أحسن الأستاذ سلمان مصالحة بإثارة موضوع الانتهاكات المنسوبة لمسلحي المعارضة السورية، وإدانتها.
إن الساعين حقا لحكم العدالة والقانون على أنقاض الفاشية المجرمة وحمامات الدم اليومية التي تقيمها مدعوون ليكون مثالا حيا وعمليا وقدوة بالسلوك لمصداقية الانتساب إلى قضية الحرية والعدالة والديمقراطية التي يريدون أن تتحقق على أنقاض نظام انتهك كل المعايير والقيم الإنسانية بوحشية واستهتار منقطعي النظير.
الواقع أن الأخبار الموثقة عن هذه الانتهاكات لا تقتصر على ما يرد في بعض المواقع واليوتيوب، بل إن لجنة تقصي الحقائق التابعة للأمم المتحدة نفسها قد أعلنت للتو عن أبشع جرائم أعوان النظام، ومنها انتهاك الأعراض وقصف المستشفيات بما يرقى لجرائم حرب؛ وفي الوقت نفسه، أدان تقريرها جرائم القتل والاغتيال والتعذيب التي يمارسها مسلحو ما يدعى بالجيش الحر، وإن كانت جرائم أقل عددا وتكرارا، على حد تعبير التقرير الذي نشر في الصحف الغربية، ومنها عدد الفيجارو الصادر بتاريخ 16 آب الجاري.
إن القضية العادلة لا تعطي جواز مرور لمن ينتسبون لها لكي يعيدوا إنتاج الشر والخطيئة والبربرية التي رفعوا رايات النضال للقضاء عليها ليحل النقيض المنشود.
إن الملاحظ، منذ اندلاع الانتفاضات العربية، تجنب أي نقد لسلبيات بعض أطراف المنتفضين ومواقفهم المناقضة للقضية التي هبوا من أجلها بحماس وتضحيات. وهذا واضح خاصة عندما اتخذ بعض الانتفاضات طابعا مسلحا كالانتفاضتين الليبية والسورية. وخلال الأحداث الليبية كانت تقارير دولية محايدة تتحدث عن انتهاكات يقترفها المسلحون المعارضون: من إعدامات اعتباطية، وتعذيب في السجون، واعتقالات عشوائية؛ ولكن لا الدول التي دعمت الثوار،عربية وغربية، ولا المجلس الانتقالي، ولا معظم المعلقين والمثقفين العرب، قد التفتوا التفاتة جادة لتلك التقارير، أو لعلهم اعتبروا أمرها ثانويا بالقياس لجرائم القذافي ورهطه. وكان ما كان فيما بعد من طريقة مقتل القذافي بطريقة همجية وغوغائية بشعة. ولم نسمع أن أحدا من المنفذين والمسؤولين عن كل الانتهاكات المذكورة قد اعتقل وحوسب بعد زوال النظام السابق.
صحيح أن جرائم بعض الطغاة تبلغ من الكثرة والتكرار والوحشية مدى يشعر معه الضحية بحقد طاغ وبرد فعل عاطفي يسوغ له فعل كل شيء. وقد نفهم- دون أن نبرر- لو وقع بعض العاطفيين والمندفعين من مناضلي القاعدة الشعبية في هذا المسلك؛ ولكن ما بال القيادات والزعامات التي ترفع الرايات، وهي المدعوة لتكون صمام الأمان أمام الاندفاعات الغرائزية الثأرية للجمهور الثائر!!
إن التجربة العراقية تقدم دروسا بليغة في هذا الشأن. ولقد افتخر مؤخرا قاض عراقي فاضل ndash; وهو في معرض التماهي في مدح المالكي ndash; بأنه يعتز بحضوره مع المالكي عملية إعدام صدام حسين.
لو جاءنا بمثل آخر، لما كان من بأس، فتقييمه العالي للمالكي رأي يجب احترامه على أية حال. ولكن قاضينا نسي أنه رجل قانون وعدالة، وأن طريقة إعدام صدام كانت بشعة وثأرية مقززة ومبتذلة بحيث أن مثقفين عراقيين كانوا من ضحايا النظام السابق سارعوا لإدانة تلك الطريقة التي أساءت لعدالة القضاء وحكم القضاء، وطالبوا بمحاسبة المنفذين والمشرفين. وحين أصدر بيل كلينتون قانون quot; تحرير العراقquot;، وقدم العون لفريق من الأحزاب والشخصيات العراقية، فإنه، لا هو، ولا جورج دبليو بوش من بعده، قد اهتموا بتاريخ وسير وسجلات كل واحد من تلك الأحزاب والشخصيات. والحقيقة أن بينهم من كانوا قد انخرطوا في عمليات إرهابية داخل العراق وفي الخليج بمعية حرس الثورة الإيراني وتحت قيادته. ومنهم من كانوا مسؤولين عن انتهاكات تمت خلال انتفاضة آذار 1991 العفوية: من قتل، وتخريبن ونهب، واغتصاب، وإعدام أسرى عراقيين. إن أصحاب تلك الأعمال والعقليات الغرائزية والفئوية هم الذين راحوا يعيدون إنتاج صدام بعد تسلم الحكم: من تشبث بالسلطة، وسجون سرية، وتعذيب بآلات تعذيب مبتكرة كالمثقب الكهربائي وسواه، وغير ذلك من جرائم. وبدلا من إقامة نظام ديمقراطي عادل وحكم القانون، وصلنا لدولة عراقية فاشلة بكل المعايير، ولاسيما انتشار الفساد، والمناحرات والمساومات الفئوية، وتبادل الاتهامات بين أطراف الحكم بفتح ملفات الخصوم، فيما الملايين تهدر، والخدمات في خانة الصفر، والمواطنون يعانون الويلات من انقطاع الكهرباء. وهذا وضع لا نتمناه لأي شعب آخر، عربيا كان، أو غير عربي. ....
مع التحية لنضال الشعب السوري.