ضحكت حتى بدت نواجذي عندما طالعت الشريط الأخباري للفضائية الرسمية السورية وفيها تصريح لوزير الإعلام السوري الذي شدد على quot; أن سوريا ستفشل المؤامرة الصهيونية الأمريكية التكفيريةquot;.هذا التصريح ذكرني بالمهرج الإعلامي محمد سعيد الصحاف عندما دخلت القوات الأمريكية شوارع بغداد أثناء حربها لتحرير العراق من نظام صدام حسين حيث قال quot; أن القوات الأمريكية ما زالت مرابطة داخل الأراضي الكويتية وأنها لم تدخل أراضي العراق أو تحتل شبرا واحدا منهاquot;. وكان الرجل مشكورا عندما لم يكمل تصريحه بالقولquot; أنه على العكس فإن القوات العراقية دخلت الأراضي الأمريكية من ولاية فلوريدا، وما هي إلا أيام حتى تسقط الحكومة في واشنطن quot;؟!.

لقد إعتاد العرب وخصوصا وزراء إعلامهم أن يختلقوا الأوهام ويقلبوا الهزائم المريرة لأنظمتهم الدكتاتورية الى إنتصارات باهرة، كما فعل الصحاف أمس،ويفعله اليوم وزير الإعلام السوري، فهذا ديدنهم و طبيعتهم والكل من طينة واحدة.

فعلى حد علمي فإن إسرائيل لا تعنيها الحرب الطائفية التي يخوضها نظام بشار الأسد المجرم ضد شعبه، وإن كانت فرحة بما يفعله هذا النظام الممانع من جرائم يندى لها جبين الإنسانية من القتل الجماعي وضرب المدن وإستنزاف قوى الجيش السوري الذي يفترض أن يوجه رصاصه نحو إسرائيل لإستعادة الجولان المحتل وليس الى صدور الشعب السوري الممانع، وليست هناك لحد الآن أية أدلة بتقديم إسرائيل لأي نوع من الدعم لثوار سوريا حتى يقال بأنها وراء الثورة ضد النظام،ولاأعتقد بأن يحدث هذا الدعم أبدا، لأن الشعب السوري الثائر اليوم بوجه الطغيان الأسدي هو أكثر وطنية من نظام الممانعة، وأنه لن يساوم على حقوقه في أرضه المغتصبة من قبل إسرائيل.كما ليست هناك أية أدلة على الدعم الأمريكي للثوار اللهم إلا بعض التصريحات الصادرة عن مسؤوليهم والتي تدين الجرائم البشعة التي يرتكبها يوميا النظام الأسدي ضد الشعب الثائر، وهذا أضعف الإيمان.

الواقع أن بعض المثقفين العرب الذين ما زالوا تحت تأثير الخطاب الإعلامي الفاشي يقلدون وزراء إعلام الأنظمة الدكتاتورية المستبدة في خطابهم، ويتبدى ذلك في مقالاتهم وطروحاتهم الفكرية التي تحاول أن تختلق الإنتصارات المزيفة ضد العدو الصهيوني والإمبريالية العالمية، فلا يقبلون أي نتاج فني أو أدبي لا يتماشى مع طروحاتهم الفكرية المؤطرة في نطاق ضيق من التفكير اللاعقلاني والمخالف لروح العصر.

من جملة هؤلاء المثقفين المخدرين قرأت قبل أيام بعض المقالات التي تنتقد مسلسل فرقة ناجي عطالله المعروض على الشاشات الفضائية خلال الشهر الفضيل،ويأخذ هؤلاء الكتاب على المسلسل وكاتبه بأنه إختلق بحبكته الدرامية لقصة المسلسل العديد من الإنتصارات الزائفة من خلال عملية السطو على المصرف الإسرائيلي رغم قوة إسرائيل من الناحية الأمنية والإستخبارية، ويعتبرون الحبكة الدرامية للمسلسل بأنها مجرد أوهام لا تتطابق مع الواقع، وكأن الواقع زاخر بإنتصارات حقيقية للعرب على عدوهم الإسرائيلي،رغم أن هذا المسلسل أثار غضب إسرائيل، قبل أن يغضب الكتاب والنقاد العرب الذين يريدون من كتاب المسلسلات رواية قصص حقيقية عن المواجهة بين الدول العربية وإسرائيل.وينسون بأنه في ظل فقر الدول العربية لأية إنتصارات حقيقية على إسرائيل فإن كتاب المسلسلات مضطرون الى خلق الأوهام وحبك وقائع لا تمت الى الواقع بصلة لمجرد التسلية وجذب المشاهدين،وعلينا أن ننظر الى المسلسل المذكور من هذه الزاوية وليس إقحامها في السياسة التي فشلت الأنظمة العربية فيها كما فشلت في حروبها العسكرية ضد quot; العدو الصهيونيquot; ووجهت أخيرا بنادقها وطائراتها ومدافعها الى صدور الشعب العربي، وتصور جرائمها كإنتصارات لها.

