أحيانا كثيرة يتمنى المرء أن يخرج عن حدود اللياقة والأدب ونظافة وعفة اللسان والخلق القويم، فيسب أو يلعن أو أن يأتي بألفاظ أو حركات أو إشارات قبيحة سافلة ومنحطة، وذلك عندما يسمع أو يقرأ بعض تصريحات المسئولين والشيوخ والكتاب والمثقفين والإعلاميين من أنصار جماعات وتيارات الإسلام السياسي في مصر، هذه التصريحات التي أولا تنتقص من العقل وتسفهه وتنال من وعيه وتطعن الوجدان وتتجاهل حسه، وثانيا تنحرف بآيات الله وأحاديث رسوله وتؤولها زورا وبهتانا لتحقيق أهواء ومصالح شخصية سلطوية دونية، وثالثا تحط من مبادئ ومفاهيم المقومات والثوابت الأخلاقية والوطنية والسياسية المتعارف عليها في العقل والوجدان الجمعيين للأمة، ورابعا تنم عن جهل فاضح بتاريخ مصر القديم والحديث وطبيعة التركيبة الاجتماعية لشعبها والمكونات الثقافية والحضارية، وخامسا تكشف عمى العقل والوجدان بالدين قرآنا وحديثا شريفا ومذاهب وتفسيرات وتواريخ.

لقد بدأ الشعب المصري يمل هذا الهوس الجنوني في استخدام الدين مطية لتحقيق مآرب شهوانية في الاستحواذ والاستيلاء على السلطة والبقاء فيها، بل بدأ البعض ينفر من التفسيرات والتأويلات الدينية التي تخرج من شيوخ ودعاة الفضائيات والجوامع والمساجد والزوايا، ويرون أنها أشبه بزجاجات العطور المغشوشة التي تمتلئ بها الأرصفة والأكشاك في الشوارع والحواري والأزقة، فهي تفسيرات وتأويلات مغشوشة ليست من الدين وإن حملت رائحة الدين.

فليس معقولا أن يعيش المرء في كابوس الإدعاءات الكاذبة باسم الله ورسوله، باسم الإسلام، دعوات لتكبيل وقمع المجتمع وهدم المؤسسات الدينية مثل الأزهر الشريف، ودعوات للتكفير وإهدار الدم واستباحة الأعراض والتقاتل والاستيلاء على المقدرات وهدم الثوابت الوطنية، ما علاقة الله ورسوله بشهوة فلان أو فلان أو فلان للسلطة أو للمال، ما علاقة الله ورسوله بالمشروعات التسلطية الشهوانية الدنيوية؟.

تصريحات خرجت وتخرج علينا ليل نهار تقض مضاجعنا بعضها يرى الرئيس مبعوثا إلهيا وقراراته مؤيدة من الله، ويذهب بعضها إلى أن كل قول أو تصريح لأحد قيادات جماعات وتيارات الإسلام السياسي مدعوما ومسنودا بل ربما منزل من الله وبالتالي منزه ومقدس، فالشيخ حازم أبو إسماعيل يكسب توقيت إعلان حزبه قدسية باعتبار أنه quot;سيكون آية من آيات اللهquot;، وأمين عام جماعة الاخوان المسلمين محمود حسين يرى أن جماعته ربانية، والمرشد العام يدعو للجهاد في سبيل الله ضد المصريين المعارضين لمشروعه الإسلامي.

ما علاقة الله وشرعه بفشل أو نجاح سياسات مرسي الدكتاتورية؟ ما علاقة الله وشرعه بقرارات مرسي التي ترسخ له مستبدا أعظم؟ ما علاقة الله وشرعه بتقديس أبو إسماعيل لتوقيت إعلان حزبه؟ ما علاقة الله وشرعه بجماعة سلطوية؟ ما علاقة الله وشرعه بالسب والقذف وانتهاك الأعراض؟ ما علاقة الله وشرعه بالكذب على الناس والكذب على الله وشرعه؟ إلا إذا كان هؤلاء يتلقون وحيا لكن ليس من الله أو تنزل عليهم آيات ليست من الله، ما علاقة الله وشرعه بمصابين بمس شيطاني يصور لهم وساوس تجعل من الباطل حقا ينبغي إتباعه.

