في أحد تقارير إيلاف الأخيرة، معلومات عن استعداد حكومات الدول العربية والإسلامية للمطالبة مجددا من الجمعية العمومية للأمم المتحدة باستصدار قرار يدين quot;الإساءة للأديانquot;. وقد سبق لي معالجة القضية في مقال بعنوان quot; إشكالية quot; الإساءة للأديانquot;.. فلنبدأ بأنفسنا!!quot;
أجل، فلننظف أمام عتبات بيوتنا وما في داخلها أولا قبل أن نوجه لوما أو إدانة للآخرين بتهمة إساءتهم للإسلام الحنيف. فلنتابع ونفحص ما يدرس في مدارسنا، ولاسيما المدارس الإسلامية حتى إن كانت في الغرب، وما يذاع في الفضائيات واليوتيوب والفيسك بوك، وما يفتي به معظم أئمة الجوامع والحسينيات، و أينما كانت.
ترى ماذا نرى ونسمع ونقرأ في الغالب الأعم غير تكفير غير المسلمين [ quot;الكفار الكتابيينquot;، على حد تعبير علماء الشيعة في العراق]، واعتبار الإسلام وحده دين الله الحق؟! وما هي الثقافة والممارسات الطاغية في العالمين العربي والإسلامي غير محاربة الحرية الدينية، وإدانة الذي يبدل دينه بالموت، وتجريم التبشير بالمسيحية بينما التبشير الحر بالإسلام جار على قدم وساق في الغرب نفسه؟؟ وفيما يموج الشارع العربي والإسلامي ويفور ويهيج ويثور لفيلم سيء ومسيء، أو لرسم تتعدد تفسيراته، فإنه يصمت عن موجات قطع الرقاب وعمليات التفخيخ والتفجير والخطف، وحرق الكنائس وقتل المسيحيين، التي يقترفها المتطرفون والإرهابيون باسم الإسلام الحنيف في كل مكان وكأنما القتل والموت هما عنوان الدين ومحتواه! وإذ يتحدثون عما يسمونه بالإسلامفوبيا في الغرب، نرى بين الجاليات المسلمة في الغرب حشودا تفرض سلسلة من عاداتها وممارساتها المنافية لقوانين الغرب وقيمه ومبادئه الديمقراطية، [*]، مستغلة مساحة الحريات والتسامح، والمرونة المفرطة في القضاء، ومواقف بعض تنظيمات اليسار الغربي ومنظمات تشتغل باسم معاداة التمييز العنصري والديني، وباسم quot; التعددية الثقافيةquot; والحق في الاختلاف. أجل، إن الحق في الاختلاف مبدأ ديمقراطي وركن من أركان التسامح ولكنه لا يعني الحق في الاختلاف في الواجبات والحقوق ما دمنا في الغرب وعلينا احترام قوانينه وأعرافه السارية. وأعيد التذكير هنا بكتاب كريستوفر كالدويل، المؤلف الأميركي، الصادر عام 2009 والذي سبق لي التوقف عنده استعراضا وتحليلا في مقال بعنوان quot; كالدويل عن ثورة ستغير وجه أوروباquot;- 31 مارس 2012.
نعود لهذا الموضوع على أثر خبر الفتوى التي نشرها على صفحته في موقع quot; فيسك بوكquot; [انظر تقرير إيلاف في 25 ديسمبر الجاري] مسجد الإمام علي بن أبي طالب في سيدني، ويديره لبنانيون، [يظهر أنهم من حزب الله وبتمويل إيراني]. الفتوى تحرم على المسلمين الاحتفال بأعياد الميلاد أو التهنئة بها كأن تقول quot;عيد ميلاد مجيدquot;. وأمام ضجة الاستنكار، اضطر المسجد لسحب الفتوى من الموقع الاكتروني وتحميل المسؤولية على شاب يافع نسخ فتوى وردت على موقع إسلامي آخر. وكانت رئيسة وزراء أستراليا قد نصحت الجالية المسلمة قبل شهور بالسعي للاندماج في المجتمع ماداموا قد تقبلوا الهجرة واللجوء والتجنس، ويتمتعون بكل المعونات والحريات؛ ولكنها حذرت من أن أمام الذين يتصرفون على النقيض خيار ممارسة حرية أخرى تقدمها لهم أستراليا، وهي حرية ترك البلاد.
