يبدو أن مولانا دولة الرئيس السلطان نوري المالكي وهو يعيش على إيقاعات المخاوف من إنبثاق ربيع ثوري عراقي بات حقيقة وليس خيال أو أوهام كما يحلو للبعض التصور، قد وصلته أصداء الهتافات والمطالبات الجماهيرية الشعبية العراقية التي صدحت بها حناجر الجماهير المظلومة بعد طول صمت و ترقب و إنتظار لإنفراج معين أو ان يشعر حكام الفشل بالخجل و يتداركوا الموقف قبل أن يلوت وقت مندم !، ولكن هيهات ثم هيهات للطغاة أو مشاريع الطغاة من أن يتعظوا أو يتعلموا شيئا من تجارب أسلافهم المريعة و الشنيعة التي أوردتهم موارد الهلاك، فما أكثر العبر و أقل الإعتبار، لقد إستجاب رئيس حكومة دولة القانون افتراضية لمطلب جوهري و رئيسي و مركزي وهو إطلاق سراح المعتقلات من العراقيات و بعضهن متهمات بملفات إرهاب خطيرة كما أعلنت السلطة!، ولكنه وهو يصدر ( مكرمته ) و يعفو ويصفح قد تناسى إن العفو عن الإرهابيين المفترضين لا يكون بكبسة زر! و لا بقرار سريع يصدره السيد الرئيس برمشة عين بعيدا عن المسطرة القانونية أو الإجرات الفنية الأخرى وحيث تم إلغاء دور القضاء العراقي بالكامل وهو مؤسسة سيادية مستقلة دستوريا كما هو مفترض و معلن!، لتكون سلطات المالكي في الإتهام و العفو و الصفح وحتى إلغاء الإعدام أشبه بالسلطات الرهيبة التي كانت للرئيس العراقي السابق صدام حسين و الذي كان يصدر أحكامه القراقوشية وفقا لنص الفقرة أ من المادة 42 من الدستور العراقي المؤقت السابق!!، بل أن المالكي تجاوز تلكم السلطات بكثير لأن صداما لم يكن يصف نظامه بالديمقراطي بل كان يعلم و يتصرف وفق نظام الحزب الواحد القائد!!، ولكن السيد نوري القانوني قد سبق الأولين و الآخرين بتناقضاته و محاولاته الضحك على الذقون ؟ فكيف يعفو عن إرهابيين إعتقلتهم سلطات ( ديمقراطية ) و حكمت عليهم محاكم ( ديمقراطية ) و تم إغتصاب بعضهن بطريقة ( ديمقراطية ) وعلى النمط الديمقراطي الإيراني المعروف ؟.. فعلا إنها مسألة محيرة فقهيا وقانونيا، فنوري قد إمتلك سلطات الأرض و السماء وباتت كل المطالب تقدم إليه ليفصل فيها في لحظات ودون مراجعة أو أخذ رأي الخبراء الدستوريين!! وفي ذلك ( قمة الديمقراطية ) وفقا لنظرية ( حزب الدعوة ) الديمقراطي في النشوء و الإرتقاء و التطور!!.