في السبيعنات خرجت علينا هوليوود بسلسلة أفلام quot; رامبوquot; وهي أفلام مثلها الممثل الأمريكي الذي بنى مجده على هذه السلسلة وهو سلفستر ستالوني، وقصة الفلم تدور حول وجود معسكر للأسرى الأمريكيين في إحدى دول جنوب شرق آسيا، فتختار القيادة العسكرية جون رامبو المحبوس لديها لينفذ عملية إسترجاع هؤلاء الأسرى، وفعلا ينجح هذا الرامبو بالهجوم على دولة عسكرية ويبيد جيشا عرمرما بمجرد بندقية آلية وحربة وقوسا وسهما، ويسترجع جميع الأسرى المحبوسين سالمين غانمين. وتلت تلك السلسلة من الأفلام التي تمجد القوة العسكرية الأمريكية بوضوح، أفلام أخرى قام ببطولتها ممثلين آخرين من أمثال آرنولد شوارزنيجر وفان دام وغيرهم كلها تشدد على تمجيد القوة الأمريكية الهائلة، ومع ذلك لم يعترض أحد من النقاد السينمائيين على تلك الحبكة أو القصص المختلقة للأفلام التالية التي متعت المشاهدين في أنحاء العالم، فلا أدري لماذا يأخذون على عادل إمام وكاتب مسلسل فرقة ناجي عطالله كل هذه الأمور التي إختلقها المؤلف لتصوير مسلسل يمجد لقوة العرب وتفوقهم على إسرائيل؟؟.

وفي المحصلة فإن المسلسل لا يخرج عن نطاق توفير بعض المتعة والفرفشات المعتادة عن أفلام وأعمال عادل إمام،وكذلك إنتقاداته لأحوال العرب وأنظمة الحكم في المنطقة، فلماذا يحشد المثقفون أقلامهم للهجوم على هذا المسلسل الذي شد المشاهدين من أقصى المغرب الى منطقة الخليج؟.

أنا أعتقد بأن المسلسل وإن فشل بحسب وجهة نظر بعض الكتاب والنقاد، لكنه نجح من طرف آخر بفضحهم وفضح أفكارهم، فهؤلاء النقاد بتوجيه نقد تخليق الإنتصارات الزائفة الى كاتب المسلسل وقعوا بنفس الخطأ الذي إنتقدوه، حيث أنهم يريدون من كتابة مقال لنقد المسلسل أن يظهروا أنفسهم مدافعين عن العرب تجاه إسرائيل ويريدون بدورهم أن يختلقوا بكتاباتهم إنتصارا زائفا لأنفسهم من خلال دعوتهم لتكون كل المسلسلات والأعمال الفنية موجهة ضد إسرائيل والصهيونية والإمبريالية العالمية، وليس لمجرد الترفيه والضحك والفرفشة!.

من الواضح جدا أنه يستحيل على فرقة صغيرة مؤلفة من ثمانية أفراد ملتقطين من شوارع مصر أن يزلزلوا الأرض من تحت أقدام الموساد والشاباك وجميع مؤسسات الدولة الإسرائيلية، في وقت أن معظم الدول العربية مجتمعة لم تستطع أن تحقق إنتصارا ولو صغيرا على إسرائيل رغم مرور أكثر من ستين عاما على إحتلالها للأراضي العربية، ولذلك يجب أن ننظر الى المسلسل من زاوية محاولة مؤلفة لتصوير قصة خيالية وحبكها في إطار كوميدي وهذا ما نجح فيه ملك الكوميديا المصرية، ولا داعي لتقليب الحقائق وحث كتاب المسلسلات لكتابة قصص وإنتصارات وهمية غير موجودة إلا في خيال منتقدي المسلسل.

[email protected]