الفتوى المذكورة ليست بالفتوى الإسلامية اليتيمة، بل، وكما بين المسجد نفسه، هناك مواقع إسلامية أخرى تروج للفتوى نفسها. وقبل مدة ظهر في تلفزيون دبي داعية يجيب على سؤال مسلم أميركي يقول له إن جيرانه طيبون ويساعدونه كثيرا، ويلحون عليه لمشاركتهم في الاحتفال بعيد الميلاد في الشقة. فهل يفعل ذلك. الجواب كلا، فهذا حرام. ويقال للرجل ما معناه quot;دفعا للحرج اترك شقتك قبل يوم الاحتفال لمكان آخر ولا تعد قبل نهاية الاحتفالاتquot;!! ونعرف أنه كانت لدولة الإمارات مشاكل كبرى مع تنظيمات ونشاطات الإخوان المسلمين والسلفيين، وفي وقت ما استطاع الإخوان بسط الهيمنة على وزارة التربية نفسها برغم جهود الدولة باتجاه التطوير والتحديث و والانفتاح- وهذا دون نسيان خطر النشاط الإيراني أيضا هناك.; وأما المزيد [ ألّهم زد ولا تبارك لهم]، ففتوى مفتي واشنطن محمد الحلوائي، الذي يحرم أن يلتقط أطفال المسلمين الصور مع سانتا كلوز- [ بابا نويل]- الذي يعشقه أطفال العالم لكونه مرتبطا عندهم بتوزيع الهدايا في عيد الميلاد بلباسه الأبيض ndash; الأحمر ولفة رأسه البيضاء، وعربته الأسطورية. هذا المفتي العتيد يبرهن على إصرار الدعاة المسلمين في الغرب على عدم الاندماج مع المجتمع وعلى العزلة والتفرد والتوقع باسم الدين. وكانت شجرة العيد ، ولا تزال، موضع اعتراض الكثيرين من المسلمين في الغرب، وحتى تلاميذهم، كما حدث ذلك مرارا في فرنسا [ تحدثنا عن ذلك عند تناولنا لكتاب quot; الإسلاميون هم هنا بالفعلquot;- 2004 ]. ونجد اليوم ثمة اعتراضات من تلاميذ وعائلات من المسلمين، في مدن فرنسية ودانيماركية وغيرها، لوجود شجرة الميلاد في المدارس بذريعة أنها رمز ديني مع أنها تحولت لتقليد شعبي يمارسه حتى غير المتدينين في الغرب، ووجودها مصدر بهجة للأطفال بأنوارها وهداياها[ اضطرت مديرة مدرسة فرنسية في مدينة خارج باريس للاستغناء عن الشجرة أمام هذه الضغوط]. ونذكّر أيضا بما حدث عام 2000 في ستراسبورغ الفرنسية عشية العيد، كما روى لنا ذلك مؤلف الكتاب الفرنسي quot; الإسلاميون هم هنا فعلاquot;. فقد تسلل الجزائري بخاري وزميله من ألمانيا لأخذ صور للكاتدرائية عشية الاحتفالات لنسقها، وكيف رأوا الناس في الشوارع يرقصون وفرق الموسيقى تعزف وبابا نويل يوزع الهدايا والأضواء تتلألأ. وراح الإرهابيان يأخذان الصور، وبخاري يقول لزميله:
quot;هذه كنيسة أعداء الله. وهاهم في الساحة يرقصون سعداء. وإن شاء الله، سوف يذهبون للجحيم.quot; وقد اكتشفت خطتهم لتدمير الكنيسة الكبرى وتدمير الساحة واعتقلا.