وبين عفو مالكي كريم و باذخ، ومطالب جماهيرية باتت تتسع أطرها و يرتفع سقفها، وتجذب أطراف عديدة لها من بينهم أطراف في التحالف الطائفي ذاته، يمتشق المالكي وبإتقان نظرية ( معاوية بن أبي سفيان ) في الحكم و السلطة، فهو يتبع علنا و من خلال خطاباته الجماهيرية التي زادت وتيرتها حتى تحولت لحالة إسهال خطابي مستمر سياسة الترغيب و الترهيب أو العصا والجزرة أو السيف و السوط و الحلوى، فهو الذي يعفو ويصفح و يطوي الملفات بجرة قلم و بأساليب ميكافيلية و براغماتية محضة، لم ينس ابدا ان يرفع سوطه وسيفه و يهدد بقولته الكلثومية الخالدة ( إنما للصبر حدود )، و يتوعد الجماهير الرافضة و الحانقة بسيف السلطة أو الدولة البتار، وبقدرته التكتيكية على تدمير الحراك الجماهيري الستراتيجي من خلال تفعيل دور ميليشياته المباركة في قمع الجماهير و سحلها ( ديمقراطيا ) مؤكدا و بشكل عملي و ميداني قولة الرئيس المصري الراحل انور السادات ( قدس سره ) بأن للديمقراطية أنياب و مخالب!! و بانه ( سيفرم ) المعارضة إن هي تجرأت وحاولت إزاحة ( الباب العالي ) فضلا عن خلعه!!، المالكي كما يبدو من خياراته و تصريحاته الملتهبة على إستعداد للذهاب لأبعد مدى من اجل عدم الرضوخ للحقيقة و الإستمرار في سياسة المناورة و محاولة التحذلق وخلق ظروف توتر إقليمية مع الجار التركي حيث لم يتردد في إتهام حكومة السيد أردوغان بالعمل من أجل تقسيم العراق؟؟ رغم أن من يقسم العراق فعلا هي السياسات الطائفية وغير المسؤولة وحالة الهرجلة السلطوية وإفتعال المشاكل مع أطراف العملية السياسية، و التملص من الإلتزامات السابقة مع الشركاء بما فيهم حلفاء التحالف الشيعي نفسه!، فهو يرمي بدائه على الأتراك ثم ينسل برشاقة محاولا اللعب على الزمان و المكان و فرقاء العملية السياسية.
ولكن هل يرتكب المالكي جناية التعدي على الجماهير متسلحا بسيف الدولة البتار، ليكرر مصائب و بلاوي حكام البعث العراقي السابق ؟، الطريف أن أدبيات المعارضة العراقية السابقة التي تحولت لاحقا بسبب بركات و دماء جنود المارينز الأمريكي لسلطة حاكمة غالبا ماتذكر حكاية تصدي نظام البعث السابق في عام 1977 لمسيرة دينية في الطريق بين النجف و كربلاء في منطقة ( خان النص ) وحيث منعت السلطات وقتذاك المسيرة و أعتقلت عددا من المشاركين وحكمت على بعضهم بالإعدام و كان منهم المرحوم السيد محمد باقر الحكيم الذي تم العفو عنه لاحقا، لأن النظام السابق كان شموليا لا يعترف بالديمقراطية ولا يدعيها أصلا!! و الطريف أيضا إن من بين ضحايا تلك الحادثة بعضا من كبار المسؤولين البعثيين السابقين الذين عينهم النظام كحكام ضد المعارضين وحيث رفضوا إصدار احكام الإعدام الجاهزة وكانوا كلا من وزير الصحة الراحل الدكتور عزة مصطفى، و القيادي البعثي الراحل أيضا فليح حسن الجاسم وكانت التهمة ( ضعف الإيمان الحزبي )!!، و لكن ميليشيات دولة القانون الديمقراطية جدا وحتى الثمالة ستتصرف بطريقة إنفجارية على ما يبدو تشبه طريقة التصرف مع جماعة ضياء الكرعاوي أو تنظيم جند السماء في قرية الزركة بالقرب من النجف وحيث تم قتل أكثر من 650 مواطن عراقي دون أن يرف جفن السلطة وفي زمن حكومة المالكي عام 2008!! وتمت تلك العملية وأنتهت بغموض كما أنتهت أشياء كثيرة لم يطلع المواطن العراقي على خباياها بل ن الملايين لم تعد تذكرها للأسف..
لقد أعلنها مولانا نوري القانوني دون مواربة بأنه سينتقم من الرافضة لنظامه و لأسلوبه في إدارة السلطة... فهل نحن على أبواب مجزرة عراقية جديدة ؟... كل الإحتمالات ممكنة في زمن التيه العراقي العظيم...
التعليقات