ونسمع عن بلاغات ضد صحفيين وإعلاميين تتهمهم بإهانة الرئيس، ومحاولات لإخراس الألسنة، وقصف الأقلام، ووقف القنوات والصحف بقرار اداري، وهو سياسة عقاب جماعي يتضرر منها العاملون بهذه الوسائل، لا ذنب لهم سوى أنهم يعملون في هذه الوسائل الاعلامية، مع أن القاعدة هي محاكمة من أخطأ فقط بالقانون، ووفقا للنظام العام.

شهران فقط على تولي quot;مرسيquot; حكم مصر، ونرى عشاق التهليل والتطبيل للرئيس، عادوا ليتصدروا الواجهة فى بعض وسائل الإعلام، الرئيس quot;مرسيquot; لا يحتاج لكل هذا الطبل والزمر، فالرجل جاء عبر صندوق الانتخاب في أول انتخابات حرة ونزيهة شهدتها مصر، ولديه نوايا طيبة في النهوض بهذا البلد، وإصلاح احواله.

حين التقي الرئيس quot;محمد مرسيquot; مجموعة من القوى الثورية والسياسية في قصر الرئاسة مؤخرا، أكد لهم أنه لم يحرك بلاغاً واحداً ضد صحفى أو إعلامى، والرجل صادق في كلامه، لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو : لماذا تسمح لاعضاء في حزب الحرية والعدالة بتحريك هذه البلاغات، اليس من الأفضل التوقف عن هذه الممارسات التي تضر صورة الرئيس؟.

لماذا لا تطالب هؤلاء quot; وهم quot;ملكيون اكثر من الملك quot; الكف عن هذه الافعال، ما المانع في عقد مؤتمر صحفي بحضور وسائل الإعلام، وتدلي بتصريحات واضحة عن احترام حرية التعبير عن الرأي، ليس هناك شيء يسمى quot;إهانة الرئيسquot;، فالرئيس في نهاية المطاف موظف عام، إذا أحسن نقول له أحسنت، وإذا اساء استغلال سلطاته، ولم ينجز ما وعد به الشعب نقول له اخطأت، مع الاحترام الكامل للقانون، وأحكام القضاء لابد أن تحترم في دولة القانون.

لقد بدأ الرئيس quot;مرسيquot; عهده بداية طيبة، ورفض رفع صوره فى المؤسسات والهيئات والوزارات، والمصالح الحكومية، والميادين، والأماكن العامة، الرجل يتولى الحكم في ظروف غير عادية، تراجع اقتصادي وسياسي وصناعي وزراعي وانفلات أخلاقي، ولو جاء في ظروف عادية لملأت قصصه البيوت كرجل تقي يخشى الله، وكل خطبه وعظ وإرشاد، وهذا الدور يقوم به أخرون على اكمل وجه، عليه أن يبحث عن حل لمشاكل المصريين اليومية، يأخذ العبرة من تجارب الاخرين مثل تجربة رئيس الوزراء quot;مهاتير محمدquot; في ماليزيا.

حين استلم quot;مهاتير محمدquot; مقاليد السلطة في بلده، لم يكن المجتمع مختلفاً كثيراً عن مجمعنا المصري، بلد زراعي متخلف، شعب سلبي وكسول، لا يحترم القانون، ويأخذ من الإسلام الشكل لا الجوهر، عبر الرجل عن كل هذه السلبيات في كتابهquot;معضلة الملايوquot; عام 1970، انضم لحزب quot;المنظمة الوطنية المتحدةquot; ونجح كنائب في البرلمان، ونجح بين عامي 1981 و2003 أن يجعل من ماليزيا نمرا اسيويا، حين تولى رئاسة الحكومة كان طوال هذه الفترة يقبل الانتقادات لانه كان يؤمن بحرية التعبير.

مهما كانت الظروف، المطلوب من الرئيس quot;مرسي quot; أن يحاول جاهداً إحتواء كل مؤيده ومعارضيه، فالهدف واحد هو بناء مصر الجديدة، وتذكر جيداً أنك لست مغتصباً للسلطة، وصلت إلى سدة الحكم في مصر عبر صندوق الانتخاب، لست في حاجة إلى من يريدون أن يجعلوك فوق النقد، بل في حاجة إلى كل جهد مخلص يساهم في الارتقاء بهذا البلد.
أنت رئيس منتخب بالإرادة الشعبية الحرة، وتعلم أن الشعب ثار على نظام quot;مباركquot; لاسباب تعرفها جيداً، ومن بينها مصادرة الحريات، لا نريد أن نعيد انتاج نظام quot;مباركquot; بمسميات مختلفة، فمصر بحاجة إلى إنجاز مشروع النهضة وفق جدول زمني محدد، وليست بحاجة لصناعة ديكتاتور أخر.

إعلامي مصري