ما الذي يمكن أن يعلق به المرء على مثل هذه التصريحات التي تتواصل دون خوف من الله أو خجل منه جل وعلا؟ أو احترام للعلم والعلماء؟ وتصيب أي إنسان سوي بالمرارة والإحباط والاكتئاب، وتدفع إلى اليأس في أي أمل للخروج بالبلاد مما أصابها من انهيار قيمي وأخلاقي في كافة المجالات.

إن خطورة الاستخدام السلطوي لاسم الله وشرعه تتمثل في أنه أدي إلى حالة من الاستسلام إلى جاهلية وتخلف وظلام هذه الجماعات والتيارات وسط قطاعات كبيرة من الشعب المصري، خاصة أن 50 % من هذا الشعب يرزح تحت وطأة الجهل والأمية والفقر والمرض، وكون أهداف ومخططات هذه الجماعات والتيارات تتخلص في الانقضاض على السلطة والاستحواذ على الأمة فإنها تعمد إلى استعباد الشعب وسوقه كقطيع من الغنم باسم الله ورسوله، حتى لقد وصل الأمر إلى أن تتلقى هذه القطاعات الشعبية خاصة في الصعيد والأرياف والأحياء الشعبية بالمدن الكبرى أقوال شيوخ مثل محمد حسان والحويني ومحمد بديع وعبد المقصود وأبو إسماعيل وغيرهم كآيات منزلات من السماء، لا يقبل مناقشتها أو الاختلاف معها بل يكفر من يطعن فيها.

يقولون أنهم يسعون لنصرة الله وشرعه، وفي حقيقة الأمر هم يسعون إلى استعباد الشعب وتقويض دين الله والإساءة إليه ودفع الناس إلى التشكك بما جاء به، فماذا يمكن أن تعتقد النسبة العاقلة والواعية الفاهمة من الشعب؟ وماذا يمكن أن تعتقد الشعوب الأخرى التي تتابع ما جرى ويجري؟ عندما تسمع من ينتهك الأعراض باسم الدين؟ وماذا تقول عندما تسمع دعوات قمع وقتل واستحلال دم المخالفين في الرأي؟ وماذا تعتقد عندما تري وتسمع كل هذا النفاق والكذب والخيانة؟ حتما سوف تتساءل: هل هؤلاء يدينون بدين الإسلام؟ هل هذا ما جاء به الإسلام؟.

إن تاريخ الإسلام القديم والحديث لم يشهد حتى على جانب أعدائه وليس أبنائه أن أصبح وسيلة للسخرية والاستهزاء والتهكم والتنكيت داخليا وخارجيا كما يحدث الآن، بفضل العته والجهل والتخلف الذي يبثه شيوخ ودعاة وأنصار وقيادات جماعات وتيارات الإسلام السياسي، لقد جعلوا من الإسلام والمسلمين مادة لصناعة الضحك.
إن جماعات وتيارات الإسلام السياسي الآن تقدم لأعداء الإسلام أعظم ما يمكن أن تقدمه لها من نيل من الإسلام وتشويه لرسالته، ولسوف يستخدم هؤلاء الأعداء حصيلة واسعة ومتنوعة توفرت في زمن قياسي من المقالات والفيديوهات والتسجيلات والأحداث والوقائع للطعن في الإسلام والمسلمين.

لقد ارتكب الرئيس وجماعته وأنصارهما من جماعات وتيارات الإسلام السياسي ضد الإسلام جرائم يعلم الله وحده ضرر تأثيرها وخطورتها على مستقبل الإسلام والمسلمين.. ولا يبقى إلا أن نقول لهم جميعا quot;حسبنا الله ونعم الوكيلquot;، وهذا أبسط وأعمق وأرقى ما يمكن أن نعلق به على ما يرتكبونه.