قرر أوباما أخيرا تعيين السناتور الجمهوري السابق هايغ وزيرا للدفاع في نفس الوقت الذي صدر فيه تقرير أميركي حكومي عن الانتشار الجاسوسي والإرهابي الإيرانيين في أنحاء مختلفة من العالم، وصولا للأرجنتين. وبحسب التقرير المذكور، فإن ما لا يقل عن 30 ألف عنصر استخباراتي إيراني منتشرون حول العالم على نطاق جغرافي يمتد من لبنان وحتى أميركا اللاتينية.
في مقال سابق أشرنا إلى رجحان وقوع التعيين المذكور وحسابات أوباما المحتملة.
صحيح أن الوزير الجديد صرح ذات مرة منددا باللوبي اليهودي في أميركا، وهو ما يفرح العرب أجمعين برغم أن مجرد التصريح لا يعني بداية انقلاب دراماتيكي في العلاقات الأميركية ndash; الإسرائيلية حتى لو كان اوباما من نفس هوى الوزير من دون إعلان، وإنما قد يكون الغرض ترضية العرب، والخليجيين خاصة، مع أن الغرض الحقيقي من التعيين هو في مكان آخر. كما أن الوزير الجديد كان قد عارض حربي أفغانستان والعراق، وهو ما يلتقي تماما مع هوي الرئيس الأميركي. وفي الموضوعين ثمة قرابة فكرية وسياسية بين الوزير والرئيس الذي لا يريد أن تكون للدولة الكبرى كلمة قوية في القضايا الدولية.
إن الرمز والمغزى الحقيقيين لهذا التعيين ليسا في احتمال استدارة في العلاقة مع إسرائيل، دون أن ينفي ذلك احتمال بعض المواقف التكيتيكة الجزئية المزعجة لنتنياهو.
إن ما وراء هذا التعيين هو أن الوزير من أشد المطالبين بالمرونة المفرطة مع إيران واستبعاد كل خيار غير دبلوماسي وذلك مهما فعلت إيران حتى ولو أنتجت القنبلة. وهذا يتفق مع هوس أوباما، منذ توليه الرئاسة الأولى، في التوصل لصفقة مع نظام الفقيه تعطيه مغريات كثيرة، منها الاعتراف بدوره المحوري في المنطقة، بشرط انتزاع وعد بعدم إنتاج القنبلة النووية؛ وأما إذا حدث وأعلنت إيران فجأة عن تصنيعها، فمقابل وعد بعدم استخدامها. وهذا لو تم سيعني ترك الخليجيين خاصة لوحدهم أمام أنياب الغول الإيراني النووية وشبكاته التخريبية والجاسوسية. كما يعني حيادية وسلبية أميركا تجاه النشاطات التخريبية الإيرانية حتى في الدول القريبة منها جغرافيا، وتظافر إيران مع الدول المعادية كفنزويلا وبوليفيا وكوريا الشمالية وغيرها. وهنا نتفق مع تحليلات أمير طاهري القائلة:
quot; يهئ أوباما الأجواء من اجل الاستسلام لملالي طهران. ومن المفارقة أن هذا قد يأتي في وقت يحتاج فيه النظام الإيراني بشدة- في أشد مراحل ضعفه- إلى تحقيق نجاح على صعيد السياسة الخارجية كي ينقذ نفسه. وربما يؤدي التوصل إلى صفقة بين أوباما والملالي إلى إظهار أن الولايات المتحدة، غير المستعدة للدفاع عن مصالحها الخاصة، لا يمكن أن ينتظر منها المخاطرة بالدفاع عن مصالح حلفاء سابقين.quot; [ الشرق الأوسط في 4 يناير الجاري].
إن سياسات أوباما الخارجية، التي وصفها ذات مرة معلق أميركي بسياسة quot;صفع الحلفاء ومد اليد للأعداءquot;- لها دور كبير في ما حل بمنطقتنا من أوضاع كارثية جراء انفلات العنجهية الإيرانية ومصادرتها للأجندة السياسية في لبنان وفي العراق- الذي تركت واشنطن فراغا لتملؤه إيران، التي، في الوقت نفسه، تزيد من تدخلها في اليمن، مع مواصلة دعم جزار دمشق بكل الوسائل. كما أن لهذه السياسات دورا مباشرا في هيمنة الإسلاميين، والإخوان خاصة، على دول quot; الربيع العربيquot;، وتجرؤ الإخوان المسلمين المصريين حتى على محاولة تدمير امن وسيادة دولة الإمارات العربية المتحدة كما انكشف في موضوع الخلية الإخوانية هناك.
أمام هذه الحقائق المخيفة، فإن تصريحا سابقا لوزير الدفاع الجديد ضد اللوبي اليهودي لا ينبغي تحميله ما هو فوق طاقته ونسيان المغزى الحقيقي لتعيينه والعواقب الخطرة المحتملة المترتبة على ذلك.