ترددت، ثم أغلقت سماعة الهاتف، لكي أهنئ أهلي وأصحابي بعيد الفطر المبارك. فكيف لي أن أقول لهم، وأنا في بريطانيا، كل عام وأنتم بخير! وقد شاهدت قبل أن أرفع سماعة الهاتف مشهداً بعد أنفجار في العاصمة العراقية وقد وقف شرطي ضخم الجثة قرب سيارة مهشمة فمسك بذراع مواطن ملقاة فوق سقف السيارة ورماها للعامل الذي يجمع قمامة بقايا المتفجرة!

كم من أسرة فجعت قبل العيد بكمية المتفجرات التي يزرعها أرهابيو السلطة وأرهابيو دول الجوار وأرهابيو النظام السابق. وهم يرددون
عيد بأية حال عدت يا عيد !؟
فيما مضى؟! أم بأمر فيه تجديد!؟

ما أثار دهشتي أن حكومة المنطقة الخضراء التلفزيونية قد أعلنت عبر قناتها العراقية أن عطلة العيد تسعة أيام معتقدين أن الناس سوف تكون مرتاحة لهذه الهبة وسيدعون للحكومة بالخير لأنها تمنحهم الفرح والراحة حتى من مشاهدة وسائل الإعلام المقرفة التي تنقل لهم أخبار المفخخات والمتفجرات.
سوف يستيقظ أهل الحكم في المنطقة الخضراء المسيجة بالكونكريت في أول يوم من أعياد الفطر المبارك والبالغة تسعة أيام بالتمام والكمال. ويؤدون صلاة العيد، الموظفون منهم وغير الموظفين. أصحاب العمائم من أعضاء البرلمان وغير المعممين من الأعضاء!

وفي الليلة الأولى ليلة العيد سنياً وقبل ليلة واحدة من ليالي العيد شيعياً وقف شرطي ضخم الجثة يرمي بذراع أحد الضحايا وكانت ذراع الضحية فوق سقف سيارة فرماها نحو عامل قمامة يجمع بقايا المواطنين، بقايا الوطن، وكانت الصورة التي رمى فيها ذراع المواطن بإتجاه الزبال قد عبرت وحدها بدون تعليق وبدون إحصائيات عن واردات النفط وإحصائيات عن حجم السرقات وعدد البطالة، عبرت وحدها دون الحاجة إلى تحليل عن معنى الوطن ومعنى العيد في العراق بعد صيام دام ثلاثين يوماً، فيما رئيس الوزراء وأعضاء الحكومة وأعضاء البرلمان يتبادلون التهاني لمناسبة العيد، ثم يشكرون السيد رئيس الوزراء لأنه منحهم quot;قانونياquot; فرصة السفر للإلتحاق بعائلاتهم في دبي وعمان وبريطانيا والآردن وقم المقدسة، حيث تتعطل الحياة كاملة في العراق على مدى تسعة أيام!

كنت أتوقع أن يشعر رئيس وزراء الحكومة التلفزيونية في المنطقة الخضراء، وأن يشعر رئيس الجمهورية المستباحة في التاريخ بالخجل بعد أن عرضت شاشات التلفزة تلك اللقطة المرعبة فيلغوا الإحتفال بالعيد إذ لا شيء يدعو للفرح ولا شيء يدعو للبهجة في وطن لم ينشأ مثله وطن في التاريخ منذ الشعوب البدائية الأولى حيث يقتل الإنسان الحيوان ويأكل لحمه ويستر جسمه بجلده، فبات الحكم في العراق اليوم، يقتل المواطن ويأكل لحمه ويستر جسمه بجلده!

