الأعمال العظيمة لا تتم بالقوة ولكن بالصبر...
علمتني مسيحيتي أن الإيمان ليس كلمات فقط بل أعمال حية تؤكد على نوع الإيمان كما ذكر معلمنا يعقوب الرسول في رسالته (أرني إيمانك بدون أعمالك وأنا بأعمالي إريك إيماني لأن الإيمان بدون أعمال ميت في ذاته).
في كنيستي القبطية عرفت شهداء قدموا أرواحهم لإيمانهم لذلك وصُفت كنيستنا بأنها أم الشهداء... كنيستي كنيسة غنية بطقوسها.. بشهدائها..بقديسيها.
كنيستي كنيسة ولاَّدة قدمت للمسيحية أبطال إيمان مثل أثناسيوس الرسول وديسقوروس وكليمنضس السكندري... وحينما مر عليها وقت خمول ظهر أبنائها الأبرار المملوئين بروح الله ليقودوا طريق النهضة مثل حبيب جرجس الذي ولد في وقت لم تكن في تلك الأيام مدارس للتربية الكنسية، فشعر حبيب أنها مسؤوليته أن يهتم بإنشاء مدارس الأحد..
انطلاقاً من مسؤوليته وزع كتباً منهجية لكل مراحل التعليم في سلسلتين احداهما (المبادئ المسيحية) والثانية (الكنز الأنفس)، ولم يترك التعليم الديني معوزاً شيئاً من المعلومات بل طبع أيضاً الصور اللازمة، وأصدر مجلة (الكرمة) التي استمرت 17 عاماً كمدرسة متنقلة من بيت إلى بيت، على مستوى رفيع كل ذلك لم يكن واجباً رسمياً ملقى على عاتق حبيب جرجس بل هي غيرته التي دفعته في كل هذه المجالات... غيرته التي بدأت معه وهو طالب، ثم وهو مدرس، ثم وهو ناظر للإكليريكية منذ سنة 1918 ميلادية وبهذه الغيرة استطاع أن يقدم للكنيسة آلافاً من الوعاظ ومعلمي الدين، ومئات من الخريجيين لسيامتهم كهنة في كافة بلاد القطر.
غيرة حبيب جرجس كانت غيرة تمثل العمل الإيجابي في عمقه لم يحدث إطلاقاً أنه انتقد الضعف والضياع لأحد الموجودين في عصره، وإنما كان إن وجد نقصاً يبحث كيف يعالجه، دون أن يدين أحداً.. لقد كان رجل بناء ماهراً.. حفر أساساً.. ووضع حجرين لبنائين: أحدهما هو الكلية الإكليريكية، والثاني هو مدارس الأحد.
جاهد حتى ارتفع البناءان، وآوى إليهما أولاد الله هذه هي غيرة حبيب جرجس البناءة، العاملة، الايجابية.
هذا في مجال الخدمة والرعاية وعلى جانب الحياة المعاشة أجد أنها أخرجت شباب قادة صغار السن ولكنهم عظماء في العمل على سبيل المثال الإستاذ ابرآم لويس شاب في العشرينيات ضعيف البنية إلا أنه قوي العزيمة لم يستحمل رؤية أم مكلومة في اختفاء ابنتها وسط إهمال أمني وتواطؤ بوليسي فأنشأ رابطة ضحايا الإختفاء القسري وضم لديه عدد كبير من الناشطين الأوفياء مثل نبيل وكرم غبريال وسامح سعد وثروت بخيت، وهانى رمسيس... الكل يعمل معه لمساندة ضحايا الإختفاء القسري للفتيات القاصرات.
ابرآم لويس لم يبحث في أخطاء الآخرين فأتقن العمل الجاد، لم يهتم بشخصه بل إهتم بأسر الضحايا من الفتيات، لم ينظر حوله ليفضل هذا ويلعن ذاك ويسب آخر... كرَّس كل امكانياته لعمل عظيم... إنه مثال لكثيرين أخطأوا الطريق من المعقدين نفسياً والمضطربين سلوكياً والمعتقدين خطأ أن نجاحهم يتأتى بمحاولة اسقاط الآخرين.
ابرآم لويس أصبح نجم حقوقي تعرفه المنظمات العالمية في أوروبا وكندا وأمريكا كما معروف لنا بعمله الرائع.
على مثال ابرآم أيضاً الأخ رامي كامل الشاب الوطني المحب لمصر أحد أعضاء اتحاد شباب ماسبيرو ومعه أسماء عديدة... أتذكر سهره ثمان ليال في الشارع (ماسبيرو) لأجل قضية حقوق الأقباط وشريف رمزي، وفادي يوسف، ونادر شكري، وتونى،... و عدد من الشابات الرائعات الحقوقيات... أعتذر لعدم سرد كل الأسماء... إنهم باقة تعمل في هدوء لأجل قضية حقوقية مصرية وطنية.
تحياتي للجميع خاصة أخي ابرآم الصغير السن والجسد الذي ما زال يعلم الجميع العمل الجاد... الذي لم يبحث في أخطاء الآخرين فقام بعمل عظيم.
تُرى هل نساعد ابرآم في رسالته الحقوقية أم نكتفي بالبحث في نقائص الآخرين معتقدين أننا بهدمهم نسمو ونعلو؟!
هل نتعلم من ابرام ونقف أمام نرجسيتنا وتضخم ذاتنا معتقدين أننا الأفضل والأصلح والأذكى والواقع أننا لاشىء.
أنه درس من شخص رائع لم يبحث فى نقائص الآخرين فخدم قضيته بكل امانة.. هل يستوعب الدرس المتضخمين ذاتيا والمعقدين نفسيا اصحاب النرجسية اللانهائية...
quot; مشكلة العالم أن الأغبياء والمتشددين واثقون بأنفسهم أشد الثقة دائما، أما الحكماء فتملأهم الشكوك quot; براتراند راسل الفيلسوف وعالم الرياضياتquot; من يحيا متوافقا مع نفسه يحيا موافقا مع الكون quot; ماركوس اوريليوس الامبراطور والفيلسوف.
التعليقات