لا يزال من المبكر استخلاص استنتاجات نهائية عن نتائج قمة مجموعة quot;حركة عدم الانحياز، هذه الحركة التي كان يجب إعلان وفاتها عام 1989، ووضع جثمانها في متحف مخلفات الحرب الباردة بين المعسكرين السابقين. ولكن مشيئة حكام الدول أبت إلا التشبث بحركة انحرفت عن مدارها منذ وفاة مؤسسيها المؤمنين حقا بالحياد بين المعسكرين، من أمثال جواهر لال نهرو وسوكارنو، وقد تحولت تدريجيا لأداة بيد أحد المعسكرين [ السوفيتي] في الحرب الباردة بسياسات ومواقف أمثال كاسترو وعبد الناصر، المدعمة بالعواطف المتأججة بين شعوب سبق وعانت من الكولونيالية الغربية.
وإذ نقول هذا، وإذ لا نعلم ما دار من مداولات في الكواليس ولاسيما بين الجانبين المصري والإيراني، فإن من الممكن التقدم ببعض الملاحظات الأولية عن مؤتمر طهران هذا.
صحيح أن النظام الإيراني لم ينجح في البيان الختامي في الحصول على تأييد لموقفه الداعم للنظام السوري الدموي؛ ولكن هل حقا كان يتوقع مثل هذا التأييد؟ لا أعتقد. وكيف يتوقع تأييدا بحضور دول عربية وغير عربية تشجب المجازر، وتؤيد المعارضة، ولاسيما بحضور السعودية وقطر؟ والدليل أن كلمات أحمدي نجاد وخامنئي خلتا تقريبا من الإشارة للوضع السوري. وإذا قيل إن ما ورد في كلمة الرئيس المصري عن سوريا كان quot;مفاجأةquot; للنظام الإيراني، [ وكلام مرسي هذا يجب الترحيب به، وهو كلام كان يجب أن يقال منذ أسابيع بل وقبل شهور]، فإن الموقف المصري رفض التدخل الخارجي في سوريا، ودعا لحل سياسي بين الأطراف المتنازعة. وقد قال الناطق باسم الرئاسة المصرية في شرح الموقف: quot; إن الجانبين المصري والإيراني اتفقا على دعم المبادرة العربية.quot; وكان الرئيس المصري قد اقترح في مكة إشراك إيران في محاولة حل القضية السورية. فكيف يكون المنحاز لجهة واحدة مؤهلا لحل عادل؟!!.
والواقع أن ما يُرحب به في كلمة مرسي عن سورية لا ينبغي أن ينسينا أن وجوده أصلا في طهران كان خطأ كبيرا، وإذ نلاحظ قلة الرؤساء الحاضرين، خصوصا وقد ذهب على رأس وفد كبير، وكان ممكنا إرسال وزير لتمثيل مصر ليقول نفس الكلام، أو كان ممكنا لمرسي أن يقول الشيء نفسه من القاهرة. ويذكر أن الدعوة وجهت للرئيس التركي أيضا برغم أن تركيا ليست عضوا، ولكن تركيا رفضت المشاركة بأية درجة تمثيل.
في رأيي أن مجرد حضور رئيس مصر، كأكبر دولة عربية، وسبق أن تعرضت لمحاولات تخريب إيرانية بأدوات كحزب الله، كان خطا كبيرا، لاسيما وأن إيران هي التي بادرت لقطع العلاقات مع مصر.
كما نجحت إيران أيضا، دبلوماسيا ومعنويا، بحضور الأمين العام للأمم المتحدة في الوقت الذي كانت الوكالة الدولية للطاقة الذرية قد أصدرت فيه تقريرا جديدا يدين إيران مرة أخرى بتحدي المجتمع الدولي وبالمضي قدما في التخصيب ومنع المفتشين. ربما يقلل من هذا النجاح بعض الشيء حديث الأمين العام عن انتهاكات حقق الإنسان في إيران، ولكن كان واجبا عليه وممكنا له قول ذلك من نيويورك، دون قبول المشاركة في مؤتمر تتزعمه إيران نفسها، وفي مؤتمر حركة فقدت كل معنى ومغزى لها. ولعل حضوره كان مرحبا به من إدارة اوباما؟
أما البيان الختامي للقمة، فهو الذي يجسد، أكثر من سواه، النجاح الإيراني لفك العزلة الدولية . فالبيان، كما تقول نيويورك تايمس، جاء quot;أقوى تعبيرquot; لدعم الموقف النووي الإيراني باسم حق إيران في الحصول على الطاقة النووية السلمية، وهو حق لم يسبق أن اعترضت عليه الدول الغربية والوكالة الدولية. ولكن البيان يمضي أكثر ليؤيد حق إيران في quot;امتلاك الوقود النوويquot;، أي تخصيب اليورانيوم، وهذا هو بالضبط موضع اعتراض المجتمع الدولي- أي التخصيب، الذي تصر عليه إيران حتى بات لديها من اليورانيوم المخصب ما يكفي لصنع خمس قنابل نووية. وبالتالي، فإن البيان هو إدانة غير مباشرة وضمنية للعقوبات الدولية والغربية تجاه إيران. وهذا يكفي لترضية ما توخته من وراء القمة.
ولا أنهي هذا الملاحظات دون أن ألاحظ، مرة أخرى، المواقف الغريبة والمتناقضة لبعض دول الخليج المناصرة بقوة للشعب السوري، والتي تتهددها مباشرة القنبلة الإيرانية، والتي تواجه التدخل الإيراني يوميا. ففي مكة كان احمدي نجاد موضع احتفاء بروتوكولي لافت للنظر. وفي طهران لم يتعرض الوفد السعودي للقضية السورية، ولكنه ركز على الموضوع الفلسطيني. إن أمثال هذه المواقف هي في رأي تشجع النظام الإيراني على مواصلة سياساتها العنجهية والعدوانية، علما بأننا نعلم أن إيران هي المقصودة أساسا من وراء الدعم الخليجي الحازم للمعارضة السورية، وأن دول الخليج تعلن دوما للولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى عن مخاوفها من المشروع النووي الإيراني.

ملاحظة: الرئاسة القادمة تنتقل لفنزويلا شافيز، الشعبوي الهائج والمهووس. مبروك للحركة!