وإلا ما معنى أن يرمي شرطي ذراع مواطن، يسحبها من سطح السيارة ويرميها نحو عامل القمامة الذي يجمع الأشلاء!؟
كل هؤلاء القابعين في المنطقة الخضراء أو أولئك الذين يصعدون المنابر لأداء خطبة الجمعة والسبت والأحد ويؤدون صلاة العيد أراهم والله يتجولون في المنطقة الخضراء بين غرف الفنادق وبيوت الوزراء، بين المطاعم المزدانة بالحلوى والورود الصناعية وحليب الجاموس وكيمر السدة، يتلذذون بأكل اللحم والمخللات وعلى مدى تسعة أيام، فالوطن يفيض من مياه التصريف ويفيض من تسرب النفط إلى الأنابيب الشرعية والقانونية وغير الشرعية، والوارادت تصل العراق وتعود من حيث أتت نحو المصارف الأجنبية، فما قيمة الأيام التسعة لو تعطل فيها العمل في العراق؟! اليس ثمة بضعة ملايين من المواطنين وبضعة ملايين من الأطفال المتسكعين وبضعة ملايين من الصبايا المغتصبات يتعطلن ويتعطلون عن العمل، حيث الطعام متوفر لهم في طول البلاد وعرضها في صناديق القمامة!؟

تسعة أيام تتعطل فيها الحياة في وطن لم يعد بحساب الأوطان، ومكانه باهت على خرائط الكرة الأرضية إذ يصعب قراءة أسمه ومعرفة مكانه حتى إلى جوار جيبوتي والصومال وأثيوبيا وجنوب السودان، إذ تبدو هذه البلدان المعدمة مترفة وثرية قياسا بحال العراق والعراقيين، يلبس مواطنوها الثياب التقليدية لنساء ورجال أفريقيا، وأطفالهم التي هي هياكل عظمية أكثر سمنة من أطفال العراق!
لقد كنا نردد بإعجاب وحزن عندما نلفظ إسم الجزائر حيث نرفق الأسم بتعبير بلد الميون شهيد!
العراق اليوم هو بلد الستة وعشرين مليون شهيد. والقتلة هم سكان المنطقة الخضراء ورجال المنابر في الجوامع والحسينيات!

لا تقبل الله صلاتكم ولا تقبل صيامكم! فقط أنا وليس الله من يريد أن يعرف أصولكم ويسودني الفضول والتطفل لمعرفة يوم ومكان ولادة كل واحد منكم لكي أتأكد من الصورة التي تعكر علي نومي ويقظتي حيث لم أعرف في تاريخي كل تاريخي الذي عشته في العراق لصوصاً بهذا النهم ولم أعرف قتلة بهذا الدم البارد ولم أعرف يوما أن وطني يمكن أن تحتله عصابة. كنت أعرف أن بريطانيا دولة عظمى قادرة على أن تحتل الهند والخليج والباكستان مرة واحدة لكثرة ما تملكه من قوى الغزو وأسلحة الدمار تخيف بها الشعوب فتدخل حدودهم وتنهب خيراتهم وتبني بلادها بخيرات غيرها وتروح. كنت أعرف عنف الإستعمار الفرنسي وقدرته على إحتلال أفريقيا السوداء وأفريقيا البيضاء مرة واحدة وتنهب كل خيرات أفريقيا من المجوهرات وخيرات الطبيعة ولم تكن لا الشعوب التي أحتلها بريطانيا ولا الشعوب التي أحتلتها فرنسا ولا أمريكا ولا هولندا قادرة أن تفعل شيئا حتى مع الوقت جمعت الشعوب صفوفها وسارت تندد بالإستعمار فأسقطتها فغادرها الإستعمار غير مأسوف عليه. لكنني لم أعرف شعبا يبلغ تعداده ستة وعشرين مليوناً يمكن أن تحتله عصابتين واحدة مدنية واخرى دينية، لو جمعتهم لما بلغ تعدادهم بمجموعهم ومرتزقتهم الألف شخص لا يملكون من مساحة الوطن والحكم سوى بضعة كيلومترات في المنطقة الخضراء وبضعة منابر حسينية وغير حسينية بين النجف والرمادي، يملكون القدرة على إستعباد شعب كامل يبلغ تعداده ست وعشرين مليونا من المواطنين!
هل تسمعون أيها العراقيون دوي المدافع ولا ترفعون أصواتكم ولا ترون كل هذا الخراب؟ المشرعن، أم أنكم كما قال عنكم علي:
quot; صم ذوو أسماع، وبكم ذوو كلام، وعمي ذوو أبصارquot;