إن هذه الحوادث والفتاوى، التي تثير الاشمئزاز والاحتقار والإدانة، تقترن باستمرار الاعتداءات على المسيحيين في كثرة من دول العالم، وخصوصا في العالمين العربي والإسلامي ونيجيريا- بجانب مالي. وفي تقريرين دوليين أشارت إيلاف لأحدهما ونشرت الفيجارو عرضا وتعليقا على ثانيهما، يتبين أن المسيحية هي الدين الأكثر تعرضا للتضييق والتمييز في العالم. والخطر الأكبر يأتي من المتطرفين الإسلاميين، ولكن أيضا من دول دكتاتورية شمولية كالصين وكوبا. وقد اضطر البابا إلى أن يخص الصين وموقفها السلبي من الحرية الدينية في خطابه الأخير مع أن بين المليار صيني لا يوجد غير أقل من ستة ملايين مسيحي لا غير. ولكن النظام الصيني الشمولي يعتبرهم خطرا على نفسه، مثلما يعتبر الإسلاميون أن المسيحية والأديان الأخرى خطر على الإسلام تجب مواجهته. وبينما يطالب المسلمون في الغرب بالمزيد من التنازلات باسم حرية التنوع والتعددية، فإن المسيحية مهددة في العديد من الدول الإسلامية وغيرها. ووفقا للخارطة التي نشرتها الفيجارو [ عدد 18 أكتوبر 2012 ]lsquo; فان وضع المسيحيين يزداد تدهورا خاصة في مصر وتونس وليبيا [ الربيع العربي!!!] وفي نيجيريا[ ياكو حرام]، بينما هي مهددة تماما في دول كباكستان وسورية وبعض دول الخليج. ولعل من المفيد هنا تكرار تذكير الكاتب الكويتي حمود الحطاب لنا بحدث تاريخي مهم، وهو كيف أن مسيحيي الحبشة في عهد النجاشي هم الذين حموا المسلمين وأعطوهم حق اللجوء السياسي، وحموهم برجولة وشجاعة من أبناء جلدتهم وعمومتهم، ومنع المطالبين بهم حين جاؤوا يطالبون بطرد المسلمين من الحبشة. وللتذكير أيضا يجب الحديث هنا عن منح الغرب حق اللجوء للآلاف من العرب والمسلمين الهاربين من جحيم بلدانهم العربية والإسلامية، ومنهم المئات من كوادر الأحزاب الدينية التي عادت [ كما في العراق مثلا] لتحرض ضد الغرب والمسيحية وتروج للتطرف الديني والطائفية. ومن دعاتهم من يحرضون على العنف والإرهاب وهم في ضيافة السخاء الغربي نفسه- من أمثال أبي قتادة وأبي حمزة ومن لف لفهما. ومنهم المئات ممن نفذوا عمليات الإرهاب التي طالت ألاف الأبرياء دون أن تثير جرائمهم إدانات جدية من الجاليات المسلمة في الغرب أو من حكومات الأصل. ومن لا يذكر أيضا حماية فرنسا لخميني واستقبالها الحار له وانقلابه فيما بعد على الغرب كله؟
وبعد: فبأي وجه يا ترى تريد حكوماتنا خنق حرية التعبير في الغرب بحجة الدفاع عن الأديان بينما نمارس نحن هذه الإساءة ليل نهار، ونثقف بثقافة الكراهية والقبور!! وحين تطلب حكومات منها أن تعتذر دول كبرى عن فيلم أنتجه فرد أو رسم فنان، فهل هي نفسها مستعدة لتقديم الاعتذارات لأن مئات من مواطنيها الذين غادروا للغرب راحوا يدمرون ويقتلون؟ أولما يصدر في مؤسسات دولها نفسها من إساءات متكررة للآخرين وتحريض على العنف؟؟!!!

[* في فترة زمنية قصيرة نشرت مجلتان فرنسيتان عددين خاصين بما تثيره ممارسات مسلمين ومسلمات من ردود فعل القلق والتطير والشك عند أهل البلاد. وثمة صور لإحدى المنقبات في المستشفي بكامل الملابس الكثيفة مع المعطف على طاولة الفحص، وأمامها طبيبة [ الطبيب الذكر مرفوض]. وصور صلاة المئات في الساحات والشوارع كعنوان للتحدي بوجود حوالي 2000 مسجد، عدا كون الصلاة يمكن أن تؤدى في البيت والدكان وغيرهما. ولكنها عقلية quot;نحن هنا! هيا، تفضلوا!quot;]