إذاً، فلتذهبوا تسعة أيام بلياليها، ناموا فيها نومة أهل الكهف quot;قال كم لبثنا في الأرض عدد سنين، قالوا لبثنا يوماً أو بعض يوم. فإسأل العادين. قال إن لبثتم إلا قليلا لو كنتم تعلمونquot;!
من يسعفني بقائمة أعرف من خلالها تاريخ ومكان ولادتهم هؤلاء في المنطقة الخضراء وعلى المنابر في الحسينيات والجوامع، كي أطمئن وأتأكد أنهم ليسوا من أهل هذا الوطن!؟ بالتأكيد ليسوا من أهله وأن طردهم واجب. فليعودوا من حيث جاءوا إلى قم المقدسة وهناك يلتحق كل بوظيفته الحلاق بدكان الحلاقة والصباغ لمهنته والدباغ لمدبغتة والشرطي لمخفره ويتركون لنا هذا الوطن نعيد فيه ترتيب الأشياء والأشلاء حتى لا نصبح بحاجة إلى شرطي يرمي بذراع مواطن نحو عامل القمامة في ليلة العيد المبارك!

أتصوركم بربطات العنق والعمائم تطرقون أبواب بعضكم في أول يوم من أيام العيد الشيعية، تتعانقون وتضحكون، وكل عام وأنتم بخير، أعاده الله سبحانه عليكم باليمن والبركة!
الصورة ليست صورة العراق في كل تاريخه، وهي ليست صورة أي بلد من بلدان الدنيا وهي غير معقولة على الأطلاق وغير مقبولة على الأطلاق لأنها غريبة في محتواها، إذا كيف تحكم عصابة لا يعترف بها حتى رجال الحماية شعباً يتكون من ست وعشرين مليونا وهم ساكتون. أينتظرون أن يقوى عود الفئة الباغية الحاكمة ويتأسس جيشهم ويتفرعن أمنهم لكي تقولوا ليس بالمستطاع أزاحة هذا الكابوس فتروحون تضربون بالسيوف على جباهكم يوم أن أستشهد الحسين عطشاناً وأنتم العطشى هذا اليوم. كان الحسين مضطراً للشهادة لأنه يقود إثنين وسبعين شخصاً كلهم من الأطفال والصبايا وهو يواجه عدواً قوامه أربعة آلاف وخمسمائة مقاتل فارس بل وقاتل، وقد حرموه من ماء الفرات الجاري وأحتزوا رأسه. أما أنتم اليوم فإنكم ستة وعشرين مليوناً من حملة السيوف يقتلكم وأنتم عطشى إثنان وسبعون شخصاً من الأميين ومن سقط المتاع لا أحد يعرف أصولهم وأني والله أريد فقط أن أطمئن وسأكون شاكراً لمن يزودني بقائمة تتضمن مكان وتاريخ ميلاد كل واحد منهم لأنني أريد أن أعرف شيئا عن هؤلاء لأنهم بالتأكيد ليسوا من أبناء العراق، بل أنهم أبناء الــــ quot;......quot;!!!!!!

وإلا كيف تعرض الشاشات في ليلة العيد السنية وقبل ليلة من ليالي العيد الشيعية صورة شرطي يرمي بذراع مواطن ملقاة فوق سقف سيارة نحو العامل الذي يجمع أشلاء الوطن وفي ليلة عيد الفطر المبارك وهم يقهقهون في المنطقة الخضراء ويبكون على منابر الحسينيات! فتبكون معهم على وطن مهشم الأوصال، يرمي بذراعه شرطي لا يعرف معنى تلك اللحظة في التراجيديا الإنسانية!

كاتب وإعلامي عراقي مقيم في بريطاينا
[email protected]